2شتاء 1931-1932

5 0 0
                                    



الحياة الاعتيادية لا تروق لي...إنني أتوق إلى اللحظات الخارقة كما السورياليين في نشدانهم للغرابة.أريد أن اكون كاتبة تنبئ الناس بوجود اللحظات الفائقة.اريد البرهنة على وجود فضاء لامتناه.ومعنى أبدي واتجاهات غير محددة..لم أكن في حالة رضا و سعادة على الدوام فثمة أيام مشرقة و أيام محمومة و أيام تخمد فيها الموسيقى التي كانت تضج في رأسي فأبدأ برتق الجوارب\تشذيب الاشجار أو تعليب الفواكه و تلميع الاناث و أجدني بهذا دونما صلة بالحياة

وعلى الضد مما أقدمت عليه(مدام بوفاري ) لا أعمد إلى تناول السم و لكنني أشرح بالكتابة...

انتهيت من كتابي عن (د.ه.لورنس)الذي أسميته (دراسة لكاتبة هاوية) أنجزت الكتاب في ستين يومًا وذهبت إلى باريس لاقدمه إلى (ادوارد تيتوس) الناشر...لم يظهر الكتاب بالسرعة التي يأملها الكاتب وهو يخرج مخطوطته الساخنة من فرنه توآ الكتاب يبقى نابضآ في أعماق روحه
أعطى الناشر المخطوط لمستشاره لابداء الراي في أمر نشرها.
ريتشارد أوزبورن المحامي كان مستشاري القانوني بشان حقوق نشر كتابي عن (د.ه..لورنس )وهو رجل يسعى للجمع بين شخصيتي المحامي اللامع و البوهيمي كان يغادر مكتبه بعد أن تملئ جيوبه بالنقود متجها إلى منطقة (مونبارناس)لينفق نقودًه ويدفع ثمن عشاء وشراب كل من يصادفه وعندما ينال منه السكر يشرع بالحديث عن روايته التي بدأ بكتابتها و غالبآ ما كان يعود إلى مكتبة صباح اليوم التالي دون نوم و قد اتسخت ثيابه و تجمعت فيحاول أن يصرف انتباه الزبائن عن مظهره المزري بمواصلة حديث مندفق بارع لا يدع لمستمعه أية فرصة لمقاطعته أو رد عليه
كان يتصرف وكانه يلعب فوق حبل مشدود لا يستطيع معه النظر إلى الاسفل حيث يقف المتفرجون لئلا يفقد توازنه ويهوي لكنه سقط فعلًا في المسافة الممتدة بين مكتبه و مطاعم (مونبارناس)ولم يعثر عليه أحد لانه كان يخفي الوجهين معآ وجه المحامي الرزين و البوهيمي المنفلت و عندما يذهب للنوم في فندق مجهول مع امراة مجهولة في الوقت الذي يفترض فيه أن يواصل العمل في مكتبه
لهذا الرجل موضوعان للحديث لا يتوقف عنها
الاول:ما يتعلق بموضوعة الانتحال إذ يردد أن عددأ من الاشخاص قاموا بسرقة رواياته و مسرحياته و أفكاره وهو يعد نفسه ليقدم شكوى مستفيضة إلى القضاء لاقامة الدعوى على المنتحلين و يقول إن أحدى رواياته المسروقة نشرت باسم شخص اخر كما قدمت إحدى مسرحياته على مسارح (برودواي)
أما حديثه الثاني فإنه يخص صديقه الكاتب (هنري ميللر) الذي يقول عنه إنه كتب كتابا من ألف صحة وكل ما فيه مأخوذ من كتبه و رواياته السابقة و (هنري الان بغرفتي في الفندق وقد تركت له خمس فرنكات على المنضدة...)
بعد ايام أحضر لي ريتشارد مقاله ل(هنري ميللر)عن فيلم (العصر الذهبي)للمخرج الاسباني (لويس بونويل) كان المقال مثيرًا و متفجرآ ذكرني بقول (د .ه..لورنس) الذي اعلن:(إنا قنبلة بشرية)
لمست في مقاله (هنري ميللر)نزعة بدائية و مادة جافية متوحشة تناقض كل ما قرأته لسواه من الكتاب كتابته تبدو لي مثل غاية عذراء ورغم قصر المقاله إلا أنها كانت تشبه القذائف التي تتفجر بالاحقاد أو تمثال طبول حرب بدائية في حدائق (التويلري).
أنت تعيشين حياة كهذه متخفية في عالم مرهف و تعتقدين أنك تعيشين الحياة و تقرأين كتاب (الليدي تشاترلي) على سبيل المثال أو تقومين برحلة أو تتحدثين مع ريتشارد ثم تكتشفين بغته أنك في قطيعة مع الحياة و أنك سادرة في سبات يمكنك تحري أعراضه عليك بمنتهى السهولة...
أولها هذا الخدر و التنمل و الاضطراب (عندما يغدو السبات خطيرآ مؤديآ بالضرورة إلى التفسخ و التحلل في الموت)
ثانيها انعدام المباهج و الفرح هذا هو كل شيء يبدو السبات مثل مرض غير خطير...رتابة...ضجر موت الملايين من البشر يحيون هكذا أو يموتون هكذا دون أن يدركوا أنهم في سبات...
إنهم يعملون في المكاتب و يقودون السيارات و يحملون الاطفال و يتنزهون ثم يفاجأون بحالة خاصة كان يقابلوا شخصآ ما أو يقرأوا كتابآ معينآ أو يستمعوا أبدًا الى أغنية فتوقظهم و تنقذهم من الموت
البعض لا يستيقظ أبدًا مثلهم مثل من ينام في الجليد ولا يفيق بعدها
لكنني لست في خطر فبيتي وحديقتي و حياتي الجميلة لا تتيح لي الركون إلى الدعة أو الهدوء لكنني عارفة بأنني في سجن جميل ولا أستطيع الفرار منه إلا بالكتابة
ولهذا كتبت كتابآ عن (د.ه.لورنس)دونمًا منة لان لورنس هو من أيقظني أخذت الكتاب إلى (ريتشارد)فآعد عقد النشر ثم تحدث عن صديقه(هنري ميللر) لقد عرض مخطوطتي على (هنري)فقال هنري
لم يسبق لي أن قرات مثل هذه الحقائق الراسخة معبرآ عنها يمثل هذه الرقة
قال ريتشارد:أود أن ندعوه للغداء
قلت نعم
سيكون اللقاء مفعمآ بالرقة و العنف و سيكون التحدي وجهًا لوجه.

نهاية البارت الثاني

أناييس نن 𖡋Where stories live. Discover now