الفصل السّادس

3 2 0
                                    

استيقظت على صوت دقات متواصلة وقوية على باب المنزل, ما الذي يحدث ! نزلت مسرعة لأرى ماذا هناك.. تفاجئت اذ لم يكن شخص واحدا بل أشخاصا عدة من بينهم شيخ القرية او الحاج محمد كما يناديه البعض , يرافقه السيد كمال والذي تعجبت لوجوده امام بيتنا في هذه الساعة المبكرة خاصة وانه لم يكن يقترب من هذه الناحية ابدا الا لمشاجرة ابي , و معهم عدة اشخاص أخرى..
" سيد حازم اظن ان مدة استضافة الدخيل قد انتهت وعليه الرحيل الان.." قال الشيخ 
" هل اوقظ الشاب على الساعة السادسة صباحا من اجل ان أقول له تفضل من غير مطرود من بيتي!" قاطعه المدعو كمال بسرعة
" نعم وهو كذلك, كما لا أرى عيبا في هذا اوليس هو الدخيل بعد كل شيئ ؟" قالها بكل مكر, لا استبعد بانه من حرّض عمي محمد على القدوم في هذه الساعة, ان ابي في مأزق الان..
" هل يسمح الحاج محمد باستضافتي له في بيتي للتحدث بامر مهم , ارجو ان لا يخيب ظنّي "
" تعرف اني لا ارفض الدعوة يا حازم " التفت بعدها للآخرين وطلب منهم الذهاب لاعمالهم..أظن باني اشتم رائحة حريق هنا لكن ما مصدره ؟ اوو إنّها من السيد كمال..
دخلوا الى غرفة الاستقبال واغلقوا الباب خلفهم ووقفت انا كعادتي السيئة خلفه لاستراق السّمع , ماذا !! إنّه الفضول الخبيث يسيطر علي..
" إنّها عادة سيّئة بالنسبة لفتاة نبيلة مثلك " خضّني ذلك الصوت " يا الهي لقد أرعبتني.. اصمت لقد قاطعتني في اكثر جزء مشوّق "
" حقا! على ماذا يتكلّمان " نظرت له بمكر وقلت " الم تقل منذ قليل بأنّها عادة سيّئة؟ " أظنّه قد شعر بالخجل اذ انّه وضع يديه على رأسه ولم يرد , ابتسمت " انّهم يتحدّثون عنك وقد كان ابي يطلب منه بقائك لحفلة الحصاد هذا المساء " دقيقة صمت مرت علينا لم اشعر إلا بيده تسحبني مسرعة للغرفة المقابلة وقد كانت غرفة الضّيوف أي غرفته حاليا.
" كيف تفعل هذا!! اترك يدي " وسحبت يديّ من بين خاصّته بإرتباك , يا الهي ما هذا الإحساس الذي أستشعره في حضوره! لما قلبي ينبض هكذا في كل مرّة خاصّة بعدما علمت بموضوع الزواج ..
" لقد كانا على وشك الخروج ولم احبّذ رؤية والدك لكي بهذه الطريقة وشعوره بالحرج امام الشّيخ " معه حق لن يكون من الصّحيح رؤيتي بهذا الشّكل امام الباب, وهنا فتحت عيني على مصرعيها لإنتباهي على ما ارتدي , فانا مازلت ببجامة النّوم ! خرجت ركضا عند سماعي صوت الباب ونسيت امر ملابسي تماما , ارجو ان لا يكون خيالكم قد سافر بكم للبعيد فلم تكن بيجامة فاضحة بل كانت فقط عادية عبارة عن سروال يصل لتحت الرّكبة مع قميص دون اكمام.. لكنّ الفتاة في قريتنا عليها ارتداء فستان ذو اكمام ويصل للكعبتين. لم يراني احد بهذا الشّكل خلاف والداي لهذا شعرت بالحرج الشّديد  من القابع امامي. كنت سأخرج مسرعة لكنّهما توقّفا امام الباب  فتراجعت عن ذلك , و سمعت صوت الشّيخ يقول " حسنا يمكنه الحضور هذا المساء والمبيت هنا الليلة أيضا , لكن ستكون الأخيرة وعليه الذهاب غدا مع الفجر ولن اقبل غير ذلك "..لقد استطاع والدي إقناعه ببراعة , سعدت جدا لذلك وللحظة نسيت امر ملابسي مرة أخرى وحتّى موضوع الزّواج والتفت له مسرعة قائلة بهمس باسمة " هل سمعت لقد اقنعه ابي , وستنجح الخطّة " كان ينظر لي دون قول شيئ , لما لا يتحدّث ويشاركني سعادتي !لما هو غامض !لا استطيع استيضاح ما يفكّر فيه ..
صوت الباب الخارجي قد اُغلق فأسرعت في الخروج من هناك الى غرفتي قبل عودة والدي ورؤيتنا معا..
كان مقابلا لي حول طاولة الإفطار, لا اعلم متى ستنتهي فقرة الخجل لدي فغدا يوم ميلادي وإن سرت الخطّة حسب مخطّطنا فسيكون زوجي بحلول الغد.. " إذن كرم, لقد وافق الحاج محمّد على بقائك للغد وحضور حفلتنا الليلة " كان هذا حديث والدي للقابع امامي
" حسنا هذا جيّد عم حازم, ماهي الخطّة ؟ كيف سنعلن عن الزواج ! "
" إنهض الان سنتحدّث على الطريق, ستبدأ تحضيرات الحفل وعليك مساعدتي حتى يروك الأهالي بجانبي, لا تفترق عنّي مهما حدث." ثمّ وجّه كلامه لي مردفا " أمّا أنتي يا قمر فلا داعي للخروج اليوم "
"يااا.. لما ذلك يا ابي, ارين ان احضر أيضا لتحضيرات الحفل مع الفتيات "
" يجب ان لا يراك احد اليوم يا ابنتي, يجب ان لا يتذكّر احد بان غدا يوم ميلادك.. عليك القدوم الى الساحة في منتصف الليل بالضّبط هل فهمتي! إيّاك والنّسيان وإلّا سينتهي كل شيئ " قالها وخرج رفقة كرم.. يا الهي لا اعلم كيف ستكون نهاية اليوم وكيف سيمر الوقت حتّى ذلك الحين.
كرم يتحدّث:
عجبت لأمر هذه القرية حقّا, لطالما تخيّلتها عندما كانت تحكي لي جدّتي عنها لكن لم يصل توقّعي لهذا الحدّ ابدا فها انا امشي وسطهم تحاصرني عشرات العيون , يصمت من كان يتكلّم ويبتعد من كان على نفس الطريق , شعورا بالخجل تملّكني لكنّه ليس من نفسي او من نظراتهم الحادّة, بل هو خجل من الواقف بجانبي, للحظة احسست بانه نادم ربّما! قد يكون ندم على قراره بعد ما رأى نظرات النّاس له كمن إقترف ذنبا عظيم, إن كنت مكانه فلربّما لامسني مثل ذلك الإحساس, لقلت أنظر يا رجل انظر جيّدا لنظراتهم السّامة تكاد تخترق جلدك بوضوح وجهارة رغم مكانتك العالية, كلّ هذا ولم يعلموا بعد بنيّتك بتزويج ابنتك الوحيدة لغريب او دعنا نقول لدخيل, حتما سينبذونك وربّما يفعلون ما خو اخطر. نعم هذا ماكنت سأفكّر فيه لو كنت محلّ العم حازم.. انظر لمشيته الواثقة ولعينيه الثاقبة ولرأسه المرفوع عاليا غير آبه بنظراتهم , تراه مالذي يدور في خلده.
انتشني من عمق أفكاره صوته الجهوري بعد ان وقف منتصف السّاحة وللآن لاحظت بأننا قد وصلنا لها, اين نصبت من الجهة اليمنى طاولة طويلة يصطفّ خلفها عشرة كراسي فخمّنت بأنه مكان أصحاب الحقول ومن الجهة اليسرى طاولة اصغر منها طولا يقف خلفها ثلاث كراسي لا اعلم في الحقيقة لمن, وفي المنتصف كان هناك ثُلّة من الشّباب ينصبون منصّة كبيرة اظنّها ستكون لفرقة موسيقيّة ام لعلّها مسرح لا اعرف أيضا , يقابلها على بعد بضعة امتار مجموعة كبيرة من الكراسي مكوّمة فوق بعضها بشكل فوضوي واظنّي سأراها بعد قليل مصطفة بإنتظام . هناك نحن بالنتصف كنّا اين نطق العم حازم بكلام لم يتوقّعه احد من الحاضرين ولا انا
" يا أهالى قرية الأُصلاء, ولاحظوا جيّدا فقد قلت كلمة اصيل, لكنّي ابدا لم أعني بها ذلك المقصد الذي جال بأذهانكم جميعا أي سكّانها الحقيقيّون والأنقياء الخالين من الدخلاء, لا والله لم يكن القصد بل اعني أولئك النبلاء الشهام أصحاب الأصل الكريم والقلب الطّاهر أولئك الذين لا يردّون طارقا ولا يرفضون ضيفا. نعم انتم يا أهالي قريتي, قد زارنا اليوم ضيفا فهل ستجعلونه يعود لدياره بفكرة سيّئة عنكم ! فهذا ليس من عشمكم. لكم أتمنّى ان ترونه أصالتكم الحقيقية التي اعرفها ورأيتها من قبل آلاف المرّات."  صمتا قاتلا كان يحيط بالمكان وقد شعرت بالخجل حقّا هذه المرّة لاسيما وبأن الموضوع كان عنّي..
" ما إسمك ؟ " كان صوت احد الشّباب افزعني من الخلف فالتفت له بسعادة وانا أرى أحدا آخر يتقدّم بجانب الأول ثم ثالث ورابع
" كرم " قلتها مصافحا لهم جميعا بعدما افصحوا لي عن أسمائهم أيضا والتي كانت "حسام, إيّاد, يوسف وأيمن " بعدها دعوني لمساعدتهم في تنظيم الكراسي و يا لسعادتي بذلك الطّلب الذي قبلته فورا بكلّ سرور, تحت انظار من يقع عليه هذا الفضل فرمقني بإبتسامة راضية قابلته بأخرى شاكرة.
أناس طيّبون عند التعرّف اليهم لا يلزمهم الا تذكيرهم بذلك, هذا ما استنتجته بعد مصاحبتي لهم طيلة اليوم فقد اوشكت الشّمس على المغيب, قضيته رفقة أصدقائي الأربعة الجدد خاصّة حسام ذلك الشاب البشوش يبث فيك شعور بالارتياح اتجاهه بمجرّد النظر بوجهه, فقد احسست من طريقة تصرفه معي بأنّي صديقه من سنوات طوال. في الحقيقة افتقدت هذا الشّعور فلم يكن لي أصدقاء منذ وفاة جدّتي رحمها الله إذ كانت هي رفيقتي الوحيدة, لا يهم الان لننسى الماضي ونركّز على الحاضر فقد قارب الوقت . يا الهي قد بدأت في الارتباك منذ الان كيف سأقف وسط الحضور طالبا يد قمر, قمر.. ااه من تلك الفتاة هل كان مقدّرا لنا اللقاء.
قمر تتحدّث :
" اووف لما تبدو لي الدّقائق كالسّاعات! " صرخت متذمّرة بعدما نظرت الى الساعة للمرة الالف, حتما بها خطب ما لما لا تتحرّك . اكاد اجن هنا بمفردي, لم يبقى شيئا ولم اقم به لإضاعة الوقت لكن ابدا وكأن الدّنيا تجمّدت. دخلت على أمي الغرفة فوجدتها تحيك قميصا من الصّوف لآبي مجدّدا, تلك عادتها لا افهم حقّا سبب هذا الحب للحياكة ولا اعرف ما الممتع فيها إذ اراها تتقن عملها باستمتاع !, اقتربت منها " امّي ما الممتع في حياكة الملابس ؟ " ابتسمت وردّت قائلة " أخبريني أولا هل يستغني والدك عن ذلك الشّاش الذي يرتديه كلّ يوم حتّى في فصل الصّيف "
"لا أبدا, حتّى لدبه العديد منها اشتريتها له انا كهدايا لكنّه لم يغيّره قط "
ضحكت " نعم فذاك الشّاش كان أول شيئ حكته لوالدك وقد كانت سعادته لا توصف بها لهذا هو لا يستغني عنه " صمتت قليلا ثم اردفت " ماذا عن تلك الجوارب الصوفية التي صنعتها لك "
" يا الهي امّي انا لا استغني عنها في فصل الشتاء تعلمين إنّها المفضّلة لدي "
" هل فهمتي الان استمتاعي بهذا العمل يا حبيبتي فانا بذلك اضع كل حناني ودفئي داخل ما أحيكه لأحبابي فيسعدون بها في المقابل, لكم احب رؤية الفرح في عيونك وعيون والدك عندما اقدّم لكما شيئا من صنعي " الان فهمت, اظنّه إحساس جميل , جالت ببالي فكرة مدهشة فقلت فورا " أمي علّميني الحياكة , ولنبدأ الان" ضحكت وبدأت بتعليمي وقد كان شيئا رائعا بالفعل خاصّة ان كان لديك هدف تريد تحقيقه بتعلّمك لتلك الحرفة. وهكذا مرّ الوقت دون ان انتبه عليه أحاول التدرّب بصناعة قماشة صغيرة.
-----------------------------
يعتبر اطول فصل اتمنى ان ينال اعجابكم

الدّخيل حيث تعيش القصص. اكتشف الآن