بعد تلك اللّيلة ، أدرك أن نيل رضا والده ليس صعبا ، بقدر ما هو ليس سهلا . في الصّباح ، تشبث بأشعة الشّمس و نهض مبكرا على غير العادة . قرر أن يتدبر كل أموره كما كان يفعل مسبقا ؛ هذا بالتأكيد سيكون كفيلا بإسترجاع إبتسامة والده .
و بشكل غير مألوف ، كان ترتيب السّرير و ارتداء الثياب أسهل مع إرشادات القط المقلوب ، حتى ربط الحذاء بات بسيطا في وجوده ، في وجود صديق .لحسن حظه ، أدرك بسرعة نتيجة عمله من خلال ملاحظة الدّهشة المصحوبة بإبتسامة سريعة طُبعت على وجه والده عندما رآه ذلك الصباح . و على غير العادة ؛ ربّت على رأسه و هو يقول : ربما الأمر ليس بذلك السّوء ، على ما يبدو ..
في تلك اللّحظة ، أحسّ بالدّفء يولد داخله ، كأن تُروس قلبه عادت إلى الحياة ، تصاعد الدّفء و تكاثف داخله حتى غمره ، مما جعله في حالة إنتشاء لطيفة .
كان القط يطلق خرخراته المشجعة في كل مرة يُقْدِمُ فيها الطفل على شيئ جديد ، يحرك ذيله يمينا و يسارا بسرعة متناسبة مع حماس الطفل . تبدد الضباب في العدم ، تلاشت الأصوات فعلا بعد أن ظهر القط الذي قال بأنه قد أكلها ، و تلاشت معها مخاوفه تدريجيا ، بات قادرا على القيام بشؤونه اليومية بسهولة دون الحاجة إلى والده الذي كان يراقب تطوره في ذهول .
إستمر على هذا الوضع عدّة أيام . ثقته بنفسه تزداد ، سرعة بندول القط تزداد ، حماس والده يزداد ، الكوب لا ينزلق من بين يديه ، الدّفتر لا يزال مدسوسا بين السّرير و الحائط ، حذاؤه مربوط بشكل مثالي ، و عند أول مشكلة صغيرة ، عليه فقط أن يرفع رأسه لتلتقي عيناه بعيني القط على السّقف ، حينها و بطريقة ما ، يقفز الحل من عينيه العاكستين ببؤبئهما المتطاول و يستقر في عقله . و بعد كل هذا ، ظنّ أنه قد شفي تماما .
و رغم أنه لايزال غير قادر على الكلام ؛ قرر والده إعادة إدماجه في المدرسة ، إختلاطه بأقرانه سيُفجِر الكلام من حلقِه حتما ، هذا ما ظنّه هو الآخر .
☆
في صباح ذلك اليوم ، تدبر أمره كالعادة دون اللّجوء إلى القط هاته المرّة . وقف أمام المرآة ليقيّم شكله ؛ قميص مزرر و مقلم ، سروال مرتب ، حذاء رُبطت خيوطه بمثالية ، و الأهم من هذا ؛ وجهٌ قد رسمت عليه ملامح حقيقية ، غير مخفية بالضباب .
رفع رأسه ليتحقق من شكله مجددا في مقلتيّ القط العاكستين ، لكن .. القط لم يكن موجودا . تفاجأ بادئ الأمر، فهو لم يفارقه منذ مدّة ، كما أنه لم يخبره شيئا عن تأخر أو إختفاء و هو الذي كان متحمسا لرجوعه إلى المدرسة بنفس حماسه أو يزيد . إقتحم الأب الغرفة فعاد إلى إنتباهه ، كان وجه الأب حازما لكن تظهر عليه السّعادة بطريقة ما ، قال بعد أن أومأ برأسه مُعربا عن إعجابه بلبسه : جيد ، الآن علينا الإسراع ، هناك عدة إلتزامات علي الإهتمام بها قبل دخولك المدرسي …
بدأ يعدد الأعمال المهمة و الأوراق التي يجب توقيعها و كذلك جدوله الدّراسي و كيف عليه أن يعتاد على الرّجوع إلى المنزل بمفرده و كذلك إستدراك ما فاته من الدّروس .. لم يدرك شيئا من كلامه كونه كان قلقا على القط ، أو قلقا على نفسه ، لماذا لم يظهر حتى الآن؟ ألم يكن متحمسا لهذا اليوم ؟ هل نسيه ؟ ربما تأخر في مكان ما ، زحمة سير يوم الأحد مثلا ؟ أو ربما هو على السّطح ، يراقب الأفق بإستمتاع كالعادة . و لكن رغم كل شي ؛ لن يتأكد من منظره دون أن يسمع رأي صديقه القط .
أنت تقرأ
القطّ على السّقف
Fantasy"و إلى أن تدرك هذا ، ستظل تلك النّافذة في انتظارك ، و سيظل ذلك المنظر هناك باحثا عن إنعكاس جماله في عينيك، و حينها فقط ستدرك أنّ العالم لم يكن بذلك السّوء ، و أنك أخيرا .. وجدت مكانك." مكتملة