شباط 1932

3 0 0
                                    


وضعت في متناول يدي رسائل (هنري ميللر) النفسية الهائلة انهمارات
كنت قد علقت على جدران غرفة الكتابة لوحتين كبيرتين خطيتهما بكلمات كان (هنري) قد كتبها لي مع بانوراما عن حياته قائمة بأسماء أصدقائه و عشيقاته و الروايات التي لم يكتبها الروايات التي كنت الاماكن التي زارها وأسماء أولئك الذين يعتزم زيارتهم.
كانت اللوحتان مزحومتين بملاحظات عن روايات المستقبل .
كنت اقف بين (هنري ميللر) وزوجته (جون) بين قوته البدائية التي يشعر معها بالامان (وهذه حقيقته الكبيرة) وبين أوهام (جون) وانفلاتاتها من الوهم.
كنت أحس بالعرفان إزاء غنى وأمتلاء شخصية هنري ميللر كنت أود أن أرد على هذا الامر بالفيوض والتدفقات التي توازي غناه ولكني وجدت نفسي أحتفظ بأسرار معينة كما فعلت (جون)
هل كنت أشفق من السخرية؟
كنت أرجئ التمردات...
إعتقد هنري أن (جون) أغوتني لكنه سيعرف الحقيقة من خلالي في النهاية..مثلما فعل (مارسيل بروست) عندما كان يتحدث في غاية الانتشاء مع صديقه البرتين ذاتها التي كانت تكتم عنه كل شؤون حياتها...
لقد وعدته أن أقوده وآخذ بيده إلى عالمنا ..عالمي..
إن لامر ممكن تماما أن اكون أشد كتمانآ من (جون) أكثر خوفآ في الافصاح عن نفسي
لطالما عانيت بسبب تعدد (وجود الشخصيات) الذي كنت أسميه في بعض الاحيان (ثراء) وأراه في أيام أخرى نوعآ من وباء متكاثر .. كالسرطان..
إن أول تصور يخطر لي عن الناس يتساوق تمامآ مع الكليانية بينما كنت أتشكل من مجموعة (نفوس) أكون من شظايا...
كنت اعرف أنني مشوشة مثل طفل اكتشف توآ أن اللانسان حياة واحدة فأردت أن أعوض هذا الواقع بتعدد التجارب أو لربما كان يبدو ىكأنك تندفع وراء جميع النزوات فتأخذك في اتجاهات مختلفة.
وعلى أية حال _ فإنني عندما أكون سعيدة _ ويحدث هذا في ابتداء الحب وعذوبته أحس وكأنني وهبت حيوات متعددة..
كان من اليسير على (هنري) أن يقول عن (جون) إنها أمرآة صادقة كان لنا أن نكون جميعآ صادقين إزاء اللحظة النابضة إزاء الحياة وليس إزاء من نحب..
كنت قد وقعت في فخ جمال (هنري) وموهبة (هنري) وكنت أمنح كلا منهما شيآ مني يتجه إلى شخص كل منهما...
الكاتبة القابعة في اعماقي كانت تجد المتعة مع (هنري)
هنري يمنحني عالم الكتابة..
جون تقدم لي المخاطرة..
كان ينبغي لي أن أختار بينهما..لكنني فشلت..
يتحدث (هنري ميللر) عن (القديس فرانسيس) متأملًا في فكرة القداسة..
سألته: لماذا؟
لانني أعتبر نفسي أخر الرجال على هذه الارض
بدأت أفكر بهذا الاعتراف المخلص الذي منحني إياه وبقدرته على أن يكون باعثآ على المهابة...
ذلك أنه لم يكن شخصآ فاسدآ أو منافقآ.
عندما أكون في تجليات حالتي الطبيعية فإنني أنغمر في إعداد الطعام أوقد النار و أمارس الطهو..
يقول هنري:
لا اشعر بأنني أكون طبيعيآ إزاءك حتى هذه اللحظة..
يقولها بتواضع واستمتاع فأرى (هنري) آخر مختلفآ عن ذالك المدون في الدفاتر والكتب ..
يعيش هنري حياة يمكن أن توصف بالدعة..
وفي أحيان يفلت من الحاضر ...
دفاتر الكاتب أحاسيسه لا تكون ضمن مدى اللحظة دائما...
عندما ينغمر (هنري) بالكتابة يبدو وكأنه يتوهج دفئآ و تظهر ردود أفعماله بتعبيرات مسرحية.
أحاديثنا: هو بلغته الشاعرية المألوفه وأنا بلغتي لم أكن أستخدم مفرداته أبدًا
هو بحذره الدائم وأنا باندفاعاتي الصادقة...
ويبدو لي أن (لائحتي) اكثر باطنية وحدسية وأنتماء للغريزة لم تكن تظهر أو تطفو على السطح مثلما يحدث الامر مع (هنري)..
أفكاري حيوية متحركة مقابل تحليلاته القاسية.
إيماني بالمعجزات يقف مقابل فجاجة تفاصيله وواقعيتها ينتابني المرح عندما يقتنص خلاصتي:
_تبدو عيناك مثل معجزتين دفاقتين..
من سيجترح هاتين المعجزتين؟
_ظهيرة أخرى قي المقهى...
أخبرني (هنري ميللر) أن جذوره و خلفيته الشخصية (ألمانية) ولكنه يبدو لي (سلافيآ) لو أنه سبق وأن امتزج مع (دوستوفيسكي) روحآ و نسيجًا و اختلطت حياة الاثنين معآ.
كان ذا عاطفة ألمانية مفرطة وكان ينتقل بين العاطفية وجمود القلب
يمتلك هنري مخيلة (جرمانية) ويقترب أسلوبه الادبي من ( جورج كروتشه)..
هنري عاشق القبح تستهويه الخشونة الرعاعية و العامية المفرطة و أحياء الهنود الحمر و الفاقه والفظاظة.
ويتلذذ برائحة (الملفوف) و (اليخنة) .. كما يحب روائح العوز و العاهرات..
منحتني رسائل هنري إحساسآ فياضآ بالامتلاء الذي لا أناله إلار نادرآ كانت رسائل استثنائية...
وكنت أحس بمتعه طاغية وأنا أجيب على رسائله غير أن جسامة عددها كان يبهظني ويضعضعني وبالكاد أرد على رسالة فيكون قد كتب لي أخرى تعليقات على (مارسيل بروست) على قوائم الكتب الصادرة حديثآ توصيفات أمزجة حالات نفسية حياته الخاصة الرغبة الجنسية التي لا تعرف الكل وكيف يمزج بين كل هذه الاشياء فتشتبك الافعال أفعال بالغة الافراط بالنسبة لي...
ولا عجب أنه كان مفتونآ ب(مارسيل بروست) ولا عجب في أنني كنت أرقب حياته وأعرف أنني لا أستطيع مطلقآ ممارسة الحياة بالطريقة ذاتها حياتي تمضي متريثة عبر التفكير و الحاجة إلى فهم ما أحياه
رسالة مني إلى (هنري)
أنت تطالبني بأشياء مستحيلة ومتناقضة.
تريد أن تعرف ما هي (الاحلام)؟
ما هي الدوافع و النزوات التي تشغل (جون) ولكن كيف بوسعها الافصاح وهي تحيا مثل (غواصة) غاطسة على الدوام في المستوى الاعمق للغريزة و الحدس؟ لعلني أمتلك القدرة على إخبارك بكل هذا فأنا لست تلك التي تحيا وتحب و تجترح العجائب لسوف أجلس ذات يوم وأخبرك أنني سوف أمضي في الحياة على نحو أعمى ولسوف تضرب رأسك بجدران عالم (جون)
ثم تطالبني بأن أمزق كل الاقنعة تريد أن تنتزع الرهافة والاعماق و الغموض والظلمات والأسرار والاحاسيس الشهوانية في كل شيءٍ تستطيع القبض عليه وتقوم بانتهاكها جميعآ..
علام تطالبني بالوضوح ؟
كنت أول من قال ذات مرة إن غموض (جون) يمنحك الالهام وأنك لا تمنح أيه أمرآة أخرى الكثير نت الاهتمام فلماذا تريد تبديد السر؟ هل سيجديك نفعآلو علمت أن (جون) أمرأة سحاقية أو مدمنة مخدرات أو عصابية أو أن لها عشاقآ لا يحصون...
أنا لا أفهم رغبه (مارسيل بروست) في أن يعرف ويكون حاضرًا عندما تقع (ألبرتين) في غرام شخص آخر...
كنت اتلقى رسائل من (هنري) كل يوم وأرد عليها في الحال وكنت قد أعطيته آلتي الكاتبة وصرت أكتب بيدي وأفكر ب(جون) ليل نهار كنت مفعمة بالطاقة وأكتب رسائل لا نهاية لها...
في الليله الماضية بعد قراءتي لرواية هنري الاخيرة لا أستطيع النوم.. إنه منتصف الليل أردت أن أنهض وأمضي إلى غرفة الكتابة وأكتب إلى هنري عن كتابه الاول
هنالك بابان يجب أن يفتحا ويحدثا ضجة.
استلقيت بلا حراك وأرغمت نفسي على النوم والعبارات تندفع إلى رأسي مثل زوابع صغيرة أستطيع أن افهم وأرى فيما إذا كنت هنالك.

نهاية البارت الخامس

أناييس نن 𖡋Where stories live. Discover now