|الأرْنَبُ الأّوّل|

175 7 4
                                    

برلين / حيْ راينكيندورف

تمرُّ الأيّام و السنين كبرقٍ لاذعْ يحملُ معهُ شراراتْ العذابِ و القهرْ ، تخدُش السماء كقلمٍ سقط بيدِ مجنونٍ متمرّدْ باعَ عقلَه ، نجومُ السماء انطفأتْ بخلوٍّ كئيبْ منذُ أنْ بلغَتْ سنّاً حملت فيهِ همومَ الدنيا ، سناً أرغمها على أنْ تعيشَ كإمرأة بالغة تفهمُ في أمورَ الحياةْ و هي ليّست سوى مراهقَة ساذَجة تعيشُ في بيئَة جرّدتها منْ إنسانيّتِها و طفولتها ، عاشتْ تحتَ مبدأ القوّة و المبارزَة مع أقوى الرجال ، سُحقت بالأقدام ليصنعوا منْها آلة قتال حربيّة تخضع لجميع أنواعِ التعذيبْ المباحة في العالمِ السُفليْ ، ترعرعتْ بيّن ستّة ذكور و والدها ألا و هو قائدهم.

قائدُ الشرّ خارجاً و داعمُ الخيّر داخلاً ، نظرتْ من شبّاك غرفتها المُطلْ على ساحَة التدريبْ تُشاهدُ إخوتها الستّة الصغار يتدربون على أيدي مُصارعي النِزالْ ، والدُها سافر لعملٍ خارِج البلادْ و من المحتمل وصولَه الليلة و هي تجلسُ هنا في حجرتها هاربةً منَ المدرّبين لتحظى ببعضِ الهدوءِ و السكينَة بعيداً عنْ ضوضاء و صخبْ الساحة الخلفيّة ، أصواتُ الخادمات تُزعجها بيّنما صوّتُ الطفلِة في الغرفة المُجاورَة تلعبُ وحدها و تضحكْ برفقة مربّيتها.

سالَ لُعابها لفكرة أنْ تجهل الطفلة يوماً أمّها ، أمها التي ولدتها و وضعتها في عمرٍ صغيرة ، في عمرٍ كان يجدرُ بِها مصاحبة الصغار و اللعبَ معهم لكن بدلَ ذلِك تزوّجت و أنجبت ، و هي الآن تكملُ عامها الآخر بعد إسبوعين ، لا تعرف طبيعة مشاعرها في الوقت الحالي ، هل هي سعيدة أمْ حزينة أمْ متألّمة ، سعيدة رُبّما لأنّ والدها شارف على الوصول ليأخذ بزمام الأمور و حزينة بسبب طفلتها الصغيرة ، و متألّمة لسبب أنكرته كثيراً و لمْ تعد تعشقُ ذكر إسمه.

بلّلت ريقها ملتقطةً كأسها الكريستال تشربُ ماءً فاتراً مع حبوبها المقوية اليوميّة ، و أخذت تمسّد شعرها الأشقر بخيوطه العسليّة الناعمة منتظرةً قدوم والدها بفارغِ الصبْر ، أدارت رأسها برويّة و أحدهم يطرقُ البابَ بهدوءٍ و رسميّة بعد أنْ قضت النصف ساعة شاردة على النافذة ، سمحت لها بالدخول لتدلف الخادمة و بها تنحني لها باحترام لتتابِع القوّل.

" آنستي ، السيّدة آلبيرتا تطلبُ رؤيتك في الحالْ "

تنهدت بخفوتْ لتردّ عليّها و هي تلتفتُ للنافذة مكملةً النظر لإخوتها و هم يُسحقون كآلات حربْ.

" أخبريها أنّي نائمة "

تبسّمت الخادمة بعفوٍ منها و خوْف فالسيّدة الصغيرة ثعلبٌ ماكرْ اعتاد والدها على تربيتها على القسوة و القوّة و هي لا تثقُ بردودِ أفعالِها و خصوصاً حينما تخصُّ السيّدة آلبيرتا ، نظرت لها مرّة أخرى تهزّ رأسها ببرودٍ قاتل حين رفضت الخادمة الاختفاء من غرفتها و قد بات وجودها مزعجاً.

الأرانْبُ | الْسْبْعَةْحيث تعيش القصص. اكتشف الآن