في آخر يوم من ديسمبر... صباح يعتبر دافئ نوعا ما.. فالشمس ساطعة بقوة وكأنه الصيف..وصلت بعد الثامنة بعشر دقائق.. تأخرت اليوم لأنها قررت أن تمشي الطريق كله من شارع حيفا إلى التقاعد العامة صعودا لجسر الشهداء ثم تدخل سوق السراي لتخرج منه مباشرة لمحل الفطائر.. تأخذ فطيرة دجاج وأخرى بالجبن الكيري لزميلها بل صديقها طارق.. ثم تأخذ آيس كوفي (نعم في عز الشتاء لن تشرب القهوة الا مثلجة) لتصحصح قليلا لأنها لا تحب الشاي ابدا.. تتجه إلى المكتبة.. تصعد إلى الطابق الثاني.. وتبدأ متعتها اليومية.. لم يكن وجودها في المكتبة لغرض العمل فقط.. بل الاستمتاع والهروب من كل شيء فالكتب شغفها وعشقها منذ الطفولة.. تأخذها الى عوالم ثانية مليئة بالحماس والحب والمغامرة والفكر.. عوالم تفصلها عن الواقع الذي ترفض ان تستسلم له لأنه وببساطة لا يمت لطموحاتها أحلامها وأهدافها بصلة.. يعلو صوت فايا يونان في الارجاء بأغنية احب يديك.. وتبدأ سلسلة اغاني فايا اللامنتهية وان انتهت فستعود إلى نفس الاغاني من البداية او تشغل احدى المقطوعات الموسيقية الكلاسيكية..
اكملت عملها الصباحي بسرعة.. جلست أور في شرفة المكتبة لتأكل وتنعم بدفئ الشمس قليلا وربما لمشاهدة المارة في شارع المتنبي الذي تعشقه وتصفه بأنه ملاذها.
روح بغداد وحضارتها تتركز في هذا المكان التاريخي التراثي .. في كل مرة تدخل هذا الشارع كانت تنبهر به من جديد ، بوابة المتنبي العظيمة.. القشلة وساعتها التي لا توصف.. كانت تتخيل دائما احدى حلقات مسلسل هوى دجلة عندما مثلوا هناك.
المركز الثقافي وساحته التي لطالما جلست وسطها واستمعت إلى الاغاني التي تتغنى ببغداد والعراق وغنت معها ..
اطلال المحكمة القديمة .. سوق السراي الأكثر من رائع .. كانت دائما تمشي وتنظر إلى الأعلى لترى جمال سقفه الذي يستهويها ..
مقهى الشابندر العريق ورواده.. كبة السراي الشهيرة.. المكتبات.. دور النشر.. باعة الكتب الذين يفترشون الأرض..بائعوا التحفيات ومصغرات آثار العراق..مكتبات الأدوات المدرسية والخاصة بأدوات الرسم واللوحات.. محلات صنع المحافظ الجلدية النسائية والرجالية والكتابة عليها.. عربات العصير والمكسرات واللبلبي والشلغم.. باعة الشاي والقهوة المتجولون.. عازف العود..عازف الناي المصنوع من القصب..
واخيرا والأهم... دجلة.. كان دجلة ليس بمجرد نهر بالنسبة ل أور .. بل كان شريناها حقا.. تعشقه رغم رهبتها منه وعتبها عليه لأنه ابتلع يوما عزيزا عليها.. ورغم ذلك فهي لاتستطيع الإبتعاد عنه.. تشعر وكأنها جزء منه.. تنتمي له.. ابنته الضالة..تفكر.. لا تعلم بماذا تفكر تحديدا لأنها تفكر دائما بكل شيء في نفس الوقت .. سرحت قليلا رأت شباب ببدلات رسمية فابتسمت بسخرية .. فتاتان ينظر لهما رجل بطريقة مقرفة ودت لو انها نزلت ووجهت له لكمة بخواتمها الكبيرة لتشوه وجهه(ترتدي ثلاث خواتم بحافات حادة ونقشات بارزة وحادة ايضا...تلك عادة او طريقة اكتسبتها من احد روايات ياسمين باي لتدافع عن نفسها وقت الحاجة بلكمة من هذه الخواتم) .. عادت لتجلس بين أكوام الكتب.. الافكار السلبية لم تتبدد..
تذكرت بالأمس عندما كانتا تمشيان سويا من شارع المتنبي باتجاه تمثال الرصافي.. وسمعت احد المقرفين يرمي لهم بالكلام.. مشت خطوتين ولم تحتمل.. فتركتها وعادت له ورمت كوب عصيرها عليه مما صدمه وصدم كل من في الشارع وتركته ومشت.. والأخرى ليس لديها اية فكرة عما جرى فقط سمعتها تقول (بيك خير تعال اذا انت، رجال تعال) وسحبتها من يدها واكملو طريقهم..هكذا هي.. مندفعة مجنونة.. غيورة على حبيبتها ثم نفسها.. لا تترك حقها وان كلفها ذلك الكثير..
أنت تقرأ
على ضفتي دجلة
Romanceقصة حب بين فتاتين من بغداد.. عاشوا لحظات السعادة والصفاء.. لكن.. لاتجري الرياح كما تشتهي السفن.. سندرك معهم النفس البشرية وتقلباتها وانانيتها ووفائها.. قصة حب اقل ما يقال عنها ( حب وحرب)