أمسكت قطعة من البريتزيل الجاهز المملح، وهو فعل غير لائق بممرضة، لكني أعطيته لذلك الرجل العجوز، كانت مهمة إبقائه على قيد الحياة أهم من مجرد إطعامه أي شيء.لكن في السر بالطبع، أغلقت باب الحجرة علينا وبدأت في إطعامه كيس كنت أخبأه من الطاهي السابق، الذي كان يصر على صنع البريتزيل، والتي لم تكن شيئًا يجيده بصراحة، فكنت أشتريها جاهزة وأتبرع بخاصته للفقراء في شارع منزل والدتي.
نظرت للساعة المعلقة على الحائط، كانت تشير للرابعة عصرًا، وكان موعدي في السابعة، أي أنني يجب أن أبدأ في التجهز في الخامسة.
طرق أحدهم على الباب فخبأت كيس البريتزيل سريعًا وفتحت النافذة كي تخرج رائحة المخبوزات من الغرفة.
ثم فتحت المزلاق، لأجد مدبرة المنزل، وهي سيدة ذات شعر أبيض وكثيرة التجاعيد، في الستين أو يزيد من عمرها، سألتها عن عمرها ذات مرة فلم تجب، بينما قالت صاحبة المنزل السيدة (كرانز) - والدة (فيلهيلم) - ضاحكة، أنها ستموت قريبًا.
أنا أكره مدبرة المنزل، لأن تصرفاتها أقرب لمديرة منزل، الأشخاص الوحيدين الذين تحترمهم هم السيد الخرف وطليقته السيدة (روزين كرانز) وابنهما (فيلهيلم)، أما الباقي وأنا منهم فمجرد عبيد عليهم السمع والطاعة المطلقين في وجه سلطتها. مع ذلك فهي لم تفشل أبدًا في وضع قناع الحب واللطف متى ما كان أسياد المنزل في الجوار، ممثلة من الدور الأول إن كان لي تقييم لأدائها.
ما إن انكشف وجهها من خلف الباب شعرت بأن إحدى علامات الغضب الإلهي قد انكشفت معه، كيف يمكن لإنسان أن يكون حرده بشعًا هكذا. كل تلك التجاعيد القرحة قد انضغطت معًا مع عينين زرقاوتين تخرقانني.
« لماذا كان الباب مغلقًا بالقفل؟»
تبًا، كانت هذه تفصيلة غفلت عن ابتكار كذبة لها، ولها الحق كله أن تشك بي.
دفعتني بعنف ودخلت الغرفة متوجهة نحو العجوز، وبدأت تفحصه، وجهه ورقبته وقميصه، ثم بدأت تعد خواتمه الذهبية في أصابعه وساعة جيبه العتيقة وسيناريو (أنا لا أثق بك يا عاهرة) التي تبدأ به كلما سنحت لها الفرصة.
سألَته بقلق:« سيد (رينيه)، هل أنت بخير؟»
فنظر لها ولم يجب، ثم أزاح بنظره بعيدًا.
« سيد (أوتو)، هل تسمعني؟»
لم يحرك نظره حتى هذه المرة ولم يرمش، كما لو أنه تمثال.
نظرَت له بحزن، فقلت إتقاءً لشر حزنها:« إنه يختار أن يمتنع عن الكلام لفترة طويلة في بعض الأحيان. يدعى هذا الصمت الانتقائي، إنها حالة طبية. » ولكنه غير مصاب بها.
بدى كما لو أنها ارتاحت بعد ما سمعت، وقالت له مرة أخرى:« سمعت أنك لم تأكل، سأحضر لك وجبتك المفضلة، سأحضِّرها بنفسي كما اعتدنا أن نأكلها في قبرص، همم؟»
أنت تقرأ
مفارقة
Horror.. والمُفارَقة، عزيزتي، تَكمُن في أن الصِّدق والقَسَم لا يجتمعان -غالبًا- في رجلٍ واحِد. (رتم القصة بطيء.)