~ فــراشــة الحــب ( ٧ ) .

27 7 0
                                    

َ

~ فــراشــة الحــب (٧)  .

مضت الأيام وعلي وفاطمة يتشاركان الحياة معًا بحلوها ومرها..
بدأت علامات الحمل بمولودهما الأول تظهر على الزهراء وآثار التعب والإرهاق ترسم خطوطها على عيون تلك الحوراء الانسية..
لم يكن زوجها ذلك الشاب الرسالي ليتركها وحدها مع أعمال البيت وتعب الحمل، فصار يترك عمله خارج المنزل ليبقى معها مدةً أطول..
إن عليها إعداد الطعام من طحن وعجن وخبز ، كما عليها تنظيف البيت باستمرار خاصةً أنها تقوم على الدوام بإستقبال نساء المسلمين فيه فلا بدّ  أن يظهر بالشكل اللائق دائمًا، رآها تتلوى وتنحني على المكنسة لتكنس البيت بعد أن تعبت في إعداد الخبز فأخذ الزوج الرسالي المكنسة منها وصار يكنس البيت ويرتب حاجياته بعد أن طلب منها أن تستريح قليلًا..
صار يُنقي العدس بنفسه ثم بعد أن اطمأن إلى نومها خرج ليحتطب ويستقي ماءً ويعود إلى البيت ليجهز أمر إعداد الطعام.
يذكر لنا حفيده الإمام الصادق عليه السلام حال ذلك البيت العلوي الفاطمي بالقول:
( كان أمير المؤمنين عليه السلام يحتطب ويستقي ويكنس، وكانت فاطمة تطحن وتعجن وتخبز).
مرت الأشهر الأخيرة من الحمل على فاطمة وعلي ثقيلة بثقل الرسالة الملقاة على عاتق مولودهما الأول!
جاء الحسن وأنار الدنيا والآخرة بنور طلعته الغراء ثم لم تمضِ سنة حتى أشرق نور الحسين فصار علي يلقب بأبي الحسَنَين!
ثم أطلت زينب ( زينة الأب ) وللبنت الأولى في قلب الأب مكانة لا يعلم بها إلا اللّٰه ورسوله!
كانت الحياة تزيد بثقلها على الزوجين الرساليين فهما يتمنيان لو أن وقتهما كله ينقضي بتبليغ الرسالة، لكن ها هما يتجرعان صعوبة العيش بلسان يلهج بالشكر والحمد..
وفي ذات يوم دخل رسول اللّٰه على علي فوجده هو وفاطمة يطحنان فقال لهما: أيكما أعيى؟ أي أيكما أكثر تعبًا من الآخر؟فقال علي: فاطمة يا رسول اللّٰه.
فقال الرسول : قومي يا بنية.
قامت الزهراء وجلس النبي موضعها مع علي فواساه بطحن الحَب.
في مرة أخرى دخل النبي بيت علي وفاطمة فرأى ابنته تطحن بيد وترضع مولودها باليد الأخرى فدمعت عيناه وهو يواسي ابنته بالقول:
(يا بنتاه، تعجلي مرارة الدنيا بحلاوة الآخرة).
فقالت وهي تبتسم وتتمنى أن تمسح دموع أبيها بيديها كما كانت تفعل في الصغر:
(يا رسول اللّٰه، الحمد للّٰه على نعمائه، والشكر على آلائه).
يا ترى لماذا دمعت عينا رسول اللّٰه عندما رأى ابنته في ذلك الموقف؟!
ماذا جاء في بالك يا رسول اللّٰه؟
هل تذكرت خديجة وكيف قامت بمواساتك وتحملت كل شيء من أجلك وأجل رسالتك؟!
أم هل تساءلت مع نفسك وأنت تنظر لفاطمة بالقول: أهذه ابنة أكثر النساء اموالًا في زمنها؟ أين حياة العز والغنى الذي كانت تعيشه والدتكِ وهي في عمرك؟!
أم هل بكيت لأنك لا تستطيع أن تشتري لها خادمة تعينها في أعمالها في الوقت الذي امتلأ مسجدك بالفقراء والمساكين؟!
أي مسؤولية ملقاة على عاتقك يا محمد؟! وأي مسؤولية ملقاة على عاتق ابنتك فاطمة؟!
فاطمة التي زفتها إلى بيت زوجها سبعون ألف حورية هي الآن تطحن ثم تعجن ثم تخبز، ترضع و تعتني بأولادها، تستقبل النساء لتزودهن بتعاليم الرسالة الصحيحة، تتألم من شدة الفقر رغم أنها سيدة نساء العالمين من الأولين والآخرين!!
كان علي يجلس مع أحد أصحابه فتذكر معاناة فاطمة وأراد أن ينشر فضائلها بين الناس ويخبرهم عن بعض معاناة فراشة الحب التي ملأت عليه حياته فقال له وهو يفضفض عن بعض تلك الحشرجة التي اختنقت في صدره :ألا أحدثك عن فاطمة؟...
إنها استقت بالقربة حتى أثر في صدرها، وطحنت بالرحى حتى مجلت يداها، وكسحت البيت حتى اغبرّت ثيابها، وأوقدت النار تحت القدر حتى دكنت ثيابها!

#نــهايــة_الفــصـــل

____
🖊 الكاتبة : رويدة الدعمي .
📚 فراشة الحب ج ١  .

~ في أمـان اللّٰه ورعايـة ١٤ معصـوم  🌸✨.

MAHDI_1188

َ

فراشة الحب، الجزء الأول / الكاتبة : رويدة الدعمي حيث تعيش القصص. اكتشف الآن