~القى حقيبته على المدرج مفتقراً للإهتمام يتنهد بضجر , كانت القاعة خالية على أي حال . . . عدا منها , كانت تجلس بهدوء فوق النافذة ضامة قدميها إلى جسدها منهمكة بقراءة كتاب ما . . . أحد رومنسيات شيكسبير ربما ؟
هو لم يبادر بالتحية و هي قررت أن تفعل المثل , انتشل ذلك الحاسوب اللوحي من جوف حقيبته ليفتحه بادءً بالعبث به لتمضية الوقت . .
الوقت ؟ الآن ؟ السادسة صباحاً . .
_ " لن تخبر أحداً بتفاصيل البارحة , صحيح سيد فلوروس ؟" أردفت دون إبراح عسليتيها عن تلك الصفحات بينما استمرت أنامله بالعبث بتلك اللوحة الرقمية . .
_ " أخبرهم ماذا ؟ أن اليزابيث فيروناس شخصياً تعرضت للإذلال البارحة ؟ كلا لن أفعل ! " اختتم كلماته مشخراً بسخرية
هل والدها ذو نفوذ ؟ كلا . . هل هي مشهورة ؟ كلا . . هل هي فتاة سيئة ؟ لا , قاتلة مأجورة , سفاحة , تاجرة ممنوعات , متمرسة سوق أسود , عضوة في عصابة مافيا . . . هذا ما يتناقله الجميع فيما بينهم لكن لا تزال تحت مسمى شائعات . . .
ماذا تظنون في ذلك ؟
نظرت اليه بحنق بينما تتمتم ببعض الشتائم لكن كل ما بدى منها هو صفع تلك الصفحات بقوة لتجمع الأربعة كتب الماكثة قرب قدمها , لتهم بالنهوض سالكةً طريقها بين ممرات المدرج متجهة نحو الخارج , القى بسوداويتيه عليها و لكن . . . كل ما لمحه هو خصلات شعرها البنية . . لقد رحلت بالفعل !♧ ♧ ♧ ♧ ♧ ♧
_ " اعذرني و لكني أخالفك في الرأي بروفيسور بيفكي , فأنا أرى أن الإستنساخ يحل مشكلة نقص الأعضاء و لكن لولا قوانين الإتحاد السوفيتي لكان العالم بأكمله وجد حلاً لمعضلة نقص الأعضاء . . . " نبس نيكولاي محتجاً بينما يعدل من إطار نظارته الطبية محدقاً بذلك الرجل الستيني
_ " ما رأيك فيما قاله نيكولاي . . آنسة إليزابيث ؟ " انتقاها من بين الطلاب عندما لاحظ شرودها موجهاً كلماته اليها , لتبادر المعنية بالنظر إلى نيكولاي الذي بادلها النظرات قبل أن تبدأ بفرقعة أصابعها ضد الطاولة . . . هذه عادتها عند المناظرات . .
_ " في الحقيقة أنا أخالفه الرأي . . بروفيسور بيفكي , فإن الخلايا المستنسخة تكبر في العمر بسرعة و تضمر فعاليتها . . فتموت " نبست تضرب لسانها بجدار خدها لتضيف
_ " لقد كان أمام هول ١٧ بويضة مخصبة خارجياً لجنين بشري , ماتوا جميعاً عند الإستنساخ . . أدركت النجاة سبيل أحدهم و لكنه مات بعد وقت وجيز بسبب عدم انفصال المادة الرائقة . . لذا أنا أرى أن انسب حل لمشكلة نقص الأعضاء هي الخلايا الجذعية . . . " القت بعسليتيها على نيكولاي بنظرة تفتقر المبالاة
_ " بالإضافة إلى ذلك أن استنساخ البشر للإستفادة من أعضاءها يتعبر أمراً عائباً أخلاقياً . . . أليس كذلك فلوروس ؟" أضافت آخر كلماتها بإبتسامة تعلو ثغرها , إنها تعلن انتصارها ! كما أيدها إرتفاع حاجبها الأيسر بحركة متناغمة . . . أشاح المنهزم بسوداويته عابثاً بخصلات شعره الشقراء . . .
في حين القى بيفكي إبتسامة رضا . . .♧ ♧ ♧ ♧ ♧ ♧
كتف يديه متنهداً بغضب و ضحكات أصدقائه الساخرة تتعالى كغناء القسيس عند بداية الأسبوع بعدما سرد لهم ما حدث في القاعة . .
_ " اعذرني يا رجل و لكنني أحب كيف تهوي بك إلى القاع علناً و تضعك في مواقف محرجة . . " أردف أحدهم بينما يربت على كتف من أصبح صدره كنار المخيم . . كان يدعى يانيس . . يانيس ماكافولي , الفتى المتزن الهادئ , ذو الشعر الكستنائي و الإبتسامة المشرقة و حدقتاه اللتان احتوتا زرقة السماء نجوماً و مجرات , الفتى الرياضي في الجامعة ذو الجسد الممشوق . .
_ " أشعر أنها مثيرة للإهتمام بطريقة ما . . . " أردف صديق آخر و هو ينفث ذلك الدخان المسموم خارج رئتيه , مقلباً تلك اللفافة بين أنامله , مصيباً الفراغ برصاصيته
_ " ماذا تقصد , اندريه ؟ " سأله نيكولاي بإستغراب , رمى الآخر سيجارته التي أنهى تدخينها تواً على الأرض , داهساً إياها بقدمه
_ " ما عنيته هو . . أنها تخفي أكثر مما تعلن . . " أردف ببساطة يعبث بخصلات شعره الفحمية التي إجتاحها بعض الطول . .
_ " لم لا تكف عن الفلسفة و تخبرنا ببساطة ! " أردف يانيس بنفاذ صبر , إستدار المعني جاعلاً من أشعة الشمس الذهبية التي نفذت عبر النافذة الصغيرة التي كانت في أعلى الدرج تعانق رصاصيته بمثالية فذة . . .
_ " أعني . . . بعيد عن العلن في قاع دواخلها المتكبرة و الغامضة التي تبديها . . تختفي تلك الفتاة , الفتاة الناضجة اللطيفة محبة الحيوانات الأليفة و صاحبة الابتسامات الدافئة . . تلك الفتاة التي لم نراها و لكن . . ربما سنراها من يعلم ؟ " أردف بهدوء و نبرة علتها الثقة في حين ناظره الآخران بتعجب
_ " اندريه ! ما نوع السجائر التي دخنتها تواً ؟ " نبس نيكولاي بقلق مصطنع ربما ؟
_ " مالبورو . . . لما ؟ "
_ " هل تجرعت بعض الكحول اليوم ؟ " أضاف يانيس
_ " تعلمان أنني لا أتعاطى الكحول إلا في المناسبات الخاصة , ما خطبكما ؟ " نبس اندريه بإستغراب ليقابلاه بهز رأسيهما سلباً
_ " كل ما في الأمر . . أنت دائماً بارع في تحليل الأشخاص و لكن . . ما قلته تواً يعاكس شخصيتها تماماً " أردف نيكولاي ليؤمئ يانيس إيجاباً مؤيداً لرأي صديقه
_ " ربما مرت بحادث أو موقف جعلها تخفي شخصيتها عن المجتمع . . . " أردف يهز كتفيه ببساطة قبل أن يرمي برصاصيته نحو ساعته السوداء
_ " لقد بدأت المحاضرات منذ عشر دقائق " بنبرة رجولية أردف كلماته بينما همّ بالنهوض هابطاً درجات ذلك السلم المهجور الذي لطالما إعتادوه , بينما بادر نيكولاي بالركض مسرعاً , فمحاضرته مع السيدة كوتروني . .
وصل لآخر الممر الطويل بالفعل و لكن استوقفه صوت اندريه قبل أن ينعطف . .
_ " نيكولاي . . حقيبتك ! "
_ " اللعنة ! "♧ ♧ ♧ ♧ ♧ ♧
أغلق حاسوبه اللوحي ليضعه بجوف حقيبته الجلدية , حملها لينهض سائراً بين ممرات المدرجات , لكن ما لفت انتباهه وجود دفتر زهري اللون على إحدى طاولات المدرج . . يبدو أن مالكه قد نسيه
اتجه نحوه ليمسكه بين أنامله و يفتح الصفحة الأولى باحثاً عن اسم المالك
{ Elizabeth Vironass }
اتسعت حدقيتيه تلقائياً جراء صدمته . . إنها مذكرات إليزابيث فيروناس شخصياً , هرول خلال الصفحات باحثاً عن آخر ما تمت كتابته ليقرأ آخر ما كتب في الصفحة . .
{ نيكولاي فلوروس . . يا لك من بيضة فاسدة }
_ " تباً . . "
♧ ♧ ♧ ♧ ♧ ♧ ♧
_ " بدا التعب عليها واضحاً , أما ما كان يتعبها حقاً فهو أن طرقها لا تقودها في ما يبدو إلى النهاية التي تتمناها . . "
_ اندريه دي فريز
أنت تقرأ
مَا بَعْدَ أَقَاصِي الغُيُوم
Misterio / Suspensoالحياة ساخرة و كوميدية لمن يفكرون , و تراجيدية لمن يشعرون . . أرني بطلاً و سأكتب لك ملحمة تراجيدية . . ملحمة مصطبغة برائحة الأمطار الخريفية . . تطبعت بأمل أن هناك مكسباً من نوع مخملي مميز من كل ملحمة . . فهل أستطيع صبراً لما يأتي بعد ندى الغيوم ؟ ...