الحلقه الثالثة

12 3 0
                                    

كان هذا صوت والده متسائلا
" هو لسه نايم ؟؟!!! "
واجابته والدته 
" لا صحي وكمان دخلت له الغداء "
قال عم حسين بسخرية واضحة
" انت ومدلعاه على الاخر "
كان هذا الحديث الذي وصل له بين والده ووالدته قبل أن يدخل والده إلى غرفته فقال له عماد محاولا امتصاص غضبه المتوقع
" اتفضل معايا يا حاج "
وعلى عكس ما توقع تكلم والده في هدوء
" شكرا يا استاذ سبقناك من بدري وانت نايم "
ثم جلس على طرف السرير وأكمل  حديثه قائلا
" ايه كل النوم ده ؟؟؟!! "
فأجابه عماد وهو يكمل تناول طعامه و قال
" بعوض شويه اصل انا هطبق في الشغل زي ما انت عارف "
نظر له والده غير راضيا عن كلامه قائلا
" يعني خلاص هتروح الشغل ده ؟؟؟ "
في تلك اللحظة توقف عماد عن تناول طعامه و نظر الى  والده وقال له وهو يحاول ان لا يبدو عليه أي توتر او انفعال
" اكيد طبعا دي شغلان ما تتسابش،  وبعدين مفيش حد  غيرك معترض عليها اصلا، وأسباب حضرتك  بصراحه غير مقنعة مجرد أشاعت مفيش عليها دليل مادي " 
و للحظه ساوره بعضا من القلق من ان يكون والده استشعر التوتر في كلماته ولكن والده قال له قاطعا عليه افكاره
" انت شايف كده برده "
واخرج من جيبه   مصحفا صغيرا و اعطاه اياه في يده وشد على يده قائلا بهدوء
" خذ  المصحف ده تخليه معاك و ياريت  تقرأ فيه طول ما انت قاعد فاضي في الشغل "
امسك عماد بالمصحف الشريف في يده وقال وقد بدأ يشعر برهبة تسري  في جسده من قوة الكلمات والمشاعر التي بداخله والتي نجح والده في أن يوصلها له
" انت ليه عايز توترني ؟؟؟ "
تنهد والده في يأس وهو يجيب عليه
" انا مش عاوز اوترك أنا خائف عليك ياريت تفهم كده "
وقام واقفا  لينصرف وهو يكمل جملته قائلا
" قوم  توضأ  وصلي العصر والمغرب قبل العشاء ما تأذن  "
وانصرف دون ان يترك له مجال للرد نظر محمد الى المصحف واخرج  نفسا عميقا وأخذ صينية الطعام واتجه ليضعها في  المطبخ ثم توجه للحمام و توضأ  وصلى  بعد أن ارتدى ملابس العمل التي استلمها في الصباح ... ومن ثم نزل الى الشارع متجها الى عمله وهو يحاول ان يبعد كل الأفكار السلبية التي تدور بداخل عقله حتى لا يزيد من خوفه
وصل الى المصنع قبل الساعة التاسعة بربع ساعه واستلم من عم صلاح العمل دون أن يسأله عن أي شيء ، وفي محاولة لتجاهل تلك الأفكار بداء يشغل نفسه  بعد ان انصرف  كل العمال قام هو بالتأكد من كل مخارج ومداخل المصنع وبعد ذلك رجع إلى غرفة المراقبة وكانت الساعة قد تجاوزت الحادية عشر بدقائق،  فقام بعمل كوبا من الشاي لنفسه وجلس يتصفح الموبايل الخاص به ومر عليه  الوقت ولم ينتبه الى الشاشات في تلك الفترة، حتى جاءت   الساعة الواحدة بعد منتصف الليل فنظر إلى الشاشات ليطمئن على الأوضاع، و وجد أن كل شيء كما هو فقال لنفسه ساخرا
" انت كنت منتظر ايه ... الظاهر ان  كل  اللي حصل ده كله كان اوهام ... "
وضحك في نفسه وهو يرفع أقدامه ليضعها  على الكرسي الاخر يريح جسده قليلا وفتح الهاتف المحمول  وأكمل تصفح  فيه،  ولم تمض إلا ساعة واحدة  حتى بدأ  يسمع أصوات الآلات تعمل وصوتها يعلو ليكسر حاجز الهدوء المحيط به فتنبه لذلك فزعا، ونظر للشاشات ليعرف مصدر تلك الاصوات  التي تبدو قريبة منه و واضح جدا و تصل إليه في هذه الغرفة المغلقة، وبداء يشعر بارتفاع درجة حرارة الجو من حوله  وكأنه في يوم حار من ايام الصيف ويقف تحت أشعة الشمس مباشرة، فتوتر اكثر وكان أول شيء يفكر فيه هو  المصحف الذي أعطاه له والده فأخرجه  من جيبه ولكنه لم يستطع أن يقرأ فيه من شدة  توتره فاستعذ  من الشيطان الرجيم  وفتح الهاتف المحمول وقام بتشغيل القرآن عليه وجعل صوة مرتفعا،  بدأ يشعر ببعض من الاطمئنان مع صوت القارئ لسورة البقرة
( الم {١} ذَٰلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ ۛ فِيهِ ۛ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ {٢}الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ  ...  )
و حاول  ألا  ينظر إلى الشاشات التي بدأت تهتز ويظهر بها  كلها وفي نفس الوقت ذلك الوجه الذي راه في الكابوس وعندما انتبه له فزع من مكانه و ارتد  للخلف ليقع على الأرض ويزحف مرعوبا و  مبتعدا عن المكتب، و وضع يديه على وجهه حتى لا يرى الشاشة حتى اصطدم بالحائط  وجسده يرتجف رعبا ونبضات قلبه  تعلوا و كان  صوت القرآن موجودا فبدأ يردد بعض الآيات معه
( خَتَمَ اللَّهُ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ وَعَلَىٰ سَمْعِهِمْ ۖ وَعَلَىٰ أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ ۖ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ )
وكان أثناء ذلك  يضم نفسه منكمشا  في جوار الحائط واللحظات كاد ان يغمى عليه، ولكن شيئا داخله  يقول له ألا يفعل يجب أن تكون متيقظا  وفجأة توقف الموبايل عن العمل فأزال  يده ببطء عن وجهه  وهو يبحث عن هاتفه اين تركه منذ لحظات فلم يتوصل إليه  وأدار عينيه يبحث عن المصحف فوجد أنه على المكتب   بجوار الشاشات التي عادت لطبيعتها فهداء قليلا و تمالك نفسه وقام بهدوء حتى وصل الى المكتب وهو يشعر بأن كل ذرة في جسده تتألم وامسك بالمصحف والهاتف  ليفاجئ بأن الموبايل قد أظلمت شاشته وتنبه إلى شاشات المراقبة مره اخرى التي بدأت  تهتز ليعود هذا الوجه للظهور عليها فاختبئ تحت المكتب مرعوبا وجسده يتصبب عرقا  وهو يمسك بالمصحف بيده  محاولا ان يفتحه  ويرتجف  ويحاول القراءة ولكن عينيه لا تساعد أنه فقد امتلأت بالدموع  فأغمض عينيه للحظات و استعاذ من الشيطان الرجيم و بدأ يردد بعض الآيات التي يحفظها  بدلا من القراءة من المصحف فهو يحاول أن ينتصر على خوفه قبل أي شيء، وبعد مضي بعض الوقت بدأت الرؤية تتضح أمامه  بعد ان توقفت دموعه قليلا  ففتح المصحف وبدأ في القراءة بصوت جهوري ولم يتوقف وهنا احس انه ينفصل عن الواقع من حوله فلم يسمع او يرى ما يحدث خارج الغرفة، والتي كانت تنقله الشاشات من حركة لذلك الشيء  واصوات  لما يسمعها   فقد اصبح في عالم اخر يحجبه عن كل ذلك، حتى صدع صوت اذان الفجر بالخارج، فتنبه له  وتوقف عن القراءة وقد امتلاء قلبه بالاطمئنان  وخرج من مخبئه و نظر الى الشاشات التي عادت الى طبيعتها فقرر ان يصلي الفجر ولكنه عندما اقترب من باب الغرفة وكاد ان يضع يده على مقبض الباب  شعر   بحركة  من خلف الباب و قد كان صوت تلك الحركات واضحا وقريباً  منه وللأسف لا توجد كاميرات في الممر عند باب غرفة المراقبة توضح له ما يحدث خارجها فعاد و جلس على الكرسي  لا يعرف ماذا يفعل ونظر من حوله يبحث عن حل  فوجد زجاجة  ماء فتوضأ منها وقام ليصلي الفجر.
وبعد ان انتهى  من أداء الصلاة أمسك بالمصحف وبدا القراءة من جديد  و قد قرر ألا يتوقف حتى موعد وصول الموظفين في موعدها في الثامنة صباحا،  صحيح أنه لم يخرج من الغرفة ولم يقابل ذلك الكائن كما حدث في ذلك الكابوس، إلا أنه يشعر برعب أكثر من مما شعر به في ذلك الحلم ويتمنى أن ينتهي اليوم عند ذلك الحد.

زوهريحيث تعيش القصص. اكتشف الآن