الفصل الثاني

694 29 2
                                    

دخل إلى شقته وهو يشعر بالضيق الذي ينتابه كلما دلف إلى شقته فهنا يشعر بالوحدة والألم ويتذكر أنه اشترى هذا البيت من أجل أن تسكنه هي.
أثثه كما أرادت هي كما رسمته هي ليذكره كل دقيقه بها ليشعر بألم فراقها وابتعادها عنه.
جلس على الكرسي الهزاز الواقع بجانب الشرفة الزجاجية ليبتسم وتذكر إياها عندما قبلها ليبلغها بأنه اشترى الشقة ولم يتبقى إلا أن تنجح بتفوق حتى يرضى والدها عن زواجهما كادت أن تقفز فرحًا وهو يبلغها أنها واقعه بمدينه نصر كما أرادت على شارع رئيسي مكونه من أربع غرف وصاله واسعه ومطبخ على الطراز الأمريكي.
هتفت به : أحمد ,من أين أتيت بثمنها أكيد أنها غاليه.
_ أبي دفع المقدم ، فأنا ولده الوحيد، وأنا سأقوم بتسديد باقي ثمنها على دفعات إن شاء الله.
_ مبروك ألف مبروك.
اقترب منها قليلًا و هو يبتسم لتلمع عيناه : مبروك عليكِ حبيبتي ، اهتمي بدروسك جيدًا حتى يرضى والدك عن زواجنا .
ابتسمت بخجل ليكمل هو : هيا أخبريني عن النظام الذي تريدينه حتى أؤسس الشقة من أجلك ولابد أن تبلغيني عن رؤيتك للبيت الذي سنسكنه .
فكرت قليلًا : أريد كرسي هزاز أمام الشرفة الزجاجية التي أبلغتني عنها.
  ضحك : فقط ، ماذا أيضًا ؟!
_سأترك ترتيب الصالة حتى أراها ، و لكن مبدئيًا سأضع مائدة الطعام بجانب المطبخ ونضع طقم الجلوس ناحية الشرفة ، نعد غرفة منهم كمكتب لك و لي ، وغرفة أخرى تصبح غرفة معيشة ، تكون على الطراز العربي بوسادات كبيرة وطاولة نحاس وإبريق كبير وستائر عربية لتصبح كالخيمة بالضبط.
_ هذه فكرة ممتازة ، وأنا أحبها.
ابتسم و هو يسألها : والغرفتان الأخيرتان ؟
  ردت ببساطة :  إحداهما غرفة النوم والأخرى لا أعلم نضع بها صالونًا وتصبح غرفة للضيوف.
ابتسم على جنب بخبث : وأين غرفة أطفالنا ؟!
احمر وجهها بشدة لتقف بسرعه:  أنا تأخرت ولابد أن أذهب.
ابتسم و هو يتذكر كم كانت خجولة و كم كان يحب خجلها.
لم يؤسس هذه الشقة إلا عندما عاد من ألمانيا لم تدخلها زوجته السابقة حتى عندما تقدم لها طلبت منه أن ترى شقته ولكنه تحجج بأنهما سيسافران إلى الخارج وعندما يعودا سيريها إياها.
أنب نفسه مرارًا على قراره الخاطئ وعلى أنه ظهر أمامها أنانيًا لا يهتم بغير مصلحته.
كم جرحت كبرياء وكرامته عندما صاحت بوجهه أنها لا تريد أن تراه ثانيهً وأنها لم ترد على مكالماته الهاتفية ، لقد طلبها أكثر من مره وأبلغ أختها الصغيرة أن تبلغها ضروري أنه اتصل بها أكثر من مره ولكن ما أغضبه فعلا أنها ردت عليه مره على التليفون وأغلقت الهاتف بوجهه عندما سمعت صوته .
لم تعطيه فرصه أن يشرح لها ماذا أراد وكأن حبهما لم يولد بينهما وكأن علاقتهما لم تؤثر بها ، أعطت لكل شيء بينهما ظهرها وولت هاربه ولذا هو الآخر أصر أن يريها أنه يستطيع المضي بحياته بدونها.
ابتسم بسخريه على حاله فهو لم ولن يستطيع العيش دقيقه أخرى من دونها وخصوصًا بعد رؤيته لها اليوم كم كانت جميله أوجعه قلبه من كثر خفقانه وهو يعلن أنه أصبح تحت سيطرتها هي يبلغه أنه لن يملك عليه أي سلطه بعد الآن عليه ،  فهو حليفها هي ، لتكسب معركته مع نفسه بمهاره ونجاح منقطع النظير .
لازال يشعر بالألم منها ولكنه يشعر بالحب أيضًا ليس الحب فقط الحب واللهفة والشوق والغرام كلهم يعصفون به وبكرامته الجريحة ليتركوه مهزومًا ، كل ما يريده هو قربها وصالها الذي يأس أن يبلغهما.
***
نهضت في الصباح والصداع يمزق رأسها فلم تنم البارحة جيدًا كان نومها متقطع غير أن كثرة بكاءها زادت من صداعها،  أمها سألت عنها أكثر من مره البارحة وطرقت عليها الباب أيضًا لتمثل هي النوم ، فكرت بماذا ستخبر أمها عن سبب بكائها.
وقفت أمام المرآه لترتاع من مظهرها فوجهها منتفخ وعيناها متورمتان من كثره بكائها الليلة الماضية و لن تستطيع أن تذهب إلى عملها هكذا،  ولن تستطيع أن ترى أمها هكذا أيضًا لوت شفتيها، إذن ماذا أفعل ؟!
قررت ألا تذهب اليوم إلى عملها ، ستأخذ أجازه يومين فهي لم تأخذ أجازه من فتره كبيره وستبلغ أمها أنها مريضه وتجلس بغرفتها إلى أن يهدأ وجهها و آثار البكاء تخف عن عينيها.
خرجت من دوره المياه وهي تشكر مصطفى في سرها عن اختياره لها الغرفة التي بداخلها غرفه المياه فلم تكن ستستطيع الخروج بهذا الشكل إلى خارج غرفتها.
تذكرت الآن عندما أبلغ مصطفى عمته أنه يريد خطبه ابنتها ظنت والدتها أنه يريد خطبتها هي ولكنها علمت جيدًا أنه يريد الزواج من سهى فلطالما كانت هي ومصطفى أصدقاء مقربين وكانت تعلم جيدًا بشعوره اتجاه شقيقتها الصغرى.
لازالت تتذكر نظره الدهشة والتعجب اللتان علت وجه والدتها عندما طلب مصطفى سهى صراحه وخيبه الأمل التي ارتسمت على وجهها أيضًا  عندما باركت له وباركت لأختها ، والحديث الذي دار بينهما بعد ذلك .
_منى لا تغضبي  حبيبتي.
ردت بدهشه: أغضب ، لماذا أمي أحدث شيء يغضبني؟!
سألت أمها بتوجس: ألستِ غاضبه من أن تخطب أختك الصغيرة قبلك.
ابتسمت: لا طبعًا أمي مبارك لها ثم أنا لا أشغل رأسي بهذه الأشياء الآن.
_ لمتى بنيتي ؟! أخبريني سبب رفضك لمن يتقدمون لك .
ارتبكت:  لا شيء محدد أمي.
نظرت لها بتفحص: حسنًا أنه قسمه ونصيب وسيأتي لكِ نصيبك حبيبتي .
عند اقتراب موعد زواج سهى اصر مصطفى أن تأتي هي ووالدتها وأنهما سيسكنان معهم وعندما رفضت هي هذا  الاقتراح غضب بشده.
_ لماذا منى؟!  أنتِ أختي وعمتي هي من ربتني فعليًا ،  فأنا ترعرعت ببيتكم ووالدك رحمه الله عليه رباني كولد له والآن لن أستطيع أن أنام وتقر عيني إلا عندما أطمئن عليكما وهذا هو الحل الوحيد،  فالشقة واسعه وسأخصص لكِ أنتِ وعمتي جناح بمفردكما بعيدًا عن جناحي أنا وسهى حتى لا أضايقك بوجودي ، فهذا بيتك أنتِ وعمتي وأنا ضيفكما وعليه انتقلت مع والدتها إلى هنا.
سعيدة هي بوجودها داخل هذه العائلة المميزة فهم من ساعدوها على تخطي أزمتها حتى وهم لا يعرفوا ماهيتها وكم طارت من السعادة عندما رُزقت سهى بزياد فهذا الطفل زاد من سعادتها فالأوقات التي تقضيها برفقته تشعر أنها عادت كطفله صغيره خاليه من الهموم والحزن الذي يرافقها كظلها ، فهي تحب زياد كطفلها هي ومرات تصر على سهى أن تتركه معها لتعتني به وتقوم برعايته وعلى الرغم من أنه لم يتم سنته الأولى إلا أنه يتعرف عليها و يقفز  إليها من حضن سهى ويمد بذراعيه إليها لتحمله و كم مره رددت سهى بمرح أنه يحب خالته عنها ليضحك مصطفى بهدوء نعم هذا صحيح فهي تحملته أكثر مننا نحن أباؤه.
ابتسمت وهي تقرر أن تمد إجازتها وتقضيها كلها مع زياد فهي مشتاقه له كثيرًا ومعه ستنسى همومها وجروحها التي انفتحت من جديد.

***

زفر بضيق فهذا خامس يوم يأتي إلى مكتب الديكور ويسأل عنها ويجيبه العامل أنها لم تأتي،  تنبه على يد يطرق على كتفه بهدوء :
أستاذ هل أستطيع مساعدتك ؟!
التفت إلى مصدر الصوت:  نعم أريد مقابله المهندسة منى.
نظر إليه الشخص الآخر مطولًا بتفحص : هل رأيتك من قبل ؟!
_أظن ذلك فأنت الآخر شكلك مألوف لي ولكن للأسف لا أتذكرك ، اعذرني.
ابتسم بهدوء : لا عليك فأنا الآخر لا أتذكرك،  أخبرني فيم تريد المهندسة منى؟
لا يعلم بماذا يجيبه تلعثم ليقول بهدوء: أريدها بعمل.
_ للأسف هي بإجازة الآن ، ألا أستطيع مساعدتك؟  أنا المهندس حسام صاحب المكتب وزميل المهندسة منى .
صافحه  بمودة وهو يقول:  لدي شقه أريد أن أعيد تأثيثها وأحد أصدقائي رشح لي المهندسة منى بالاسم وأنا رأيت شقته بعد
التجديد وأعجبت بعملها جدًا .
ابتسم بمرح : اه نعم القصة المعتادة فمعظم العملاء يطلبون أن تعمل هي على إعادة تأثيث  وترتيب البيوت ، ولكن للأسف جدولها مزدحم الشهر القادم كله ، هل تستطيع الانتظار إلى الشهر بعد القادم؟!
تنهد بعمق وفكر لن يستطيع الانتظار
_هل من الممكن أن تأتي وترى الشقة وتضع تصور مبدئي ثم تبدأ العمل حينما تتخلص من مسؤولياتها .
رد بتفكير : سأرى ما يمكنني عندما تعود فهي أعلم بجدول مواعيدها اترك العنوان وبيانات حضرتك  وسأبلغك بميعاد المعاينة .
سأل بلهفه:  متى ستعود؟
_ الأسبوع القادم .
قال وهو يناوله ورقه كتب عليها العنوان واسمه ورقم هاتف مكتبه سأنتظرك وأسعدني التعرف عليك .
_وأنا الآخر يا
نظر إلى الورقة وهو يكمل : يا أستاذ أحمد.
انصرف وهو يشعر بالضيق من عدم تمكنه من رؤيتها ويتمنى أن تسير خطته كما يريد.

***

_منى،  هل أنتِ متعبه ؟
ابتسمت ابتسامه باهته : لا .
نظر لها بتفحص:  منى شكلك يطل منه التعب وعيناك يعشش بهما الحزن ومنذ اسبوع لم تذهبي إلى عملك ، ما بك ؟! ، ولا تقولي إنكِ طبيعية وأخذتِ أجازه لتحضري مع سهى حفله عيد ميلاد زياد فأنتِ تفاجأتِ بأن عيد مولده آخر هذا الأسبوع.
ردت بسرعه: لا والله أنا طبعًا كنت أذكر عيد مولد زياد وأنت تعلم ذلك جيدًا ولكن لم أكن أتخيل أن الأيام تمر بهذه السرعة .
تنهد بهدوء : منى أنا أعلم جيدًا أنكِ تتذكري عيد ميلاد زياد ، ما قصدته أنك لم تذكري السبب الرئيسي لتأخذي أجازه من عملك .
ردت بهدوء : لا شيء مصطفى صدقني شعرت بالتعب قليلًا فقررت أن أرتاح من العمل وأساعد سهى في ترتيبات الحفل.
سأل بدون أن ينظر إليها : هل جدد حسام طلبه ولذلك قررتِ الهروب منه ومن محاصرته لك؟ نظرت له بدهشه : هل سهى  من أبلغتك؟!
ابتسم : لا،  هو من جاء إلي وطلبك رسميًا ،  لماذا رفضتيه منى !!
_مصطفى أرجوك لا أريد أن أتكلم في هذا الموضوع وخصوصًا الآن ، وأنت تعلم جيدًا أني أرى حسام كأخ وصديق لا أكثر.
تنهد بخيبة أمل : منى حسام شخص جيد وعريس ممتاز ، فكري قليلًا قبل أن ترفضي عرضه هذه المرة .
قام وتركها بدوامه من الأفكار والمشاعر المتضاربة هي لا تستطيع أن تتخيل أن تسير بجانب أحدًا آخر غيره،  فكيف تتقبل فكره الزواج قلبها ينزف شوقًا إليه وألم منه ، حبًا به واستياء مما فعله ، وتريد أن تراه و تتلهف للقائه وتشعر أنها ستقتله حينما يظهر أمامها .
ابتسمت وهي تتذكر شكله وكيف نضجت ملامحه وأصبح أكثر رجولة وأكثر وسامه من ذي قبل , عيناه ازدادت لمعان وغموض ، و بشرته اسمرت قليلًا
وابتسامته ازدادت سحرًا وظهور بعضًا من الشعيرات البيضاء القليلة في عوارضه زادته هيبه ورجولة خفق قلبها بشده وملامحه تحضر إلى ذاكرتها وشعرت بأنها تذوب شوقًا إليه .
اغرورقت عيناها بالدموع وشعرت بالألم عندما هتف عقلها امضي بحياتك من دونه فهو تركك وذهب لأخرى ،  تركك دون أن ترمش عيناه و كأنكِ لم تتواجدي بحياته قط ، كأنه لم يقابلك ولم يخفق قلبه بحبك ، خدعك وكذب عليكِ وأهانك ماذا تنتظرين منه الآن ؟! أتنتظرين أن يأتي ويركع على ركبتيه لتسامحيه لن يفعل ذلك فأنتِ لا تعنين له شيئًا وهو لا يفكر بك أصلًا ، عودي لحياتك كما كانت سابقًا واختزلي  مقابلتك له منها فهو لم يعد ولن يعد،  أحمد ذهب عندما تزوج من أخرى غيرك ذهب ولن يعد.
رددت بعقلها هذه الجملة لتقتنع بها ولكن قلبها لا زال يردد أنه حب حياتها .
اليوم هي سعيدة  للغاية فها هو زياد يتم سنته الأولى ولأجله تنسى كل همومها قررت أنها  ستستمتع بعيد مولد زياد دون التفكير بشيئًا آخر.
وقفت مع أختها تنهي تجهيزات الحفلة وتستقبل الضيوف وهي تبتسم وتشعر بسعادة عامه لتموت الابتسامة على شفتيها عند رؤيته كيف لم تفكر أن مصطفى سيدعوه إلي الحفل
تراجعت للوراء عندما رأته يتقدم  ناحيتها هي وسهى ليسلم عليها حتى لا يراها  فهي لا تريد أن تسلم عليه ولا ترحب به ولا تتكلم معه.
نظرت حولها و سارت بسرعه لتخرج إلى الشرفة وقفت بهدوء حتى ترى ما يدور بالداخل دون أن يراها أحد.
وقفت تتأمله  وقلبها يخفق بشده وسامته تزداد مره بعد أخرى.
ابتسم وهو يصافح سهى ليزداد خفقان قلبها وتشعر أنها تتمزق فهي مشطوره إلى نصفين تذوب شوقًا إليه ولا تستطيع نسيان خيانته.
رفعت نظرها مره ثانيه لتراه وتتأمله بدقه لتجده اختفى من أمامها.
أين ذهب رد عقلها سريعًا أكيد مع مصطفى.
لفت بجسدها لتقف قليلًا بالشرفة وتحاول أن تتخلص من القلق المسيطر عليها .
شهقت بقوه لوجوده واقف مستند بظهره لحافة الشرفة وعاقدًا ذراعيه أمام صدره وينظر لها والابتسامة مرسومه على شفتيه .
قال ساخرا : هل رأيتِ شبحًا؟!
جزت على أسنانها غضبًا وقالت من بين أسنانها : أهلًا يا بشمهندس شرفت ونورت.
لوى شفته  ساخرًا : حقًا؟!
التزمت الصمت ليكمل هو بنبره تعشقها:  هل أنتِ سعيدة برؤيتي منى؟!
تنهدت بقوه لتقول بنبره ميته: ماذا ترى ؟!
تجاهل سؤالها فهو يريد اخبارها بما يشعر لا يريد أن تجره إلى مشاجره وعتاب هو خاسر بهما فهو يعلم مدى جرحها منه ، نطق بهيام:  أشعر أني بحلم فلطالما تمنيت أن أراكِ مره أخرى،  وأتكلم معك وأفهمكِ ما حدث وقتها .
عقدت حاجبيها لتقول بكره : لا أريد أن أفهم شيء وهذا
الموضوع انتهى منذ فتره طويله وأرجو أن تبتعد عني ، فحياتي جيده بدونك .
تركته وهي تحاول اغن تمنع دموعها من الانهمار ، تحاول أن تلملم شتات نفسها وروحها الممزقة منه، الآن يريد أن يفهمها ماذا حدث وقتها أين كان وهي تتعذب لمده أربع سنوات تبكي طوال الليل وتعيش طوال النهار بلا روح ، تبذل كل طاقتها بالعمل حتى لا تفكر به وعلى الرغم من ذلك عندما تسمع اسم أحمد تتذكره وتتجمع الدموع بعينيها .
زفر بضيق بعدما تركته واستدار لينظر من الشرفة ويركن جسده على الحاجز المعدني فالفرصة التي ساقها  إليه القدر  ذهبت أدراج الرياح.
سعد للغاية عندما أبلغه مصطفى بالدعوة ومن البارحة وهو يحضر ما سيقول لها ويردد الحوار بعقله حتى يفهمها ما حدث ولكن من الواضح أنها مهمه صعبه لا ينكر  أنه شعر بالأمل عندما رأى  سلساله يزين عنقها ، فرح بشده لأنها باقيه على ذكراه.
عقد حاجبيه عندما فكر أنها لم تكن ترتديه اليوم هل خلعته عن رقبتها لتؤلمه أم أنه فهم خطأ وهو مجرد سلسال ترتديه وتخلعه وقتما شاءت.
تنهد بتعب وهو يفكر في خطته لابد أن تسير في الاتجاه الصحيح كما رسمه فهي آخر محاولاته لإرجاع الأمور بينهما إلى نصابها وإن لم تستمع إليه هذه المرة فهي لا تريد ولم تكن تحبه يومًا .
التفت ليصعق بشده من المشهد الذي أمامه فهي تسلم على زميلها الذي قابله بالمكتب عمل عقله سريعًا إذا لمحه حسام فستفسد خطته ولن تأتي أبدًا إلى منزله لتراه كما أراد هو .
بحث عن مصطفى سريعًا بعينيه واتجه إليه وسلم عليه واعتذر منه وانصرف ولكن ما أثار الضيق في نفسه وأشعل غيرته هو كم المودة التي يصافحها بهذا الحسام والابتسامة الرائعة التي زينت محياها من هذا لتبتسم له هكذا وتصافحه بيدها ، ألم يمنعها من قبل عن مصافحة  الرجال.
ابتسم وهو يتذكر كيف غضب منها عندما أتى الى الجامعة ووجدها تقف برفقه أحد زملائها وشعر بالغيرة تمزقه عندما صافحته بيدها وهي تنصرف من أمامه وعلى الرغم من أنه يثق بها لأقصى درجه إلا أنه لم يستطع منع نفسه من الغضب منها تكلمت معها معه يومها بهدوء وعقلانية وأخبرته أن الآخر يريد إحدى المحاضرات التي لم يحضرها وهو تفهم الموقف جيدًا ولكنه طلب منها ألا تصافح الرجال بعد ذلك وإذا أراد أحد زملائها أن يتكلم معها لا تقف معه بمفردها أبدًا ، وها هي تتعمد أن لا تنفذ أوامره .
تنبه عقله فجأة هل يعقل أن هذا الحسام يعني لها أكثر من  صديق وزميل ، تنهد بحرقه وهو يتخيل أنها ممكن أن تصبح لرجل آخر غيره ليضرب مقود سيارته بقوه ويزفر بضيق من مجرد تخيل الفكره:  لا لن تصبح لأحد  آخر غيري فهي حبيبتي أنا وقلبي يؤكد لي أنها لم ولن تحب أحد آخر .

   ***

طرقت باب المكتب بهدوء لتطل برأسها : هل  تسمح لي بالدخول؟!
ابتسم بسعادة :  طبعًا شرفتِ وانرتِ المكتب تفضلي.
_ كيف أحوال العمل حسام ؟
_بخير والحمد لله.
لوى شفتيه بخيبة أمل : تعلمين ظننت أنكِ ستسألين عن أحوالي.
ردت بهدوء: لقد قابلتك بالحفل وسألتك عن أحوالك ونحن الآن بالمكتب وأنا أطمئن على سير العمل.
_ إن الاحوال على ما يرام وأكثر من عميل سأل عليكِ ولا يريدون أحدًا آخر غيرك.
_ولكنك تعلم أن جدولي مزدحم لأخر الشهر  تستطيعي أن تذهبي للمعاينة وتخبرينهم بمواعيدك ولهم حق القبول أو الرفض.
_ حسنًا أنا متفرغه في الغد هلا  اتصلت بأحدهم وترى مواعيده؟ _ بالطبع

  ***

ها هو يدور بالشقة للمرة السادسة وهو ينتظرها يعلم جيدًا أنه سيأتي معها عدد من العمال للمعاينة ورفع المقاسات ولكن لا يهم فما يريده أن ترى الشقة مؤثثه كما أرادت هي ويخبرها أن زوجته لم تطأ قدميها هنا إطلاقًا وأنه بالرغم من زواجه منها لم ينسها يومًا .
عندما أبلغه المهندس حسام بهذا الموعد طار من السعادة فها هو أمل آخر وباب جديد يُفتح له وهو مصمم أن ينتهز الفرصة كما قال الكتاب.
_ سيدي أتريد شيئًا آخر ؟
_شكرًا يا أم صالح،  أتعبتك معي اليوم .
_تعبك راحه سيدي .
تنهد بتوتر : أكرميني بإحدى دعواتك المجابه.
ابتسمت وهي تنصرف وتهلل له بدعوات كثيره معظمها بصلاح الأحوال و رزقه بالزوجة والذرية الصالحة .

***

_حسام أين عنوان العميل؟!  فأنا تأخرت .
_ها هو.
ناولها ورقه من أوراق المكتب مكتوب بها العنوان والتليفون واسم العميل بخط يده .
_من سيذهب معك؟
ردت وهي تقرأ الورقة : الحاج محمد ومرسي عامل الكهرباء والمهندس عادل.
هز رأسه:  حسنًا كنت سأذهب معكِ ولكن من الواضح أنكِ لا تحتاجينني.
عقدت حاجبيها تعجبًا :  لما هذه المره تريد الذهاب معي؟!
_ لا شيء معين ولكن العميل شاب صغير السن وأنا بغباء نسيت  أن أسأله إذا كان متزوجًا أم لا.
ابتسمت : لا تقلق حسام فأنا معي العديد من الرجال وإذا أردت الذهاب معنا فتفضل لن استطيع منعك بكل الأحوال.
ضحك بهدوء : لا يا منى اذهبي وليوفقك الله

***

زفرت بضيق وهي تقف أمام البناية وحاولت جاهده أن لا تتذكر ولكن هيهات فالشقة التي جاء إليها وهو محملًا بالفرحة ليخبرها عنها تقع بهذه المنطقة لا تذكر العنوان بالضبط ولكنها تعلم أنها هنا فلا طالما مرت من هنا وهي تمني نفسها بأن تراه ولكنها كانت أمنيه صعبه المنال.
نفخت بضيق هذه المره وهي تتأفف من تأخر المهندس عادل عليها ، أمسكت هاتفها وصاحت غاضبه: أين أنتِ يا باشمهندس،  أكملت وهي ضائقه : حسنًا ولكننا تأخرنا فالموعد كان من عشرون دقيقه.
هزت رأسها موافقه وهي تردف: حسنًا سأصعد أنا حتى تأتي أنت.
أغلقت الهاتف ونزلت من السيارة وأغلقتها لتصعد إلى الأعلى وهي تنظر مره أخرى بالورقه التي أعطاها اياها حسام لتتأكد من رقم الشقه رنت الجرس ووقفت منتظره أن يفتح الباب.

***

نوفيلا .. لماذا عدت حيث تعيش القصص. اكتشف الآن