عَاد بُومقيو إلى منزلِه وأخيرًا، دالفًا شِقّته بَخُطواتٍ ثقِيلة. كَان مُمتنًا أشَد الإمتنان أن اليَوم قد وَصل إلى آخرِه، شَاعرًا بالرّاحة تسرِي في كامِل جسده. كانت أحب الأوقات إلى قلبِه تلك التّي يدلُف فيها بَاب شِقّته، حين يستطِيع أخيرًا أن يشعُر بالحُرية، أن يتحرّك كيفَما شَاء ويتحدّث كيفَما شَاء، حين لا يشعُر أن جميع الأنظَار مُعلقة عليه، تُقيدُه.
تَنهّد بُومقيو بعُمق، خالعًا حذاءَهُ وسُترته، ثُم بدَأ يسيرُ مُتوجهًا إلى غُرفته، أو بِمعنى أصح، مَملكتُه.
حِينما دَلف غُرفته، أول ما نظر إليه هو المِرآة، كَان ينوي فَقط الخُلود إلى النّوم.. ولكنّه شَرد في وَجهه لبَعض اللَّحظات. كَانت عَيناهُ القَهويّة ذَابلة، تموضعت حَولها الهَالات السّوداء. وجههُ كان شاحبًا، مائلًا لِلَون الحَليب. خُصلاته أصحَبت أطول مُؤخرًا، بسبب إهماله لنفسه وعدم إعارة الإهتمام لذاته. لم يكُن بُومقيو من النّوع الذِّي ينتبه كثيرًا كيف يبدُو، هو بالكَاد يخرُج من المَنزل.
تنهّد تنهيدةً طويلة، ثُم بَدأت قدَماه تقُوده إلى خزانة ثيابِه. وبعدما قَام بتغيير ملابِسه إلى أخرى مُريحة، أخَذ يسير تجاه سَريره بخطوات ثقيلة، راميًا نفسه علَيه.
بمُجرد أن وُضعت رأسهُ على وسَادته البَيضاء المُريحة، بدَأت كُل الأفكَار تتجمّع داخِل عقلِه في آنٍ واحد، تتدَاخل في بعضهَا بعضًا، صانعةً عُقدًا وكوابيسًا لا متناهية.
كان كُل ليلةٍ لا يُفكر سِوى في تِلك الحالة التِّي هو علَيها، لا يُفكر سوى في كيفية الخُروج منها، ولكن الأمر صعب، صعبٌ للغاية. كَرِهَ بُومقيو مَرضه، وكرهَ نفسهُ وكل شيءٍ يتعلق بِه، كان دائمًا يرغبُ بأن يكون شخصًا آخر، أيَّ شخصٍ ولكن ليس هو، أي شخصٍ ولكن ليس بُومقيو.
كانت الوِحدة تنهشُ روحه، تأكلُها آكلًا ولا تترُك منهَا شيئًا، حتّى نفسه لم يعُد يقدر على مُواساتها، لم يعُد يمتلك القُدرة التِّي كان يمتلكُها سابقًا.
أغمَض بُومقيو عينَاه عاصرًا إيّاها، لا يدرِي إن كان يُحاول إخرَاس عقله أم يُحاول كبح دمُوعه. ولكنه نَجح في النّهاية.. ككُل مرّة.
ولكن كُل مرة، كانت تِلك الغُصة في حلقه تُصبح أكثر ألمًا، وكانت كُل مرة تخنقُه أكثر فأكثر. أراد الصُّراخ، أراد الإنتحاب، أراد البُكاء، ولكن كُل ذلك لا يزيدُ إلّا الطّين بلّة؛ فلَا الدُّموع ستُداوي جُرحًا، ولا النّحيب سيُجدي نفعًا.
YOU ARE READING
رَهَاب || بُومكَاي.
Storie breviأَنتَ هُوَ، صَدِيقِي الأَوَّل وَالوَحِيد. "لَدَيَّ رَهَابٌ..مِن البَشَر." "إِذًا.. إِعتَبِرنِي لَستُ بَشَرِيًا، مَاذَا عَن قِردٍ أَو مَا شَابَه؟ هَكَذَا لَن يَكُونَ لَدَيكَ رَهَابٌ مِنِّي." -تِشُوي بُومقِيُو. -هِيُونِينغكاي. • فُصُولٌ قَصِيرَة. • طَ...