الحلقه الرابعة

10 1 0
                                    

تردد عماد قليلا قبل أن تخرج كلماته التي توضح كل ما يحدث داخله من صراع يحاول التغلب عليه
" مش عارف اقرر حاجه بجد "
تعصب عمر من إجابته وقال
" كل ده ولسه مقررتش ...  انت مستني ايه بالضبط؟! "
فكر عماد قليلا ثم قال
" يمكن لأني مش عايز اصدق ان اللي بيحصل ده حقيقي "
زفر عمر في سخرية من حديثة
" بلاش انت اللي تقول الكلام ده "
لم يعلق عماد  علي كلامه فأكمل عمر الحديث قائلا وهو ينظر له في ثبات
" عشان انت لك تجارب تخليك تصدق كل حاجه "
هنا أجابة في محاولة لتبرير تردده
" ايوه انا عارف ان ليا كذا تجربة مع الاحلام وان في الغالب احلامي بتتحقق ...  ومن ساعت ما اخذت بالي وانا بخاف من احلامي بس الموضوع خرج بره الأحلام  خالص "
تكلم عمر بهدوء هذه المرة
" ايوه فاهمك بس ده ما يمنعش انك تكون متأكد ان في حاجه مش طبيعية "
تساءل  وكانه يريد من صديقه ان يقرر بدلا عنه
" يعني انت شايف ان الحل اني ابعد ؟،  طيب وكلام الراجل ال بيقول لي أن مش  أتراجع واروح الشغل ؟ "
تعصب عمر من سؤاله وارتفعت نبرة صوته قليلا
" ليه هو انت بتفكر تكمل ؟ "
أجابه صديقه بعد تردد
" بجد عاوز افهم ايه اللي حصل ل اللي قبلي على الأقل  "
قاطع عمر كلماته متعجبا
" وتفهم ليه !!!! "
سكت  مفكرا لبعض الثواني ثم سأله
" انت مين اللي قال لك على الشغلانة  دي اصلا "
" مدير المصنع يبقى جوز اخت الاستاذ خالد مدرس اختي وسألني  لو اعرف احد عايز يشتغل "
" طيب ممكن تسالوا عن ... "
قاطعه عمر  بعصبية واضحة  قائلا
" انت هتستفاد ايه من كل ده ؟؟؟  "
" عايز افهم "
هنا قال له عمر ببرود شديد
" لا يا عماد انت شكلك عجبك الموضوع ده "
هنا شعر عماد برعشة تسري في جسده بمجرد أن تذكر ما حدث  معه و قال على الفور 
" لا  طبعا انت ما شفتش اللي انا شفته "
فرد عليه عمر مؤكدا 
" خلاص يبقي الموضوع منتهى "
تنهد وقال وهو ينظر في ساعته فقد تأخر الوقت
" طيب يا عمر قوم روح انت عشان عمك ... و بكره نتقابل "
نظر له عمر بتمعن يريد أن يتأكد من كلماته وسأله
" انت ناوي على ايه ؟؟؟؟ "
لم يرد عليه فقد كان يفكر فيما سوف يقوم به فأعاد عمر عليه السؤال وقد ارتفعت نبرة صوته 
" عماد  انت ناوي على ايه ؟؟؟؟ "
أخرج نفسا عميقا يزيح به العديد من الأفكار التي تشجعه على الذهاب إلى المصنع 
" مش هروح الشغل و ها رجع على البيت خلآص "
تنهد  عمر في ارتياح  ،  فقد كان يخشى أن يصر رفيقة علي الذهاب للمصنع  وانصرف مطمئنا، و بالفعل عاد عماد الى منزله فقد كانت الساعة قد تجاوزت العاشرة فدخل الى غرفته دون ان يراه احد حيث تكون في تلك اللحظة والدته في غرفتها نايمه،  فمن عادتها هي ووالده أن يصلي العشاء ويناما فهما يستيقظان مع الفجر ولا ينام إلا بعد العشاء، فدخل الى غرفته و اغلق بابها  وجلس على سريره بعد ان ابدل ملابسه، ولم يتمكن من النوم وذلك لانه أخذ قسطا من النوم في الصباح ، ظلت الأفكار تلاحقه لفترة  وتبعد النوم عنه حتى تغلب عليه النوم في النهاية.

استيقظ وهو يشعر ببروده شديده  تحيط به وكأن هناك تيار من الهواء البارد يملأ الغرفة من حوله،  وهنا نظر الى نافذة الغرفة فوجدها مغلقة،  تسائل في نفسه من اين يأتي هذا الهواء البارد  وبمجرد أن وضع قدميه على الأرض،  حيث وقف مبتعدا عن السرير،  شعر بملمس الأرض الطينية وأدرك على الفور أنه لا يزال نائما ويحلم تلفت من حوله في الظلام يستكشف المكان الذي يحيط به  وقد وجد أنها  ارض واسعه ممتدة الى مال نهاية وهناك خيالات ثابته لا تتحرك على مايبدو انها أشجار ولكن الظلام لم يترك له المجال لاستوضحا تفاصيل المكان حتى بداء  ضوء بسيط يقترب منه و تبين انه في أرض زراعية، تحيط به الأشجار العالية في كل مكان ويأتي الهواء من ممر ممهد بين تلك الأشجار و مع اقترابه بداء يسمع صوت يتحدث اليه او بالاحر صوتا ينبض داخل عقلة فهو في كل مكان
" لماذا لم تذهب الى المصنع ؟؟؟ "
فتردد محمد قليلا وهو يبحث عن مصدر لذلك الصوت الواضح جدا  وقال متسائلا
" انت مين ..؟؟؟؟!!! "
فلم يجيب على سؤاله بل اكمل كلامه في هدوء وكانه لم يسمع سؤاله
" الم اقل لك ان تذهب الى عملك "
قاطعه مرة أخرى بعصبية هذه المرة
" انت مين رد عليا الاول ؟؟؟؟ "
و جاءه الرد بصوت ذلك الكيان الذي يبعث الرجف في قلبه
" يوما ما سوف تعلم من اكون يوما ما سوف تفهم ... "
هنا قاطعه بحد 
" لا أنا عايز  افهم دلوقت  "
فارتفع صوت ذلك الكيان معنفا له
" لا تكن عنيدا وجبانا اذهب الى المصنع وتمسك ... "
وكانت هذه اخر الكلمات  التي وصلت إلى مسامعه او التي استطاع التقاطها، حيث ظهرت في خلفية المشهد ضوضاء شديد شتت انتباهه، والتي اتضح أنها رنين الهاتف الخاص به،  الذي أيقظه من نومه فزعا وهو يتصبب عرقا رغم شدة  برودة  الجو المحيط به، وجلس منتبها على السرير و امسك بالهاتف فوجد انه عمر الذي يتصل به، فتح الهاتف متسائلا
" ايوه يا عمر خير ؟؟؟ "
جاءه صوت صديقة متسأل في خوف واضح
" انت فين ؟؟؟ "
فسخر منه  وه يرد عليه
" انت متصل بيا بعد الساعة اربعه عشان تسالني انا فين !!! "
" بس يا عم اهدا شويه انا بطمن انك في البيت  ما رحتش الشغل "
" أنا كنت نائم وانت صحتني "
" اسف خلاص روح  كمل نوم "
" لا خلاص انت ايه اللي مصحيك للوقت ده ؟؟؟ "
" كنت سهران مع عمي واخذنا الوقت وقلنا نستنا   اذان الفجر وننزل نصلي في الجامع "
" طيب انا البس  واجي لك على الجامع "
" ليه بس ؟؟؟ "
" لما اقابلك واحكيلك "
كانت الساعة الرابعة و موعد اذان الفجر لم يحن بعد، وهو يعلم أن والديه يستيقظان بعد الرابعة ونصف فقام ب ارتداء ملابسه ونزل الى الشارع قبل استيقاظهم، واتجه الى الجامع المجاور لمنزل صديقه وعندما وصل هناك وجد عمر بانتظاره وكان عمه يقف معه فقد بدأ أذان الفجر بالفعل قام بتحية  عم عمر، وهنا امسك به عمر واخذه بعيدا عن عمه، وسأله بعصبية شديدة
" ايه اللي انت لابسه ده انت مش كنت في البيت ؟؟ "
فقد  كان يرتدي ملابس العمل لذلك  حاول تهدئة صديقه حتى لا يلفت الأنظار لرد فعله المبالغ به
" انا كنت في البيت و بعد الصلاة ها فاهمك يلا عشان ويقيموا  الصلاة "
تسائل عم  عمر عندما لاحظ تصرفاتهم المريب
" ما لكم في ايه ؟؟؟ "
فأجابه عمر وهو يحاول أن لا يظهر ما به من توتر
"مفيش يا عمي يلا نلحق الصلاة "
وبعد الصلاة وقف عم عمر يتحدث مع شيخ الجامع وأخذ عمر صديقة  بعيدا عنهم وسأله
"  احكيلي في ايه بقا فهمني كده ؟؟؟ "
شرح له ما حدث معه في الحلم الاخير من تفاصيل  ثم قال له في النهاية موضحا سبب ارتدائه ملابس العمل
" انا هارجع البيت في ميعاد ال برجع فيه من الشغل عشان انا هروح الشغل بالليل "
ظهر الاستياء على عمر وهو يقول
"انت شكلك اتجننت خلاص "
تكلم عماد بكل هدوء وهو يحاول تهدئة صديقه
" انا مش شايف مشكله   ... "
ولم يستطع استكمال جملته فقد قاطعهم اقتراب عم عمر و شيخ الجامع منهم وسأل  عم عمر
" انت يا عماد رايح الشغل ؟؟ "
فأجاب عليه وهو يبتسم في ود
" لا انا مروح ... "
فسأله عم عمر
" انت بتشتغل فين ؟؟؟ "
تكلم و هو ينظر الى صديقه
" في المصنع الجديد اللي على الطريق العام "
تساءل عم عمر 
" ايه ده هو في مصنع هناك ؟؟؟ "
هنا تحدث شيخ الجامع  قائلا
" ايوه تم بناء مصنع من سنه تقريبا مكان بيت ابو هلال "
ظهر التعجب على عم عمر وهو يتساءل
" البيت المهجور "
علق الشيخ عبد الرحمن عليه قائلا
" اه دلوقت بقى مصنع كبير "
بعد سماع تعليق عم عمر وشيخ الجامع سائلهم عماد على الفور
" ايه حكاية البيت المهجور ده؟ "
أجابه عم عمر
" والله يا أبني، انا اطلع  الاقيه مهجور كده ... "
ثم نظر الى شيخ الجامع وقال
" ممكن الشيخ عبد الرحمن يعرف اكثر مني عنه " 
قال الشيخ عبد الرحمن وهو يحاول التهرب من الحديث وقد بدا عليه التوتر بعد هذا الحديث
" الوقت تأخر استأذن عشان اروح اقفل الجامع ... "
وبالفعل انصرف  ولكن عماد تبعه  واوقفه قائلا
" يا عم الشيخ استحلفك بالله تحكي لي اللي تعرفه عن المصنع ده .. "
نظر له الشيخ عبد الرحمن مترددا ثم سأله
" انت ليه بتسال ؟؟؟ "
فأجابه وقد شعر برعشة تسري في ظهره عندما تذكر ما حدث معه هناك  
" انا بشتغل هناك "
تنهد ذلك الشيخ في ملل وهو يقول
" لو الشغل مش مريحك سيبه "
هز عماد راسه في نفي
" مش ينفع يا عم الشيخ هو حد لاقي شغل  اليومين دول ..."
في تلك اللحظة أقترب منهم عمر بعد أن قام باستئذان عمه، ووجد عماد نفسه يحكي كل التفاصيل التي مرت به خلال اليومين  
الماضيين، وما  حدث معه في المصنع وفي أحلامه بالتفصيل لعله يجد عنده حلا او تفسيرا لكل تلك الأحداث، وقد كان الشيخ يستمع له دون أن يقاطعه، ولم تظهر عليه أي علامات التعجب مما يرويه عماد،  وبعد ما أتم عماد  سرد حكايته نظر الى الشيخ عبد الرحمن ينتظر منه ردا فتنهد  الشيخ وقال لهم في استسلام
" تعالوا معي مش هينفع الكلام هنا ... "
وأشار لهم أن يتبعوه للداخل،  وبالفعل اتجهوا الى  داخل الجامع واغلق الشيخ الباب  فقد بدا ضوء النهار ينتشر وليس من المستحب وقوفهم امام الجامع في ذلك الوقت، جلس ثلاثتهم  في أحد أركان الجامع  ،  ولم ينطق أي من الشابين، لكي يبدأ الشيخ عبد الرحمن الحديث قائلا
" الحكاية دي من يجي ثلاثين سنه انا كنت لسه متعين جديد في المعهد الديني ولسه ما مسكت امام الجامع "
لم يقاطعه  أحد منهم فقد بلغ الشغف منهم  مبلغه  وهم ينتظرون بفارغ الصبر سماع القصة كاملة دون أي تدخل فاكمل الحديث رغما عنه، وهو يبتلع ريقه،  و يعود بذكريات لتلك الفترة التي عادة إلية ذكرياتها من لحظة ما ذكر عماد عمله بذلك المصنع.

زوهريحيث تعيش القصص. اكتشف الآن