2

101 19 8
                                    

قمت من السرير بعد ان اخذت فطوري ، غيرت ملابس نومي ، نزلت الى الطابق السفلي متوجهة الى المطبخ ، فلاحظت غرفة لم ادخلها البارحة ، فتحت الباب ، فوجدت غرفة واسعة وردية اللون ، بها مهدان و خزانة من الخشب الابيض ، جدرانها مزينة بصور لرسوم متحركة ، باحد الاركان زربية مبعثرة عليها مجموعة من الالعاب و الدمى ، و في الركن الآخر مكتبان صغيران موضوع عليه عدد من الكتب و القصص ، مقابلا للباب كانت هناك شرفة مغطاة بستائر وردية مزينة برسومات طفولية بيضاء ، فتحت باب الشرفة المطلة على الفناء الخارجي حيث المسبح ، توجهت نحو الخزانة فتحت ابوابها لاجد داخلها ملابس البنات الصغار .
عودة إلى الماضي :
دخلت غرفة بنتاي التوأمان في عامهما الثالث صباحا ، لايقاظهما ، فاليوم سنذهب في رحلة عائلية إلى عاصمة الجن و الملائكة ، فتحت باب الغرفة ، فوجدت البنتان جالستان أرضا مكبلتا الأيدي و الأرجل و الفم ، صعقت من الذي أراه أمامي ، فلم أجد من حل سوى الإستغاثة بزوجي عبر صرخة مدوية ، لكنني لم أتحمل رؤية منظر طفلتي و هما يبكيان أمام أعيني ، فتوجهت نحوهما محاولة حل قيودهما و زرع الآمان بقلوبهما المذعورة ، إلا أن أحدا ملثم الوجه دخل من باب الشرفة و حال بيني و بين إكمال ما هممت بعمله ، كبل يداي بخيوط ، ثم وضع شريطا على فمي لكي لا أزعجه بصراخي ، خرج من الغرفة ثم عاد و بيده أطباق من المأكولات المشهية ، توجه نحو أبنائي و صار يطعمهما رغما عنهم قائلا : " كلوا ، ما بكما ، هل تريدان أن تلتحقا بقبركما و أنتم جياع هل تريدان أن يقول الناس أن أحفادي ماتوا و هم يشتهون شيئا " فجأة دخل زوجي الغرفة فتغيرت ملامح وجهه الفرحة بالعطلة إلى ملامح الخوف و الذعر ، توجه نحوي على أطراف أصابعه لكي لا يلفت انتباه ذلك القاتل ، لكنه تفطن له و قال : " من تظن نفسك هاه ? " ثم ازال القناع الذي بوجهه مبينا هويته التي سقطت علينا كالصاعقة إنه أب زوجي ، وجه السلاح نحو ابنتي التي كانت بجواره و قال : " أنا من تحمل إسمه ، أنا أبوك الحقيقي ، صحيح أنك لم تتربى في كنفي و لكنك إبني ، أنا سأجعل الحياة عادلة ، فهي منحتك أكثر مما منحتني " أطلق بعدها رصاصتين كافيتين لوضع حد لحياة حبيبتيي ، ثم وجه المسدس نحو رأسه ، فأنهى حياته كذلك .
عودة إلى الحاضر :
اخرجت فستانا ثم اخر و يليه آخر لاجد نفسي قد افرغت الخزانة ، و قد شقت دموعي الدرب على خدي ، ابكي لانني بديت استرجع بعض ذكرياتي القاسية ، و لأنني تذكرت ابنتاي اللتان قتلا امام عيني ، تذكرت كيف انني حرمت من نعمة البنين ، وجهت نظري نحو بطني و صرت ادعو و اناجي ان يولد الذي ببطني و ان يعيش و لا يقتل كاخوته ، تعالت شهقاتي ، و تبلل وجهي بدموع الحسرة و الحزن ، توجهت نحو الحمام لأغسل وجهي و أزيل منه آثار البكاء ، فجاة سمعت ضجيجا من البعيد ، ضجيجا من حديث الناس ، ألقيت نظرة من النافذة التي بالرواق فوجدت بعضا من الناس يمشون بالممر الخلفي للمنزل متوجهين نحو المدخل الرئيسي ، ببذلات رسمية و علب هدايا بيدهم ، لم افهم الذي يجري حولي فتوجهت نحو زوجي ، امسكت يده بقوة و اختبات وراءه باحثة عن الامان ، لكنه همس لي :
-" هذه عائلتك ، لا تخافي ، انها هنا لتحيي معك يوم ميلادك الرابع و الثلاثين "
ثم توجهنا نحو الصالون و بدؤوا يتبادلون اطراف الحديث ، هنا بدات اشعر بدوار في رأسي ، مع وجع في بطني ، لكنني اخفيت الامر عنهم لانني لم ارد قطع لحظات سعادتهم و غبطهم ، بدا الواحد تلو الآخر يقومون لتهنئتي و تقديم هدية عيد ميلادي ، و الالم يزداد ، و ما إن قمت لاطفأ الشموع حتى سقطت جاثية على الارض ، لا يمكنني التحمل ، بطني تالمني ، اسفة على مقاطعتكم و لكنني اعاني ، حملتني صديقتاي و توجها نحو السيارة ، خمس دقائق امضيتها في الطريق نحو المستشفى لكنها كانت سنين بالنسبة الي من شدة الوجع ، دخلت المستشفى ، وضعوني باحدى الغرف ، حقنوني بابرة بيدي ، بعدها بدأت رؤيتي بالإستحالة شيئا فشيئا ، فقدت قدرتي على التحدث ، أرى زوجي يقفز من هنا إلا هناك ، بعض أفراد عائلتي يبكي ، و البعض الآخر يرفع يديه إلى السماء داعيا ، أما صديقتي بجانبي فكانت تشدد قبضتها على يدي ثم تمرر إحداها على خصلات شعري قائلة : " لا تخافي ،نحن هنا من أجلك ، ستلدين و ستعيشين حياة الهناء ،تشجعي و قاومي . "
استفقت بعدها و أنا بأحد غرف المستشفى ، صرت اتقلب من هنا ثم من هناك ، باحثة عن أحد ما كي يروي عطشي بكأس من الماء ، حتى سمعت بكاء طفل يبدو أنه قريب مني ، استدرت فوجدته يبكي ، فجأة دخلت امرأتان كبيرتان أحدهما أمي و الأخرى يزعم أنها أم زوجي ، حملت أمي ذلك الصبي ثم قدمته لي قائلة : " أطعمي إبنك " ....... و ما إن مص الحليب من ثديي حتى شقت دموعي طريقها على وجهي ، تذكرت كل شيء ، كل تفاصيل حياتي ، عائلتي ، أصدقائي ، ماضيي ، عملي ، منزلي ، كل شيء ، قبلت إبني الذي نام بحضني و أعدت إلى مكانه ، أمسيت أتجاذب أطراف الحديث مع أمي و حماتي ، حتى دخلت صديقتي ، تبدو ملامح الخوف و القلق على وجهها لكنها اصطنعت بسمة على ثغرها محاولة إخفاء قلقها ، توجهت نحو حماتي ، همست لها فتغيرت ملامح هذه الأخيرة فحملت حقيبتها و خرجت ، و كذلك فعلت أمي ، ليتركوني هنا وحدي أحاول معرفة المشكلة ، تمددت مرة أخرى ، فدخل رجلان من الشرطة يتبعهم الزوجي الذي كان قلقا و منزعجا من الوضع ، توجهوا نحو إبني حملوه و خرجوا دون تحيتي ، ثم عادت أمي لتخبرني أنهم أخذوا إبني لتسميته و تسجيله بالسجل المدني .
دخل زوجي الغرفة و معه صديقتي ، جلسوا على الأريكة المقابلة لي ، و بدأوا بتراشق تلك النظرات التي بمعنى " ابدا أنت " ثم صرحت صديقتي : " تعلمين جيدا أن ما يحدث لنا هو قدر ، و أن علينا الصبر و التفال فبعد العسر يسر ، و مهما طال الليل فلا بد من نهار يشرق ، فلولا المحن و الحزن لما عرفنا للفرح و السعادة معنى .... "
قاطعتها خائفة : " ماذا هناك ? هيا تكلموا ? ماذا يجري ? " فنطق زوجي مصرحا : " لقد قام شخص ما بإيداع شكوى ضدنا مدعيا أن إبنه هو الذي كان هنا قبل قليل ، حيث قال أن إبننا سرق عند ولادته ، فقامت الممرضة بوضع إبن المشتكي في مكان إبننا " اختلطت مشاعري بين الغضب و الحزن و الكراهية و القلق عند سماعي هذا الخبر ، نهضت من السرير بصعوبة قائلة : " أريد رؤية هذا الرجل حالا " إلا أن صديقتي أعادتني إلا مكاني و قالت : " لا تقلقي ، سننتظر نتائج الأبوة و الأمومة التي ستجد في ظرف 48 ساعة لنعرف الحقيقة ، أما بخصوص المشتكي فنحن لا نعرف عنه شيئا ، لقد تحفظ بإسمه و هويته لكننا سنعرف كل شيء بعد يومين " .
انقضى اليومان كأنهم سنتين ، لم آكل خلالهما ، لقد كان كل همي أن يعود إلي إبني ، كنت مستعدة بالتضحية بكل شيء من أجله ، دخل زوجي الغرفة مصفر الوجه ، على طرفي عيناه دموعا محتبسة ، لم يكلمني و لم يحيني توجه فورا نحو الخزانة حيث ملابسي و بعض ملابس إبني ، فوضعها بحقيبة ثم ألقاها من النافذة ، دخلت بعدها صديقتي مرتدية أزياء الممرضة ، ساعدت زوجي في قيامي ، ثم ألبستني معطفا و أخرجتني نحو مدخل المستشفى ، صعدنا إلى السيارة ، ثم توجهت بي إلى أحد الأماكن الفارغة ، توقفنا هناك ، بقينا بالسيارة فسألت قائلة : "ما الذي يجري ? " لكنها إكتفت بالصمت فجأة ركب زوجي السيارة موجها كلامه للصديقة : " ااااه ، و أخيرا ، عانيت لكي أتحصل على هذا اللعين ! " عدنا للسير متوجهين للمجهول ، قطعت حبل الصمت قائلة : " أ يمكنني معرفة الذي تخططون لفعله " فاستدار زوجي مصرحا : " حسنا ، نحن متوجهون الآن إلى أحد صديقاتك التي تملك عيادة مرخصة ، لنعيد إجراء التحاليل , فالتحاليل التي خرجت اليوم شككنا في نزاهيتها " فانفجرت غاضبة : " إذا لم يكن هذا إبني فأين هو إبني الحقيقي ، و لما قد تشككون في نزاهة تحاليل طبية " فردت الصديقة : " لأن من أودع شكوى ضدك ، قادر على التلاعب بنتائج التحاليل ، فمن المعلوم أن من تتحفظ العدالة باسمه قد يكون شخصا من الطبقة المرموقة يمكنه فعل أي شيء " عدت لصمتي ، وصلنا للمكان المنشود ، ترجلنا من السيارة و دخلنا إلى العيادة حيث استقبلنا بحفاوة ، و بينما نحن ننتظر صاحبة العيادة أو بالأحرى صديقتي التي لم أرها مذ غادرت إلى انجلترا لمزاولة دراستها ، دخلت بعدها ، تبادلنا القبل و تحدثنا فمن الصعب مفارقة صديق بعد سنوات ، صرحت بعدها : " إذا بخصوص التحاليل يمكنني تحضيرها في مدة ساعتين فقط من أجلك ، هيا تفضلا ، أخذت الأنبوب الذي أحضره زوجي ، ثم أخذت دمي و دم زوجي و ذهبت ، في هذه اللحظة و بينما نحن جالسين نترقب النتائج فبهاتف الصديقة يرن ، ردت فورا فابتهجت بسماع صوت المتكلم و عند غلق الخط ، طلبت من زوجي إذنا لتأخذني عند صديقة أخرى .
وصلنا إلى فندق كبير بهندسة تقليدية هندية ، دخلنا ثم توجهنا إلى أحد الغرف المسماة ب " ال في اي بي " فوجدنا تلك الصديقة التي طال غيابها ، كانت من أعز الأصدقاء لكن الأحلام و أمور الدنيا فرقتنا و هاهي نفس الأسباب تلم شملنا ، الآن هي محامية و تملك فندقا هنديا ، سمعت بآخر أخباري من الصديقة صاحبة العيادة ، فأرادت أن تتبنى قضيتي ، بدأووا يتبادلوا نظرات خوف بينما هي تقرأ ملف قضيتي ، مما زرع فيي الرعب لكنها طمأنتني قائلة : " ياه لا تقلقي ، سنسترجع إبنك ، تشجعي و كوني امرأة قوية ، هيا لا تخافي ، أين هي أنت التي كانت بالماضي ? تلك المرأة الرجل ، تلك التي لا يتجرأ أحد على تحدي حدودها الحمراء ، أعلم أنك خائفة و لكن إبداء الخوف ممنوع " ثم بدؤوا بلعبهم الطفولي الذي لم أجد له بد ، فلقد كان كل همي هو رؤية إبني الذي لم أره لمدة ثلاثة أيام ، لم أعد أتحمل ، صبرت على ما يكفيني من مآسي ، قطعت حديث الصديقتان : " أيمكنني العودة إلى العيادة ، من الممكن أن التحاليل قد صدرت نتائجها " فردت علي إحداهن : " لا لن تذهبي ، سنذهب نحن الإثنان إلى العيادة ، بينما ستبقين أنت لترتاحي قليلا فبعد أسبوع سنقف بيد القاضي " و بعد إصرارهم وافقت على طلبهم .
بعد أسبوع توجه خمستنا إنا ، زوجي ، و الصديقات الثلاث إلى قاعة المحكمة ، جلسنا بأحد المقاعد منتظرين دورنا ثم همست صديقتي المحامية بأذني قائلة : " سندخل إلى قاعة المحاكمة ، بعد قليل ، فإذا رأيت المشتكي ، لا تحدثي ضجة و تظاهري بالقوة و اللامبالاة " سأنفذ كل طلباتها أملا في استرجاع ابني ، لكن كلامها أوضح أنها تعرف من اشتكى بي ، و أنني أعرفه من قبل لكنني تجاهلت الأمر .
حان دورنا ، دخلنا إلى القاعة ، ثم دخل ورائنا زوجان و محامي ، ماذا ? كيف هذا ? إنهم هم من أيام المراهقة ، لقد كان كلاهما يدفنان لي كراهية و حقدا و لكن كيف تجرؤوا على هذه الفعلة ? أ لم تصب الزوجة بسرطان فاستأصلوا رحمها ? كيف لها بهذا الإبن ? تبادلنا نظرات حقد و ابتسامات استهزاء و لكن المظاهر خداعة ، في داخلنا كلانا يرغب في الإنتقام من الآخر ، هو يريد تعكير صفو حياتي لأنني لم أخضع له ، بينما أنا أريد الإنتقام منه لأنه تجرأ علي .
حافظت على هدوئي و ثباتي ، " أنت إمرأة عنيدة و مجنونة ، و المرأة بهذه الصفات يمكن لها أن تقتل عند غضبها " هكذا كانت تقول لي زوجتك ، لا أريد أن أقتل أحدا لا بكلماتي ، و لا بأفعالي .
بدأت مجريات التحاكم ، يقذفون و يدعون أمورا لا أساس لها من الصحة ، و محاميتي صامتة لم تنطق و لو بكلمة واحدة ، بقيت تتابع الأحداث من بعيد دون تحرك ، تعابير وجهها باردة ، واقفة جامعة يديها إلى صدرها ، تلعب بالنظارات التي بعينيها ، فجأة استيقظت من سباتها ، طلبت كلمة من القاضية مصرحة : " سيدتي القاضية ، أنا أنفي كل التهم التي وجهت لموكلتي بدلائل ، أولا عيادة موكلتي و شركة زوجها تعملان طبقا للقانون المسطر و أملك كل الوثائق الضرورية ، أما بخصوص المرض الذي قذفت به المتهمة فلا أساس له من الصحة فالمتهمة في كامل قواها العقلية و الجسدية كما أنني أملك شهادة طبية تبين ذلك ، كما أستسمحك سيادة القاضية ، فخصمي قد خرج عن موضوع الجلسة الذي سطر تحت عنوان إثبات النسب ، فالتهم الموجهة تسطر تحت عنوان " القذف و التشهير و التهديد " , بالعودة إلى الموضوع الأصلي ، فالمشتكي قد صرح بأن ابنه ولد في نفس المستشفي و بنفس الوقت و قد سرق ابن موكلتي ، و لكن و بالبحث في سجلات قسم الولادة

woman's painsحيث تعيش القصص. اكتشف الآن