الحلقه الثانية

18 4 0
                                    


كان عماد ينظر لهما متابعا نقاشهم دون أن يتدخل، حيث أنه اصغر اولادهم وعم حسين قد خرج على المعاش منذ ثلاث سنوات ...  واخوه الكبير احمد يعمل بالقاهرة بأحد الشركات وقد تزوج وأخذ  شقه بالقرب من عمله، اما اخته  هدى  قد سافرت مع زوجها الى الخارج منذ سنتين، وقد خلا  عليه  البيت مع والديه منذ ذلك الوقت، و اعتاد دائما  أن يستمع لمناقشتهم دون أن يتدخل ابدا فهي غالبا  ما تنتهي بسلام دون أي خسائر، انتهى عماد من  تناول طعام الافطار واخذ كوب الشاي بيده وهنا  انتبهت إليه  والدته و اوقفته متسائلة 
" عماد انت بجد مش رايح الشغلانة دي ؟؟؟ "
فأجابها دون تردد
" ايوه يا ماما "
نظرة اليه للحظة قبل ان تقول
"  ليه يا ابني بس ؟؟؟ "
سكت ولم يجيب  و نظر الى  والده الذي أخذ كوب الشاي هو الآخر واتجه الى الشرفة  ليتناوله كعادته كل يوم فعلقت والدته بعد ما لاحظت نظرت القلق في عينيه
" ما تسمعش كلام ابوك وروح الشغلانه دي خسارة تروح منك "
سكت لا يدري  ماذا يقول لها فهو يخشى أن يحكي لها ما رائه في ذلك الكابوس من لحظات مؤلمة لازال يشعر بأثرها على جسده ،  وفي نفس الوقت يشعر ان الموضوع غريب  بعض الشيء، فهو نفسه رغم كل الخوف الذي يشعر به إنما يجد أن الموقف بعيدا كل البعد عن اي منطق عقلي  ومهم كان هناك من أدلة على صحة ما يحدث له على مدار حياته إلا أنه متأكد في نفس الوقت من عدم وجود من سوف يصدق حلم اليوم فكل الأمور السابقة كانت سلمية ليس بها أي ضرر، ولم يحدث أن خرج من أحد أحلامه بأي علامات في جسده مثل اليوم،   فقال محاولا طمأنتها
" ان شاء الله هدور على شغلان ثانيه  .. ما تقلقيش "
فقالت  له مسرعة  ..  في محاولة منها لإقناعه برأيها
" ما انت تمسك في الشاغلان دي وتدور على شغلانه ثانيه وانت فيها ولا انت عجبك قعدتك كده في البيت من يوم ما خلصت كلية  ؟؟؟ "
واخذته من يده بعيدا عن مسامع والده وقالت له بصوت منخفض
" ما تمشيش وراء كلام ابوك احنا عايزين نفرح بيك انت كمان و نخطب لك  ... ولا ايه ؟؟؟ "
نظرت في عينيه مشجعة،  فتنهد في استسلام  بعد أن شعر بأن والدته عندها حق فهو بحاجة لتلك الوظيفة بالفعل، وقد مضى على تخرجه فترة ولم تظهر له حتى الأن أي وظيفة غير هذه، ثم فكر في أن الذهاب للمقابلة سوف يؤكد له مخاوفه  او ينفيها فقال
" حاضر يا ماما "
فرحة والدته برده وعدوله عن قراره،  واخذت من يده كوب الشاي ودفعته الى غرفته في هدوء وهي تقول له بصوت منخفض لا يكاد يسمع حتى لا يسمعها زوجها
" ربنا يهديك يا ابني ويفتح في وجهك الأبواب المقفولة "
دخل الى غرفته لكي يرتدي ملابسه وهو يفكر ويحاول إقناع نفسه بأن كل ما حدث كان  مجرد أوهام  من تأثير  محادثه والده معه عن ما يقال عن ذلك المصنع وما يحكى عنه من حوادث لمن يعمل في نفس الوظيفة الليلية التي سوف يتقدم لها .  صحيح انه لازال يشعر بالتوتر ولكن ماذا سوف يخسر، أنه مجرد مقابله لا ضرر منها،   ثم يتذكر كلمات والدته التي نبهته على احتياجه  إلى المال كي يرتبط بفتاة احلامه وحبه الوحيد ميار بنت خاله والذي رفض أي ارتباط قبل أن يحصل محمد على وظيفة تمكنه من تحمل ايجار شقه على الأقل وهو يعلم جيدا أن والده لا يملك شيئا غير معاشه حتى مكافأة نهاية الخدمة قد قام بتجهيز هدى بها ولم يتبقى منها شيء،  و اقنع نفسه انه مجرد حلم ليس أكثر من ذلك،  و توكل على الله وقرر ان يذهب الى لقاء مدير المصنع في ميعاده وخرج من المنزل وتجنب مقابلة والده حتى لا يثنيه عن ما هو عازم عليه فهو لازال يشعر بالخوف من ذلك المكان واي كلمة كفيلة بان تجعله يتراجع ولا يذهب الى هناك كما اقنعته والدته.
و بالفعل ذهب الى المقابلة ورغم وصوله  متأخرا عن موعده بأكثر من ساعة ونصف الا ان الاستاذ سيد مدير المصنع لم يعقب على التأخير بل على العكس رحب به  جدا وكان هذا ملفتا للنظر فقد شعر عماد بسعادة الأستاذ سيد به، ومرة  المقابلة بسلام تام  على غير المعتاد في مقابلات سابقة له في وظائف أخرى، حيث لم يكثر في أسئلته ولكن اكتفي بإعطاء بعض التوجيهات عن الوظيفة ومتطلباتها،  وبعدها نزل مع عم متولي  رئيس العمال لكي يعرفه بمخارج ومداخل  المصنع وأقسامه المتعدد،  وسأله محمد  اثناء سيرهم  بين قطاعات المصنع بصوة في البداية كان غير واضح وذلك بسبب ارتفاع صوت الآلات من حولهم،  فأعاد السؤال مرتين بصوتا مرتفع أكثر  حتى يسمعه
" هو ما فيش اي حد يبقى موجود هنا غيري بالليل ... ؟؟؟ "
وبعد المرة الثانية سمع عم متوالي السؤال فأجابه  بالنفي حيث قام بتحريك رأسه دون أن ينطق بكلمة  واحدة، مما بث بعض التردد والخوف في قلب عماد واكمل طريقه دون كلام،  وانتظر حتى ابتعد قليلا عن الضوضاء وقد  وصلا لغرفة  المراقبة التي سوف يقضي بها ساعات عمله  فقرر  عليه السؤال ولكن بطريقه اخرى
" ليه ما تعملوا ورديات بالليل للإنتاج ؟؟؟ ".
نظرا إليه  متوالي بشيء من التعجب وتسأل في هدؤء
" وليه نعمل ورديه ثانيه ما الانتاج ماشي تمام كده "
واستطرد عماد في الحديث محاولا أن يكسر الحاجز بينه وبين ذلك الشخص الذي شعر بأنه يحاول أن يخفي الكثير وراء ذلك الهدوء و قلة الكلام التي يتمسك بهما:
" يعني  زياده الخير خيرين "
بالطبع لم يروق إلى  متولي كلامه واعتبره تدخل منه فيما لا يعنيه، حيث انه  لا يعلم ما يدور من مخاوف داخل عقل عماد الذي  يتمنى أن يكون هناك عمال في فترة عمله حتى لا يكون وحيدا في ذلك المكان وخاصة في الليل و قال عم  متولي  له ردا على سؤاله وهو يحاول أن يتفادى النظر في عينيه بشكل جعل عماد يتأكد من أنه يخفي الكثير:
" خليك في شغلك يا عماد وما لكش دعوه بحاجه "
دخلوا  الى غرفة المراقبة في تلك اللحظة و التي كان بها أكثر من سبع شاشات، كل  شاشة مقسمة لأجزاء تعرض عليها كل القطاعات في المصنع فمن الواضح انهم لم يترك مكان الا و وضعوا  فيه كاميرات  مراقبة عالية الجودة، وجاءت تلك الغرفة لتؤكد له الكثير مما حدث في كابوس الصباح، وقد  كان عم صلاح الذي يعمل في نفس وظيفة  عماد  ولكن في الفترة الصباحية يجلس على كرسي أمام الشاشات  وعند دخولهم  رحب بهم  جدا وقال له عم متولي موضحا
" ده عماد اللي هيمسك  مكانك يا عم صلاح بالليل ... عرفه  كل حاجه هنا و اسيبكم  مع بعض عشان انا عندي حاجات ثانيه  كثير "
وانصرف على الفور وتركهم قبل أن يسأله عن اي شيء اخر وسادة  بعض اللحظات  من الصمت في تلك الغرفة حتى كسره  عم صلاح  قائلا وهو يحاول ان يتجاذب أطراف الحديث  معه
" تشرب شاي ولا قهوه "
لاحظ عماد وجود غلاية  كهربائية وبعض الأكواب على طاولة  في  الغرفة ف اجاب   عليه شاكرا
" لا مش عايز شكرا  "
فأشار عم صلاح الى احد الكراسي
" طيب اقعد واقف ليه "
فاتجه إلى أحد الكراسي وجلس  امامه وبدا عم صلاح  يشرح له  طريقه عمل الشاشات، وكل ما يخص عمله في المراقبة ولكن عماد لم يكن  عقله حاضرا بل كان في مكان اخر فهذا  اول يوم  يدخل فيه هذه الغرفة في الواقع  فلم يسبق أن زار المصنع كله من قبل، ولكنه قد  دخلها  في ذلك الكابوس نعم  هي نفس الغرفة  بكل تفاصيلها  صغيرة وكبيرة قد حفرت داخل عقله، وقد بداء يتذكر أحداث ذلك الكابوس و يظهر عليه بعض التوتر والقلق،  فلاحظ عم صلاح  شروده  وقال محاولا لفت نظره
" سرحان في ايه ؟؟؟ "
رد علية محاولا اخفاء توتره و دقات قلبه المتسارعة  التي بدأت في الازدياد 
" ما فيش بس اول يوم شغل وانت عارف اكيد التوتر "
نظر اليه متفهما وحاول أن يبسط له الموقف قائلا
" توتر من ايه ده انت هتقعد تراقب شاشة ومش هتعمل حاجه قل لي انت خريج ايه ؟؟ "

زوهريحيث تعيش القصص. اكتشف الآن