طيف من الماضي || 3

6 3 0
                                    

~

استقرت جالسة على تلك الأرجوحة الخشبية العتيقة , تقرأ إحدى مؤلفات شيكسبير , بينما رفعت شعرها البندقي إلى الأعلى و تلك النظارة المستديرة التي لا ترتديها إلا نادراً . .  نسمات الهواء الباردة التي تصطدم ضد معالم وجهها الفاتن بعنف تشعرها بالنشوة . . إنه طقسها المفضل 

من الصعب على المرء التصديق أن هذه إليزابيث . .

ما يجعلها مرتاحة نوعاً ما هو أنه من النادر وجود شخص في الحديقة الخلفية للحرم الجامعي , تنفست الصعداء لتبتسم بروية . . .
_ " إليزابيث فيروناس ؟ " نبرة رجولية تزينها غصة مميزة نطقت بإسمها لتتلاشى إبتسامتها و يستولي البرود على ملامح وجهها قبل أن ترفع رأسها لترى هوية المتحدث . . .

عينان اصطبغتا بلون الرصاص النقي , شعر فحمي يصل إلى منكبيه , بعثرة شعره على جبينه بطريقة مغرية , ملامح وجه حادة , بشرة حنطية عتيقة تبعث عن جنسيته اليونانية , كان . . . وسيماً
ناهيك عن ذوقه الراقي في الملابس . . كنزة اصطبغت بلون أوراق الخريف المتساقطة بينما تعانق جزعه العلوي بمثالية , إضافة إلى بنطاله الذي يماثل شعره لوناً . . كانت ملابسه تناسب أجواء الخريف اليونانية . .
اوه ! أعتذر للغاية . . . أود تعريفكم

اندريه دي فريز

_ " أجل ؟ " أردفت في هدوء بينما عسليتيها تتفقدان معالم وجهه عن كثب . . يستوليها بعض الشك , في حين إنتشل الآخر علبة من جيب بنطاله مخرجاً سيجارة من جوفها , ليعيدها من حيث أخرجها . . .
_ " بروفيسور بيفكي يريدك في مكتبه " نبس بهدوء بينما يشعل سيجارته , ليستدير بنية الذهاب بعدما اختتم كلماته . . .
_ " مهلاً ! " أردفت بسرعة بعدما إنتفضت من مضجعها ليقف المعنيُّ دون أن يستدير نحوها

_ " هل إلتقينا من قبل ؟ " برغم كل شيء هي تشعر أنه
مألوف و بطريقة غريبة . . .

_ " محطة أنفاق أثينا , السابع من كانون الأول . . آنسة إليزابيث " أردف يرجع رأسه بحركة تلقائية للخلف نافثاً ذلك الدخان الكثيف في الهواء . . ليستدير نحوها مبتسماً بخفة
_ " أتذكرينني آنستي ؟ " سأل قبل أن يسحب نفساً من سيجارته , بينما استغرقت الأخرى في دوامة تكونت من ذرات ذكرياتها . . .

~ قبل حوالي سنة

تركض بسرعة مع محاولات يائسة بألا تصطدم بأحدهم في هذا الزحام , تحاول بكل عزم على إضاعة أثرهم . . لكن هيهات ما زالوا خلفها ! زادت من وتيرة ركضها و بلا أدنى محاولات للتفكير دلفت إلى داخل قطار الأنفاق , التفتت يميناً و يساراً تبحث عن موقع إستراتيجي للإختباء . . . ربما تحت المقاعد ؟!
جفلت عندما قام أحدهم بسحبها من رسغها دافناً إياها بين أضلعه , أحاطها بذراعيه جاعلاً من المستعصي على المرء رؤيتها نسبة لبنيتها الصغيرة . . .
دلف أؤلئك الرجال الثلاثة إلى القطار , لتعانقه الأخرى و الخوف يتسلل إلى أوصالها شادة على ملابسه . . . التوتر قد خاض معركته ضد جسدها و للحق هي مرعوبة حد اللعنة , لكن سرعان ما ملأت رئتيها بالهواء حينما سمعت صوت أقدامهم و هم يخرجون من القطار و ما جعلها تطمئن هو أن القطار أغلق أبوابه بالفعل . . رفعت رأسها بثقل و كأن كل قضايا الكون بأكمله كانت على عاتقها نحو ذلك الغريب , و لكن . . . كل ما استطاعت رؤيته هو ذلك الأنف الحاد و الإبتسامة المخملية نسبةً لأنه كان يرتدي قبعة تغطي حتى عينيه و لكنها أدركت مما استطاعت ابصاره أنه شاب في مثل عمرها أو أكبر . . .
إرتعاش جسدها كان ينافس أوراق شجر الصفصاف خلال رياح خريفية . . لم تشعر إلا بيد تمسح على شعرها الذي قُصّ حديثاً . .
_ " هدإ من روعك . . كل شيء سيكون على ما يرام " همس الفتى بنبرة سيطر عليها الدفء بعد أن دنى منها كونها أقصر منه قامة , و لم يكن لها سوى أن تغرس وجهها بصدره و تشد على العناق أكثر . . . شعرت لوهلة بالأمان

مَا بَعْدَ أَقَاصِي الغُيُومحيث تعيش القصص. اكتشف الآن