1

220 25 11
                                    

استفقت ليلا ، من الوجع الذي ببطني ، توجهت نحو المطبخ لاشرب مسكنا للالام ، ثم عدت لغرفة نومي ، استلقيت فوق السرير محدقة بالسقف منتظرة زيارة من النعاس ، لكن الالم يزداد حدة ، و صار لا يطاق ، نهضت مرة اخرى ، و صرت اتمشى في الرواق ذهابا ايابا ليزول ذلك الوجع ، لكن محاولاتي باءت بالفشل ، صرت اصبر نفسي ، احاول ان انسى الالم لعله ينساني ، ادخل هنا و اخرج من هناك احمل هذا ثم اضع ذاك ، اتذكر هذا و انسى ذاك ، لكن للصبر حدود ، فاق الوجع قوة تحملي ، لم استطع ، لم اطق الوضع ، توجهت نحو السلالم لاتوجه الى الحمام لكنني
لم افق على نفسي الا و انا مستلقية فوق سرير وسط غرفة بيضاء ، بجانبي طاولة و اريكتان بنيتان ، امامي مجموعة من الاجهزة ، رفعت يدي فوجدت كما من الابر منغرزة بها ، فجاة دخل رجل يرتدي بلوزة بيضاء تتبعانه فتاتان ترتديان الابيض ايضا ، لم يحدثاني حتى بل توجهوا مباشرة لجهاز تسجيل الضغط الدموي ، ثم وضعا سائلا بانبوب متصل بيدي و خرجا مباشرة ، دقائق معدودات بعدها دخل شاب في الثلاثينيات من عمره ، طويل القامة ، لم يكن بالسمين و لا بالهزيل ، عريض الكتفين ،ابيض البشرة ، عيناه خضراوتان ، شعره بني ، على ذقنه لحية خفيفة ، يرتدي سروالا من الجينز الاسود و قميصا صوفيا طويل الاكمام ، يضع احدى يديه بجيب سرواله ، بينما يحمل باليد الاخرى معطفا اسودا جلديا ، توجه نحو احد الارائك وضع معطفه هناك ، بينما سحب الاريكة الاخرى نحوي و جلس هناك .
-" اذن هل تشعرين بتحسن ? " متفقدا اياي بنظرات عينيه الخاطفة ، لم افهم ما يقصده .
-" اسفة من تكون ? اين انا ?ما الذي جاء بي الى هنا ? من اكون ?" قلتها باحثة عن جواب يشفي غليل تساؤلاتي .
لكن الشاب هناك بقي محدقا ، ثم انصرف جاريا برمشة عين ، تاركا معطفه و هاتفه و حتى مفاتيح سيارته ، صرت اعوم في بحر الفراغ و الملل و النقص ، حتى دخل ذلك الرجل بالرداء الابيض مسرعا متبوعا بذلك الشاب ، صار الرجل يتفحصني و تقلبني بدقة و خفة و قلق ايضا ، ثم تركني متوجها نحو الشاب مصرحا :
-" اثر الصدمة التي تعرضت لها المريضة ، اصيبت بفقدان الذاكرة الرجعي ، حيث ينسى المريض ذكريات متعددة و كثيرة قد مر بها بحياته الا انه سيسترجعها بعد مدة .. انا انصحك بان تعرض زوجتك على طبيبة مختصة لتسريع الشفاء فحالتها ليست متقدمة كثيرا " . ثم دخلت شابة ترتدي بلوزة بيضاء بكرسي متحرك ، ساعدتني على القيام و اجلستني بالكرسي و صارت تجرني الى احد الغرف ، اوقفتني هناك مقابلة لامراة جالسة على المكتب ، لقد كانت حنونة و لطيفة معي ، بدات بسؤالي عن بعض الاشياء التي لا اعرفها عن زوجي ، امي ، ابي ، عائلتي ، مهنتي ، منزلي ، ذكرياتي ، عن حياتي عامة لكنني لم اكن اتذكر فعلا ما تطلبه مني ، حيث تمر علي بعض اللقطات فقط ، احسست بالام في الراس فجاة ، تقدمت نحوي تلك المراة و حقنتني ، فاحسست بالنعاس فجاة فاستسلمت للنوم .
انقضى شهران و انا بنفس الحالة مستلقية على السرير امر يوميا على تلك المراة التي تسالني الاشياء نفسها و التي لا اعرفها ، لكن تلك الصور الخاطفة تمر على ذهني يومي .
فتحت عيناي صباحا فوجدت نفسي بغرفة بنية ، راقية ، على الجانب خزانة خشبية ، على واجهتها مراة ، و على الجانب الآخر صالون مصغر من طاولة رخامية سوداء موضوع عليها حاسوب محمول و مجموعة من الكتب و اريكة جلدية سوداء من ثلاثة مقاعد ، تقابلني طاولة بمراة وضع فوقها العديد من ادوات و مساحيق التجميل ، و قوارير العطر الرجالية و النسائية عند راسي مجموعة من الادوية ، قمت من السرير على اطراف اصابعي ، وقفت امام مراة الخزانة فرايت نفسي :امراة في عقدها الثالث ، قصيرة القامة ، هزيلة الجسم ، منتفخة البطن ،بيضاء البشرة ، عيناها بنيتان بلون العسل ، شعرها بني منسدل على كتفيها ،ترتدي فستانا ابيض طويل خفيف بدون اكمام ، خرجت من الغرفة و صرت اتجول في غرف هذا البيت الواسع كانه قصر من قصور الملوك ، دخلت المطبخ فاذا به مجهز بجميع الوسائل العصرية ، ثم دخلت الصالون العصري ، ثم قاعة الرياضة ، ثم الحمام ، ثم المسبح الداخلي ، ثم قاعة السينما ، ثم غرفة الالعاب ، و عشرات الغرف ، ثم توجهت نحو احد الابواب الزجاجية التي تظهرا مساحة خضراء يتربعها مسبح محاط بمجموعة من الكراسي الطويلة ، ما من هممت بفتح هذا الباب حتى انطلقت صافرة الانذار .
عودة الى الماضي :
دخلت الى المنزل في منتصف النهار عائدة من عملي ، اتمشى بتثاقل كوني حامل بشهري السابع ، فتحت الباب الزجاجي ثم لبست حذاء المنزل ، و ما من هممت بالتوجه نحو السلالم فاذا بي استشعر يدا دخيلة تجذبني نحوها ، استدرت مباشرة فوجدت شخصا لا اعرفه بيده خنجر ، رفع يدي الى الحائط مشددا قبضته علي ، صار يحدق بي و يحرقني بنظراته الخاطفة ، ثم كسر صمته قائلا : " حولت حياتي الى جحيم ، رفض زوجك الفاحش الثراء توظيفي بشركته بحجة ان مستواي لا يسمح بذلك ، ثم رفضت انت علاج زوجتي التي كان بجوفها ابني متحججة ان حالتها جد متقدمة و لم يتبق لها الا بضع خطوات لتلتحق بدارها الفانية ،h اما الآن فسينقلب السحر على ساحره ، ساقتلك و جنينك ... " ثم سكت لوهلة و رسم ابتسامة الشفقة على ثغريه و ادخل الخنجر الذي بيده في رحمي ، ثم خرج جاريا ، اضحيت التقط انفاسي محاولة الثبات ، فرميت يدي على الحائط قبل السقوط لاطلق صافرة الانذار ، لحظات بعدها اسعفت الى المستشفى ، تمكن الاطباء من انقاذ حياتي لكنهم لم يتمكنوا من انقاذ طفلي .
عودة الى الحاضر :
صرت اجري هنا و هناك كالمجنونة اضع يداي على رأسي الذي بتت اهزه لكي يزول صوت تلك الصافرة و تتبخر تلك الصور المزعجة المارة على ذهني ، جلست عند الباب ظامة رجلاي الى صدري ، فاجهشت بالبكاء ، الا ان جاء ذلك الشاب الذي قيل انه زوجي ، و اوقف تلك الصافرة ، ثم جلس بجانبي ممررا يداه على ظهري محاولا تهدأتي ، و معرفة الذي يبكيني ، ساعدني على النهوض ، توجهنا نحو المطبخ ، جلست على احد الكراسي ، و جلس بجانبي ، احضر صحنا و راح يقشر حبة برتقال و يضعها امامي لآكلها ، و بينها هو يقسم حبات البرتقال فاذا بالسكين ينزلق من بين يديه ، يجرح احد اصابعه فتتسايل قطرات من الدم فوق الطاولة
عودة الى الماضي :
دخلت الى غرفة نومي ليلا بعد يوم شاق مع بداية حملي ، فتحت الحاسوب لمحادثة زوجي الذي كان برحلة عمل خارج الوطن ، ثم توجهت نحو السرير فاستلقيت و رحت افكر بالذي حدث صباح هذا اليوم ، أ يعقل أن يكون ذلك الفتى القديم قد ارسل تلك الرسالة التهديدية ? أ يعقل أن يعود بعد سنوات من الغياب ? أ لم يكن هو الذي قال أنني لا أستحق شيئا و أنني عار على المجتمع ? ألم يكن هو عدوي الاول ? لما قد يعود ? أ يمكن أن يهين نفسه و يطالب الفتاة التي لطالما أراد و ألحق السوء بها نصف أسهم شركتها العيادية ? أ صحيح أنه قادر على قتل ابي حال لم انفذ له طلبي ? ثم من أين أتى بتلك الصور الفاضحة ? صور من تلك ? لما قد يرسلها الي ? لما قال بأن معنى الصور لن أفهمه إلا بعد مدة من الوقت ? أ يمكنه التجرأ على عائلتي ? احسست بصداع في الراس و دوار ، توجهت نحو الحمام ، فتحت خزانة الادوية ، اخرجت جهاز قياس الضغط الدموي ، فوجدت ضغطي جد مرتفع ، توجهت بعدها نحو المطبخ ، لاشرب مهدئا ثم عدت الى الغرفة .
استيقظت في الصباح تعبة رغم النوم ، قمت لأغير ملابسي استعدادا للعمل ، الا انني شعرت بوجود بلل بموضع نومي ، قمت فزعة فرمحت بقعة حمراءا فاقعة اللون من الدم قد لوثت غطاء فراشي الأبيض ، توجهت نحو مرآة الخزانة فوجدت بطني التي بدات بالانتفاخ قد عادت لتسطحها .
عودة إلى الحاضر :
انها فقط بضع صور تعرض على ذاكرتي تاركة ورائها صداعا و اسئلة ، لم اتحمل الوضع و بدات بالصراخ ، اصرخ و اجري في انحاء البيت كالمجنونة ، لماذا احس نفسي غريبة ? , امسكني ذلك الرجل محاولا تهدئتي ، قدم لي كوبا من الماء ثم ادخلني الى غرفة النوم ، اجلسني باحد الارائك ، توجه نحو الخزانة ، اخرج منها فستانا عريضا طويلا احمر اللون ، و معطفا جلديا اسودا يصل الى نصف الساق ، وضعهم فوق السرير ، ثم طلب مني لبسهم بسرعة ، خرج بعدها و اغلق الباب الخشبي من ورائه ، نفذت طلبه ، و خرجت فوجدته ينتظرني ، امسكني من يدي و بدا بسحبي ، دخلت الحمام ، رشني بالماء الى وجهي ، ثم ربط شعري على شكل كعكة ، سحبني بعدها الى السلالم ، ننزل طابقا وراء طابق ، الى ان وصلنا الى الطابق الارضي ، فتح احد الابواب حيث تركن سيارتان الاولى سوداء رياضية مفتوح اعلاها ، تبدو باهضة الثمن ، اما الثانية فهي بيضاء عالية رباعية الدفع ، ركبنا بالاولى و خرجنا ، مرت ساعات و نحن على متن السيارة و الصمت و الملل يخيمان علينا , فجاة قطع هو حاجز الصمت قائلا :
-" هل تتذكرين هذه الطريق ?"
-"لا."
-" حسنا ، ما الذي جعلك تبكين قبل قليل "
-" لا اعلم تحديدا ، لكنني صرت اتذكر الذكريات المقلقة و المزعجة ، لماذا لا يمكنني تذكر كل شيء? لماذا لا نملك اولادا ? لماذا مات ابنا
-" ها قد وصلنا "
ترجلت من السيارة ، تمشينا قليلا تحت قطرات المطر مرورا بحدائق ، وصلنا الى احد المباني الشاهقه العلو المهندسة بكل دقة ، دخلنا الى الداخل فانحنى الكل عند دخولنا ، صعدنا عبر المصعد الى الطابق العلوي ، حيث تتواجد مجموعة من الشقق .
-"هنا يسكن كل اقاربنا و اصدقائنا ، سنزورهم واحدا واحدا ، لعلك تتذكرين بعض الاشياء "
بعد ان اتممنا الزيارة عدنا الى ذلك المنزل ليلا ، دخلت الى غرفة النوم ، ثم استلقيت على السرير بصعوبة بسبب ثقلي ، احدق بسقف الغرفة ، و امرر يدي على بطني ، مفكرة بما قالته عائلتي و اصدقائي اليوم : "اعتني بابنك " ، "لا تشغلي بالك " , "ستلدين " , "ستعود اليك ذاكرتك ، خذي وقتك " ، فزارني النوم فجأة خاطفا إياي للعالم الآخر .
في اليوم الموالي استيقظت صباحا فوجدت فطوري الصباحي قد جهز ، كاس من عصير البرتقال ، شريحتان من الخبز المحمص ، صحن منقسم به زبدة و مربى الفواكه ، قطع من الطماطم و الخيار و الزيتون و الجبن الابيض بصحن آخر ، حبة من التفاح الاخضر مقشرة و مقسومة ، حبتان من الدواء و كاس ماء مع ورقة سجل عليها ملاحظة : " صباح الخير كلي جيدا ، و اهتمي بنفسك ، في حالة احتجت الي هاتفيني ، اضطررت للمغادرة صباحا بسبب العمل . تحياتي "

woman's painsحيث تعيش القصص. اكتشف الآن