(2/3)

780 112 19
                                    

أغلق باب السيارة بقوة و هو يتمتم بعدة شتائم ، نظر إلى ابنه الذي تيبس في مقعدة و هو يضم كلتا يديه خوفا من أن يَشْمله غضب والده . تأمّله قليلا ثم قال : لست بذلك السّوء ، أنت بخير .. تحتاج أن ترتاح في المنزل بعيدا عن مصحة المجانين هاته ، لا عقاقير و لا علاج سلوكي أو لا اعلم ماذا بعد اليوم ، أعرف ما يناسبك !

إلتصق بكرسيّه أكثر و أكثر ، أحسّ بجسده يغوص داخله
عندما رآى الضباب الرمادي يتشكل حوله من جديد ؛ أغلق عينيه بقوة .. لكن تلك الأصوات أجبرته على فتحهما مجددا:

"... هل سمعت ما قال ؟ ..
أنت خطأ .. ذنب .. غلطة ..
.. لماذا أنت هكذا ؟ هكذا ؟ هكذا ؟ هكذا ؟ هكذا ؟ هكذا ؟ .."

أمسك برأسه و هو يُحس بالضباب يلج إلى عقله بينما الأصوات تخرج للعالم الخارجي . تبعثرت كتلة الأصوات و الدمدمات وسط الضباب و تفككت ، ظهرت مكان كل واحدة منها عينان بزغتا من العدم ، أدرك أنها أعين قطط . إرتعش جسمه و هو يرى أنه محاط بدوامة من الضباب الرمادي و الأعين الحادة المركّزة عليه ، و رشقات من الكلمات المبعثرة تخترق أذنيه لترتطم بعقله ..

".. لماذا أنت هكذا .. ذنب .. كان مزعجا .. شششش.. منظر مذهل .. الكثير من الوقت .. كرر ما قلت .. الكثير الكثير الكثير الكثير الكثير ا ل ك ث ي ر ...... "

تمددت الكلمات و إستطالت و هي تتلاشى مع الضباب ، أحس بالعرق البارد قد بلل ملابسه . حاول تهدئة أنفاسه مخفيا حالته عن والده الذي يبدو أنه قد هدأ أخيرا ، لا يريد أن يدخله في نوبة غضب أخرى . وصلا إلى المنزل ، و كان أوّل شيئ طالبه به والده هو أن يستحم الآن و في الحال . و بمجرد أن اختفى الأب داخل الحمام ؛ أسرع إلى غرفته و بدأ بنبش الأغطية إلى أن وجد دفتره . تأمل الجملة مجددا؛ بغض النظر عن معناها هو فخور بنفسه ، لا يتذكر آخر مرة نجح فيها بكتابة كلمات ذات معنى ، و إن لم تكن الجملة مرتبة إلا أنها تفي بالغرض . أمسك بالقلم محاولا رسم ما رآه اليوم من قطط غريبة تقف على قوائمها الخلفية و تحدق فيه ، ضباب رمادي سميك يتخلل كل شيئ ، الأذنان اللّتان برزتا من خلف رأس الطبيب ، الأعين الحادة التي أحاطت به ، و أخيرا الصّوت الجديد الذي دخل إلى رأسه ، لكن .. كيف له أن يرسم الصوت ؟!

تأمل لوحته ؛ خلفية مظللة بقلم الرصاص تتخللها أعين قطط متناثرة هنا و هناك مع رأسٍ خالٍ من الملامح تبرز خلفه أذنا قط ، كل هذا و الجملة قابعة بشكل مائل وسط صفحتَي الدفتر كمرساة تمثل أهم إنجاز لهذا اليوم ، بالنهاية كانت كل هاته الخربشات بمثابة تدوين لأحداث اليوم على حد قدرته . تأملها مليا و هو يفكر في كيف سيتمكن من رسم الصوت ؟ ثم ماذا قال له ؟ لا يذكر سوى أنه دخل إلى رأسه بشكل ما وسط الأصوات الأخرى ؛ بصفاء و وضوح ، مباشرةً و بشكل مفرد ميّزه بناءا على هذا.

إنتفض برعب و هو يعاود دسّ الدفتر و القلم وسطه بين الجدار و الأغطية و هو يستشعر أصابع والده التي فتحت الباب، ألقى عليه نظرة آمرةً و قال : الحوض يمتلئ ، أسرع بالإستحمام و لا تنسى أن تجفف شعرك.

القطّ على السّقفحيث تعيش القصص. اكتشف الآن