الحلقه الخامسة

5 1 1
                                    


خرجت كلمات الشيخ بصعوبة كأنه تأتي من الماضي مسافرة عبر الزمن، يحاول أن يستجمع ما وصل إلية من أخبار في تلك الفترة
" كان فيه شخص اسمه خالد ابو هلال يمتلك الارض اللي عليها المصنع ده دلوقت،  وكان باني فيها بيت كبير بدوار وجنينه واللي سمعناه  ايامها انه كان بيحاول كثير ان يحضر جن  ليه محدش يعرف أسبابه ولا أهدافه من كل المحاولات ال كان بيعملها وبتكلفه فلوس كثير،  و لذلك كان يقيم العديد من  السهرات الغريبة في منزله، و في كل مره يجيب دجالين ويصرف  فلوس كثير في الموضوع  عليهم وتكون النتيجة الفشل وتنتهي كل حفلة باعتزاله الناس لفترة من الوقت، لكن بيرجع ثاني ويكرر المحاولة،  بس في اخر مره كان عنده دجال وعمل حفله كبيره وعزم ناس كثير من معارفه ال كانوا بيشجعوا على كده، وكانت نهاية اليوم ده فظيعة البيت اتحرق باللي فيه، وما حدش نجا  منهم عشان يحكي اللي ايه ال حصل اصلا  في اليوم ده، وبعد كده فضل البيت مهجور طبعا القضية قيدت ضد مجهول عشان الشرطة ما وصلتش للجاني،  والطب الشرعي حدد  أن سبب الحريق حدوث ماس كهربائي، وبعد فتره قرايب الراجل ده لما تقريبا معرفوش يسكنوا في البيت  باعوا  البيت والارض باقل من ثمنها لان ما حدش كان عاوز يشتريها اصلا واللي اشتراها بردو باعها بخساره لأنه ما عرفش يعيش فيه لحد المكان ما بقى مهجور و فاتت سنين   طويله ما حدش كان بيقرب منه ابدا وكان كل وحاد يحاول يسكنه يموت حد من ال معاه يأم هو نفسه ال بيموت واصبح المكان مشؤوم لغايه من سنه وشويه، لما وصل الراجل  صاحب المصنع الحالي، واشترى البيت والارض وقام ببناء المصنع ال انت بتشتغل فيه. "
وأخذ نفسا  عميق و نظر اليهم ليرى تأثير ما رواه فقد بدا على عماد بعض الارتياح ام عمر فقد ظهر عليه التوتر اكثر وهنا تساءل عماد
" طيب سمعت حاجه عن الحارس اللي بيشتغل بالليل في المصنع والحوادث اللي بتحصل معه ؟ "
اخرج الشيخ عبد الرحمن نفسا طويلا قبل ان يجيب عليه
" هي كلها حكايات بسمعها من الناس   بس في اثنين منهم انا اعرفهم شخصيا "
فسأله بلهفة واضحا
" وايه اللي حصل لهم "
" واحد منهم اهله دخلوه مصحة  في القاهرة لأنه حاول يقتل نفسه اكثر من مره و فشل والثاني لاقوه ميت في اوضته  وقال الطب الشرعي انها سكته قلبيه "
هنا قاطعهم عمر  موجها كلامه الى صديقه
" وعاوز تروح برده الشغل ! "
تكلم الشيخ عبد الرحمن قبل أن يرد عماد على تعليق عمر
" محدش بيأكد  ان الوفاه بسبب المصنع بس اللي انت حكيت لي عليه   يخليك تفكر اكثر من مره انك ترجع الشغل ثاني  "
شرد عماد لثواني  بتفكيره بعيدا عنهم فهو يشعر بالحيرة فهناك  شيء قوي بداخله يدفعه للذهاب إلى العمل و مواجهة ذلك الكائن  ،  ولكن العقل يرفض ذلك وهو حائرا لا يستطيع اتخاذ قرار حتى صديقه الوحيد الذي كان دائما ما يعتمد عليه أصبحت قراراته تغلب عليها العاطفة والخوف انتبه من شروده على سؤال عمر له
" انت بتفكر في ايه ؟ "
نظر له وابتسم  وقال للشيخ عبد الرحمن
" شكرا لك تعبناك معنا "
فأجابه بكل عطف 
" العفو يا ابني ربنا يحفظكم  من كل شر. "
وقام لينصرف وتبعه عمر وهو يساله

" ما ردتش علي يا عماد ؟ "
نظر له وهو يحاول ألا يظهر له ما توصل إليه من قرار
" انت عندك شغل ولا هتروح على البيت ؟ "
" لا مش عندي شغل انا اخذ النهار ده اجازه بتهرب من سؤالي ليه ؟ "
لاحت على وجه عماد ابتسامة خفيفة فهو يعلم ما يفكر به صديقه
" مش بهرب ولا حاجه الساعة سبعة ونص  تيجي نفطر مع بعض ونتكلم ؟ "
تنهد  عمر في يأس  وقال
" امري لله يلا يا عم "
بالفعل ذهب محمد وعمر يبحثان عن مكان يتناولان فيه طعام الافطار حتى وجدا بائع من البائعين المتجولين والذي تخصص في اعداد الفول والشطائر  فاشتريا بعض من الشطائر ثم اتجه الى أحد الأرصفة المجاورة لذلك البائع و جلسا على  الرصيف يتناولان طعامهما، وهنا بدأ عماد الحديث

"انت ليه خايف المفروض انا اللي اكون مرعوب  مش أنت ؟ "
فتحدث عمر باستغراب
" ايوه والله بجد انا مستغرب الثقة اللي انت فيها بصراحه "
أشار عماد بيده إلى صدر عمر في مكان القلب مباشرة و  قال
" طالما اللي جوه هنا مطمئن وواثق ان لن يصيبنا الا ما كتب الله لنا، صدقني مافيش حاجه تخوفك "
ابتسم عمر لكلمات صديقة
" بس انت ناسية الخوف ال انت كنت فيه امبارح ولا ايه "
واخرج نفسا عميقا وهو يكمل
" بس مش برده  نرمي نفسنا في النار يعني "
فقاطعه صديقة في هدوء 
" ومين قال ان انا برمي نفسي في النار ! "
نظر له عمر وهو يتفحص ملامح صديقة التي بدأ عليه الهدوء،  وقال له في استياء شديد
" يعني هترجع الشغل برده ؟ "
فأجابه محاولا ان يجعله يطمئن لما توصل إلية من قرار
" اه و اوعدك لو لقيت الامور بتخرج عن السيطرة هاسيب الشغل على طول  وبدون ما اقول لك كمان. "
شعر عمر بقلت الحيلة امام اصرار صديقه فقد ضاعت منه الكلمات ولا يجد امامه سبيلا الا الصمت فقد اتخذ صديقة قراره و لن يرجع عنه مهما فعل.
عندما وصل عماد إلى المنزل  ، كانت والدته في المطبخ و والده في الشرفة يتناول كوبا من الشاي لم يتحدث لاحد منهم ودخل الى غرفته مباشرة، هربا من اي مواجه هو ليس مستعدا لها الآن، كذلك  يحاول أن  يحصل على قسطا من الراحة حتى يكون في كامل لياقته ليلا عندما يذهب الى المصنع  لمواجهة مصيره الذي يسير  إليه مسلوب الإرادة لا يعلم إن كان ما يقوم به هو الصواب أما الهلاك بعينه ولكن كل ما يعلمه أن هناك ما هو اقوى من إرادته ويدفعه الى ذلك الطريق، وبالفعل  غلبه النوم دون أحلام هذه المرة وكان قد أعد المنبه على هاتفه المحمول ليوقظه  قبل صلاة  العصر وبالفعل استيقظ في الساعة الثالثة  وجلس يبحث على الأنترنت عن مواضيع مشابهه لحالته او كتب تتحدث في هذا المجال وبالفعل وجد الكثير من المصادر تناقش مثل هذه  الاحداث المماثلة  لحالة المصنع ولكن جميعها لا تعطي حلولا قطعية لهذه القضايا وسرقة الوقت حتى دخلت عليه ولادته متسائلة
" طب قاعد لوحدك ليه  كده ؟ "
فانتبه لها وقال
" ما فيش كنت بقرا شويه هو بابا فين ؟ "
" بره وانا حضرت الغداء "
فقام من جلسته على سريرة
" طيب انا جاي وراكي "
وذهب  لكي يتوضأ وصلى الظهر وانضم اليهم ليتناول طعام الغذاء ولاحظ ان والده يتجنب النظر إليه وتمنى لو  يستطيع التحدث معه فهو يرغب  في أن يحكي له كل ما حدث معه من احداث و ان لا يخفي عليه سرا ولكنه يخشى رد فعله و هو  متأكد انه سوف يعارضه في قرار عودته  للعمل مهما حاول اقناعه  ومهما كان لديه من أسباب، قاطع أفكاره منتبها لحديث  والدته
" على فكره هدى جايه هي وزوجها بعد اسبوعين "
دخلت السعادة قلبه عند سماعه ذلك الخبر فهو قد اشتاق لرؤية أخته هدى فقال  متسائلا
" بجد وبيقعد اد ايه ؟؟؟ "
فأجبته والدته 
" بتقول تقريبا  اربع اسابيع "
هنا تدخل الأب في الحوار قائلا
" ابقي قولي لأحمد عشان يتجمعوا كلهم هنا "
فابتسمت والدته في سعادة
" ايوه هقول له ان شاء الله "
لم يستغرب عماد رد فعل  والده  الجاف فتلك هي شخصيته التي اعتادوا جميعا عليها فهو لا يظهر مشاعره لأحد ويكتفي فقط بأداء الواجب في حدود كبيرة، تجعل صلته بكل من أولاده وأحفاده لا تتعدد الاطمئنان على أحوالهم فقط ، أما بالنسبة لوالدته و على الرغم من أن تلك الفترة التي تجتمع الأسرة كلها في المنزل  ومع وجود الأحفاد  ويمتلئ  البيت الحيوية والنشاط  تغير من روتين حياتها اليومي، تجد أن السعادة  تظهر عليها، مع كل الإزعاج الذي يتسبب فيه أبناء الأسرتين، إلا أنه تظل سعيد بوجودهم وتجمعهم النادر خاصة في الفترة الاخيرة ولا ترغب في انصرافهم أبداً.
مضى الوقت سريعا على عماد  حتى جاء ميعاد ذهابه الى المصنع وقد قام بالاتصال ب عم متولي و اعتذر له عن تغيبه عن العمل بالأمس الذي قبل اعتذاره دون أي اعتراض، ولم يتعجب من ذلك فهو يعلم الآن أنهم بحاجة إلية وقال له إن  عم صلاح سوف يكون في انتظاره  في ميعاده مساء، وبالفعل استلم العمل من عم صلاح الذي لم يسأله عن أسباب غيابه وتعامل معه بشكل طبيعي، مما جعله يتأكد انهم جميعا يعلمون بما يحدث في المصنع، ولكنهم يرفضون الاعتراف به أو الحديث عنه باي طريقه.
انتهى من أداء المهام اليومية له  في العمل مثلما فعل في اليوم الأول له،  وفي النهاية جلس أمام شاشات المراقبة يتناول كوب من الشاي  وينظر الى الشاشات وكأنه ينتظر ظهور الكائن في تحدي منه له، وقد وضع بجواره المصحف استعدادا له ، وكأن ذلك الكيان  شخصا ينتظره ويعد العدة لاستقبال ومحاربته،  ولما طال الوقت عليه فتح الهاتف المحمول يتصفح الانترنت والسوشيال ميديا، ومر الوقت عليه حتى حضرت ساعه الشيطان كما يطلق عليها بعض الباحثين في ذلك المجال او ساعه السحر وهي بعد الساعة الثانية من منتصف الليل فهو لم يكن يعلم ذلك من قبل، حيث  بدأت أصوات الآلات تظهر في وضوح في كل مكان وانتبه لها، لذلك أمسك المصحف في يده، وهو متأكد أنه لن يرتعب هذه المرة، حيث كان يعلم أنه لديه سلاحه قوي، و متأكد كل التأكيد من فعاليته فبدأ يردد آية الكرسي، عندما بدأت التحركات تظهر في الشاشات كلها مرة واحدة باهتزاز شديد ثم أظلمت فجأة وبدون مقدمات ، توقف عن ترديد آية الكرسي للحظات، عادت بها  الأصوات مرة أخرى ففتح  المصحف وبدا يتلو منه دون توقف رغم كل ما يحدث من حركات وأصوات خارج غرفة المراقبة.

لقد وصلت إلى نهاية الفصول المنشورة.

⏰ آخر تحديث: Sep 25, 2022 ⏰

أضِف هذه القصة لمكتبتك كي يصلك إشعار عن فصولها الجديدة!

زوهريحيث تعيش القصص. اكتشف الآن