٥ و الأخير

8.6K 131 33
                                    

جواهر، طلعت من غرفتها وهي تسمع صوت ضحكات جاي من غرفة ابوها، حست بضيقة الصدر تخنقها، رغم انها كانت فرحانة بوجوده ، ناظرت لغرفة سند وسرحت ثواني وحسّت بنغزة بقلبها لما تذكرت متى اخر مرة شافت سند، زمااان ماشافته ولا سمعت له حسّ، وماهي متأكده اذا كان موجود الحين ولا طالع ، لكنها تقدمت لغرفته بسرعة وفتحت الباب وطاحت عينها على سريره، للأسف كان موجود وواضح انه ماطلع من يوم مارجع ابوه، او بالأصح من يوم ماراحت من يدينه ورد .
تنهّدت بقلة حيلة، كانت بتطلع لكن شدها حركة غريبه من تحت غطاه
خافت عليه وتقدمت له وقالت بذعر : سنـد .
شالت الغطا عن وجهه وسكتت لبُرهه ورجف قلبها لما شافته يصب عرق
حطت يدينها على جبينه وشهقت وقالت بخوف : سند حرارتك مرتفعة
الله يسامحك ، ليش ماتقول
رجعت بخطواتها وطلعت من غرفتها ، بنفس الوقت طلعت ذكرى من غرفتها ووقفت جواهر وهي حاسة بشيء غلط، فيه شي متغير بذكرى للأسوء ولا عرفت تميزه لإن بالها مشغول بسند .
قالت بعتب : طلعتي الأربعين ؟
ذكرى عقدت حواجبها وكملت جواهر : من يوم ماماتت أمي وانتي حابسة نفسك بسريرك كنك نافس ، ماعلينا الحين خليك عند سند شكله تعبان
بروح اجيب له كمادات وخافض حرارة.
نزلت جواهر، وذكرى دب بقلبها الخوف على سند ودخلت غرفته بسرعة وانصدمت من شكله ، جلست جنبه وقالت بتوتر : اسم الله عليك
مسكت كفّه وسحبها بقوة وقال بصوت حاد : اطلعي
ذكرى انصدمت من نبرته لكن قدرّت : سند انت تعبان
دخلت جواهر وجلست جنبه بالطرف الثاني وكانت شايلة قدر صغير فيه مويا وبرمشة عين سند ضرب القدر بكل قوته وطار وانكب اللي فيه عليهم وصرخت جواهر وقال سند بصوت ارعبهم : برا اشوف انتي وياها
بسـرعة !
جواهر قامت وهربت وطلعت بسرعة، اما ذكرى وقفت واخذت مناديل وهي تمسح وجهها وايدينها ، انحنت واخذت خافض الحرارة اللي طاح من جواهر وقالت بنبرة هادية : اشرب منه وانفع روحك دامك ماتبي احد ينفعك ..
طلعت من الغرفة وسكرت عليه الباب ، طاحت عينها بعين جواهر اللي كانت تبكي من الموقف ، تبكي بشكل مُريع نرفز ذكرى وقالت بحدة : وانتي اي شي يبكيك ؟
جواهر بإندفاع : اجل تبيني اصير مثلك ماابكي ولا تنزل دموعي ؟
خافي من ربك انتي حتى امي مابكيتي عليها، امك وهي امك ماتت
وانتي مابكيتي ، صدق انك دايم بسريرك ومحد يشوفك
لكن انا متأكده انك مابكيتي !
تعدّتها ودخلت لغرفتها ، ذكرى كانت حاسة بحرب بصدرها ، نيران وسيوف تحرق بصدرها ولا هي قادرة تطلعها ، كان كلام جواهر للأسف صح ، كانت تحسّ بألم فضيع نتيجة انها ماتبكي ولاتشكي وهي عارفة ان هالشيء من أسباب الموت ..
ذكرى كانت بترجع لغرفتها لكن استوقفها صوت باب غرفة امها ينفتح والتفتت بدون شعور ، لوهَله حست انها بحلم
وان امها بتطلع الحين، لكـن انكسر قلبها نصفين
وهي تشوف ابوها يطلع ، ويده بيد وحدة ماعرفتها .
طالعة من غرفة امها ، لكن مو امها ، عرفت بديهياً انها زوجته الثانية ماحطت إعتبار لأبوها اللي ماشافته من سنين طويلة، ورفعت يدها وأشرت على سلوى وقالت بصوت غاضب : هذي شتسوي بغرفة امي !
سلوى حسّت بخوف وناظرت لأبو سند اللي تغيرت ملامحه
وقال بحدة : هذا بدال ماتسلمين على ابوك ياقليلة الخاتمة !
ذكرى بحرقة : تغيب سنين طويلة وترجع بيوم وليلة تقول انا ابوكم
سلموا علي ؟معليش بس انا مااعرفك !
وهذي الحقيرة تطلع من غرفة امي الحين! الحين !
تقدم لها بإندفاع ومسك ذراعها بكل قوته وقال بصوت ازعج مسمعها وأرعب قلبها : انتي اللي تطلعين ، هذا بيتي ماهو بيت امك !
تركها ورجع لسلوى ، مسك يدّها ونزلوا وطلعوا من البيت، وذكرى جلست على الأرض وهي ماسكة ذراعها اليمين بكفها اليسار ، تجمّعت على قلبها من كل حدب وصوب الين حست انها بتستفرغ قلبها ، ماعادت تقدر تتحمـّل ، غياب سياف ، وغياب امها ، وقسوة الدنيـا وظلم ابوها ، بصدرها مشاعر سنين متكوّمة ، مابكتها لا بصدمة سيّاف ولا بموت أمها ولا حتى الحين وهي حاسة ان الكون بأكمله متراكم على صدرها ، قلبها دق بقوة الى ان حسته راح ينفجر ، قدرة التحمل عندها صارت صفر، يا تموت يا تبكي وتفرّغ اللي بصدرها وترتاح شوي.
قامت بسرعة وهي حاسة ان مخنوقة وتبحث عن هواء، دخلت غرفتها اخذت جوالها بيدين راجفة و لاشعورياً كتبت رسـالة وارسلتها لسياف ..

بأحد الإستراحات ، كان جالس سيّاف بين مجموعة من اصدقاءه ، رغم سوالفهم الكثيرة وصوت ضحكاتهم العالي الا ان سيّاف ماكان داخل معاهم بالمود ، عقله وتفكيره وروحه بمكان ثاني، مكان سكن فيه شهرين بس لكن روحه سكنت فيه العمر كله حسب مايحسّ فيه من مشاعر لهذيك الــبنت ..
مانــسى ولا يوم اي شيء يخصّها، هدوئها وصوتها ، ونظراتها اللي مليانة حنان، حتى وهي معصبة عليه وكارهته كانت نظراتها تناقضها ، شخصّيتها اللي ماشاف مثلها بحياته ، ركادتها وعقلها وحتى صوتها اللي نسى نبراته مانسى انه يحبه .
حتى برودها اللي من اسباب عذابه كان يحبه، كان يتمنى دايماً انها تعتذر له ، وحتى لو ماعتذرت له هو يبيها، متأكد انها بيجي يوم وتعرف فيه الحقيقة، ويمكن هذا اليوم جاء ويمكن ذكرى الحين ندمانة
لكن السؤال " ليه ماوصل منها خبر"
ماكان يؤمن بالتخاطر قبل لاتوصله رِسالة من ذكرى
بنفس الوقت اللي سأل نفسه " ليه ماوصل منها خبر "
سياف اخد جواله وهو مو مصدق ان الرسالة منها ، فزّ قلبه قبل جسمه ووقف بدون شعور لما قرأ كلامها " أحتاجك، تعـال " .
طلع من بينهم وهو متجاهل ندائاتهم ، ركب سيّارته ومشى وهو يسابق الزمن وكل مافيه يتلهف لها، حتى ماخاف من رسالتها كثر مافرح فيها
وصل لبيت ابو سند بأقل من عشر دقائق، نزل وهو ماسك المفاتيح بيدينه وقف عند باب الشقّه اللي كان ساكن فيها وكان متأكد انهم ماغيروا القفل لإن المفتاح باقي معاه، فته ودخل ووقف بالممر اللي بين الشقه وبين بيت ابو سند ، المكان هادي وصامت لدرجة ان سياف حسّ الكون كله هادي وصامت ومايسمع الا صوت دقات قلبه ، انفتح الباب وطاحت عينه بعيونها، ذكرى كانت تلوم نفسها على اللي سوّته ، لكن بعد ماشافته تأكدت ان هذا القرار الوحيد الصحيح بحياتها ، شوفته كانت منجاتها من بحر الهم اللي عايشة فيه ، رفعت يدينها وعدلت حجابها لما طلعت خصل من شعرها ، تقدمت له لين وقفت قدامه ، وسيّاف على ضيق المكان اللي هو فيه يحسّ الفضا والوسع بروحه من شوفتها ، حتى وان كانت ملامحها شاحبة وعيونها ذابلة والهالات مخبيّه جمالها .
ذكرى استجمعت قوّتها ، كانت تحس ان الكلمات لها ثقل بصدرها
ومو قادرة تطلّعها لكنها قالت بتعب : عادي اهرب معك !
سيّاف يناظر بعيونها وهو عارف ان الكلام مو منها ولا هذا تفكيرها
ومتأكد ان في شي مسبب لها هالتعب ، بلع ريقه وهو لازال يتأمل عيونها وينتظر الزود من كلامها اللي يعذبه قبل مايعذبها ، لكنه متأكد انها بترتاح اذا تكلمت .
ذكرى : ابي اهرب من الدنيا كلها، معك انت، ادري انك تحبني، وبتساعدني .
سيّاف اوجعه قلبه من كلامها ونطراتها المتشتته وقال بصوت خافت : وش فيك ، وش اللي متعبك كذا ؟
ذكرى نزلت عيونها وفركت يدينها بقوّة ، وناظر ليدينها معاها وحسّ برجفتها راح تكسرها من قوّتها ، بدون تردد مسك كفوفها بكفوفه بقوّة وقال بهدوء : هدي حالك، ادري انك ماتحبين تتكلمين، لكن تكلمي لي
ولاتحسبيني بمشي واخليك ومااسمعك مثل ماسويتي انتي ، انا هنا وبسمعك للنهاية !
كلامه ماكان يمّر مسمعها، كان يدخل قلبها على طول ، حرّك عبراتها وحرك كل مشاعرها الدفينة ودموعها المحبوسة بمحاجرها من سنين .
هسمت بغصّة : أحس اني راح اموت ، مو قادرة ابكي من يوم مافارقتني
من يوم ماطلعت من بيتنا، حتى وفاة امي اللي فجعتني اكثر من فراقك مابكيت عليها.
سيّاف مابقى قدامه خيـار ثاني، سحبها لصدره وحضنها بهدوء
ويده تمسح على ظهره ، انهارت ذكرى واطلقت العنان لدموعها وأخيراً قدرت انها تفرغ اللي بداخلها قبل تموت منه،ماخبرت انها حست بالأمان بمكان غير هالمكان من قبل.
سيّاف متضايق من بكاها، وقلبه يوجعه من صوت شهقاتها
لكن مرتاح لإنها بترتاح بعد هذا كلّه .
استجمع نفسه وقال بصوت خافت : المهم راحتك ، المهم اشوفك تضحكين ، انا ودي ابيع عمري واشتري ضحكتك .
مرت خمس دقايق وذكرى تبكي بشكل مُريع، وسياف تاركها براحتها
الين هي بنفسها ابعدت عنّه لما طاح عن صدرها حمل بثقل الجبال
استوعبت اللي حصل وحست وجهها يختفي من الإحراج، لملمت أشتاتها ومسحت دموعها وهمست بدون ماتناظر فيه : انا آسفـه ..
سكتت شوي وكملت بضعف : ادري جرحتك وخليتك تتحسف عشان عرفتني، جد انا آسفه .
ابتسم سيّاف ولأول مرة يبتسم ابتسامة صادقة و من قلبه
وقال بصوت هادي : الحسافه كانت على السنين الي ما عرفتك فيها
وباقي الأمور ما عليها خلاف والله .
ناظرت بعيونه وابتسم قلبها وابتسمت عيونها قبل لايبتسم وجهها .
سياف : اليوم بجي اخطبك من ابوك .
ذكرى مالقت ردّ، ولا لقت نفسها من التوتر اللي عاشته بهاللحظة
وكمل سياف بضحكة : تزوجيني واهربي معي افضل لك، وش لك بالقيل والقال !
ذكرى ضحكت : لا تصدق ماكنت بوعيي لما قلت بهرب معك، كنت منهارة
سكتت شوي وتلاشت ابتسامتها وقالت بحزن واضح بعيونها : ماكانت حياتي ناقصة خرايب عشان يرجع ابوي مع زوجته ، خمس سنين ماشافني
ويوم شافني حتى كيف حالك ماقالها .
عقد حواجبه سياف وكملت ذكرى بضيق : هاوشني ومد يده علي لما قلت له يطلع مرته من غرفة امي ، قال هذا بيتي انا وانتي اللي تطلعين مو هي تصور هذا كله وهو اول مرة يشوفني من سنين ، كيف ابي اتحمل أكثر ؟
سياف بصوت غاضب : ومن قال انك بتتحملينه، بتخلين بيته له وبتجين معي ، لبيتي انا !
ذكرى بعيون تلمع : وانت ضامن موافقته ؟ راح يسأل عنك وبيعرف انك مديون ومامعك وظيفه وبيرفض.
سيّاف بثقة : بيوافق وهو مغمّض ..
ذكرى بتعجّب : شلون !
سياف : من يومين وهو مكلمني يبي يسدّ دين نوف ويرجع لي فلوسي
وانا اتفقت معه اخذها ، لكن الحين تغير كلامي
انا ابيك انتي مابي فلوسه .. ابي بنته
ذكرى حسّت صدرها صار بستان من ورد بعد كلامه
وماكانت تمتلك رد غير إبتسامتها ..
سـياف اخذ نفس عميق وقال بحبّ : الله يسامح نوف دنيا وآخره ان كانها جمعتني فيك .
ذكرى بخجل : رب ضارة نافعة ، بس هذا مايعني انك تتنازل عن حقك
سياف : مايهمني ، والله مايهمني دام نهايته انتي ، تذكرين هذاك اليوم اللي شفتك فيه اول مرة ؟
ذكرى : اتذكّر ، يوم الجريمة اللي صارت بين نوف وورد
سياف : وقتها كنت جاي اقتلها فعلاً ، لكن صارت الجريمة ، ولولا وجودك بهذيك الليلة كان رحت فيها .
سكت شـوي وقال بعد تنهيدة طويلة : لكـن .. اللي ذكرى في حياته مـايضام .

بعد شهر .. بعد أصعب شهر عاشته ورد مع بتّال وعاشه سند بإنتظار مُكره لهذا اليوم ، يوم زواجه من نوف ، يوم ابتعاده عن ورد رسمياً وارتباطه بأنثى غيرها يُعتبر يوم وفاته ، كان يقدر يرفض وياخذ كل شيء لصالحه لكن وش بيستفيد ؟ دام ورد صارت على ذمة غيره وش بيفيده رفضه وإمتناعه عن الإرتباط بغيرها ، لو رفضه بيرجع له ورد كان رفض ، لكن عارف ان بتال اللي ربح وفاز وانتصر عليه وصار اللي خايف منه ، صار الشيء اللي من كثر خوفه منه انحرم من نومه وانحرم من راحته وسعادته ، خـسر كل شيء وأغلى شي بحياته ، خسر ورد .
وهالخسارة كانت فادحة ، لإن ورد مو بس شخص بحياته
ورد حياته بأكملها ، الإنسانة اللي راح من عمره 18 سنه معاها ، شافها اكثر من مايشوف اهله ، راحت مراح السنين والمصيبة اللي ماتهون انها راحت بنفس الوقت اللي ماتت فيه امه ، قالوا ضربتين بالراس توجع لكـن سند كأن الضربات بقلبه وبروحه ، صارت العيشة صعبه بعيونه ، ماكان رابط عيشته بأكل وشرب وراحة بال وراحة جسم ، كان رابط عيشته بشوفة ورد وشوفة ضحكتها ، والحين راحـت منه، ولا هو عارف اذا بيكمل حياته بشكل طبيعي ولا .. بيموت من بعدها ؟
رغم علمه وإدراكه لحقيقة ان " محد يموت بدون احد"
و "محد يموت قبل يومه "
الا إنه بعد مافقدها تغيّرت قناعاته ، وضعف إيـمانه مع ضعفه وقلّة حيلته بالوصول لها ، كان يحس بحارق ، نار تشتعل بصدره ماهي مثل نار الدنيا، لإن نار الدنيا يطفيها البارد ويطفيها الماء والهواء ، لكن نار صدره مايطفيها الا اثنين " شوفة ورد ، ودمّ بـتال " .
كان واقف قبال المرايا ، بالبشت الأسود ويرتب غترته ، كانت ملامحه منورّه ، وبعيونه لمـعة ماحد راح يفهمها لو دقق بعيونه ، ماحد يعرف وش يجول بخاطره وكميّة القهر اللي فيه ، وانفاسه اللي يحس انها من نار ولو يلفظها احرقت الأرض وسكّانها ، امنيته الأزليّة ان هذا اليوم وهذي اللحظة تكون مع ورد ولـها .. لكن
ماكانت مع ورد
ولا لهـا.
دخل ابوه وهو مبتسم ومستانس والأرض مو سايعه فرحته وقف جنبه وقال بإبتسامة : مبروك ياعـريس ، الله يوفقك ياولدي ، وانا متأكد انك بتستانس مع نوف ، الله يكتب لكم السعادة ونشوف عيالكم وعيال عيالكم .
ثواني ودخلت ذكرى وهي ماسكة البخور، وقفت جنبه وهي مبتسمه ومستانسه وبنفس الوقت مخنوقه من الضيقة عليه وعلى حلمه اللي ضاع بسبب بتال .
قالت بإبتسامة : مبروك وعسى عينك ماتشوف الا الفرح
سند اوجعه قلبه من كلامها لكن ماحبّ يطنشها وابتسم ابتسامة باهته : الله يبارك فيك .

10 الليل ؛ في بيت نوف :

سحابة لو حملت جبال و حلوة لو شربت المُر حيث تعيش القصص. اكتشف الآن