الحلقة الثّالثة

781 14 0
                                    

إن جَار الزّمن عليَّ يومًا، وظنّت الثّعالبُ أنّها ليوثًا، لا يُنسَ أصلُ الثّعلب بأنّه ثعلب ولا الأسدُ بأنّه أسدُ.
 


ابتسمتُ ناظرًا إليهِ باستفزازٍ، جالسًا متكئًا على الكُرسي واضعًا قدمًا على الأخرى، حتّى تعجّب وبعثتُ في نفسهِ الرّعبَ، من ثُمّ أخرجتُ علبة سجائري من جيبِ معطفي.. وأشعلتُ واحدة وهوُ يُشاهدُ.
 
حتّى وقفَ على قدميهِ صارخًا كادَ أن يفقدُ صوابه من عدمِ احترامي له:
_ ويحك ماذا تظنُّ أنكَ فاعلُ؟!..
 
لَم أكترث لصُراخهِ، بل بقيتُ هادئًا أنظرُ لهُ حتّى يفهم ليست المنَاصب من تصنعُ الرّجال؛ بل الرّجال من يصنعُونَ المناصبُ..
 
بيدي التِي تمسكُ السّيجارةٌ أشرتُ إلى كرسيهِ قائلًا بصوتِ مُنخفض:
_ كُن هادئًا، وأجلس مكانك.
 
أشتدَّ غضبهُ واستطردَ صُراخه بصوتهِ المُستفز:
_ ألَا تعرفُ من أنَا يا هذا!؟...
 
عوجتُ ثغريَّ مبتسمًا وكأنّني أريدُ أن أرسل له رسالةٍ مفادُها؛ كُن متواضعًا تُحترم حبًّا، كُن متكبرًا تُحترم خوفًا.. ولكِن إن كانَ هُنالك من لا يخف سَتجنُّ حتمًا، فقلتُ له:
_ عرفتُ ولم أُبالي..
 
من ثُمّ، أشرتُ إلى مكتبتهِ حيثُ تُوجد المَلفّاتِ والكُتب قائلًا:
_ ولكن ما جئتُ للتعارف.. أحضر لي ملفٍ عنوانهُ المُحقّق "لَيث عمران".
 
تغيّرت ملامح "مُصطفى" وتحوّل وجههُ العَابس إلى وجهٍ مِتفاجئ وكأنّهُ عرفني، فأومَ متفاجئًا:
_ ها!، هل أنتَ المُحقّق ليث حقًا؟!.
_ قلتُ لكَ لم أ أتي لكي أتعرّف عليكَ ولا أريدُ ذلك، فأتني بالمَلفِّ لأرحل.
 
تحوّل "مُصطفَى" من ذئبٍ أرَادَ افتراسي لكلبٍ يريدُ رِضائي.. آضَ خائفًا مرتبكًا.. ولكن ما أثار تساؤلاتي من أينَ يعرفني وأنَا منذُ أعوام خارجُ الوظيفَة؟!.
 
فقَال بتمتمةٍ:
_حـ حسنًا امهلنِي ثوانٍ لأحضُر لكَ المَلف وورقةُ العدُول عن الإستقالة..
 
اتّجه "مُصطفى" إلى تلكَ المكتبة الغريبة لكَي يَحضر المَلف، وأنَا بقيتُ أدخنُ سيجارتي مُتعجّبًا من تحوّل الذّئبُ إلى حملٍ فور سماعه بإسمي!.
 
استمرّ "مُصطفى" في البحث لدقائق.. من ثُم أخرج المَلف وعَاد بهِ إلى الطّاولة، وضعَ الملف فوقَ الطّاولة، من ثُمّ فتَح الدّرج الذي بجانبه وأخرج ورقَة بيضَاء.. من ثُمّ أخذ قلمَ حبرٍ كان مرمِيٌّ على هذهِ الطّاولة أزرقَ اللّون، وبَاشر يكتُب، ولا أدري ما الذِي يكتبه هذَا!..
 
فَور انتهاءه من الكتابة، رفعهَا ومدّها لي قائلًا:
_ تفضّل..
 
ما إن أخذتُ الورقة حتّى ارفقهَا بالقلم، وتَابع مبتسمّا:
_ خُذ، قُم بالتّوقيع على قرارِ عودتك إلى قسمِ التّحقيق أيّها الغُراب.
 
تمعنّتُ في الورَقة وقرأتها جيدًا ولم أجد فيهَا شيءٍ خاطئ لذَا وقّعتُ لأصبحَ المُحقّق ليث من جديد!.
 
بعدَ ذَلك قلتُ لمصطفى:
_ أ نفسِ المَكان!.
فهزَّ براسهِ قائِلًا:
_ نَعم ونفسِ المَكتب أيضًا..
 
نهضّتُ من ثُمّ أخذتُ ملفِّي من فوقِ الطّاولة وتركتُّ لهُ الورقة، ما إن استدَرتُ ماشيًا صوبَ البَاب حتّى سمعته يقُول من خلفي:
_ ألَا تُريد أن تعرف شيءٍ أخر؟..
 
استمريّتُ في المشي دُون أن أجيب ودُون أن ألتفت حتّى.. فهذَا ما يستحقّه.
 
غادرتُ ذَلك المكَان المُوحش كالغَابة، حيثّ يُوجد الظّالمُ والمَظلوم سويًّا.. فمَا كَان يشغلُ تفكيري، كيف ستكُون ردّةُ فعلِ زملائي القُدامى فورَ رؤيتي؟ ..
 
ركبتُ سيّارتي وكانت وِجهتِ التّالية "مركزُ المَدينَة".
 
الرّابع والعشرُون من يناير / السّاعة 11:23.
 
وصلتُ إلى المركز، ركنتُ سيّارتي بجانبِ سيّاراتِ الشّرطة .. نزلتُ وهذهِ المرّة لم أزل النّظارات الشّمسيّة.. فدخلتُ بهَا إلى المَركز.. ما إن تخطّيتُ البَاب حتّى شعرتُ بشعورٍ غريب، وكأنمَا نسمة هواءٍ باردً أنعشت قلبي.. أغمضّتُ عيناي فالحنينُ فاضَ من فؤادي، تذكّرتُ أيامًا لا تُنسى في هذَا المَكان..
 
دخلتُ والأنظـارُ صوبي، الجميعُ مستغربًا مجيئي، لم يكُن هُنالك شيءً يُسمع في الأرجاء عدَا:
_ أ هذا ليث؟..
_ من هذَا؟..
_ انّه الغراب!..
_ نعم هوَ..
 
الجميعُ يتهامسُ عليَّ حتّى أقبلَ الضّابطُ "أحمد" إليًّ قائلًا فرحًا مبتسمًا فاتحًا كلتَا يداهُ ليحضننِي:
_ ليث ! ..
 
من ثمّ دخل في حضني، كانت لحظاتٍ عاطفيّة ولكن من سِماتِ الصّلابة لذَا عزمتُ أن لا أبكِ أو بالأحرى سأحاول ذ‌لك، ولا أظنّ بأنّني سأفلح.
 
خرجَ "أحمد" من حضني قائلًا:
_ أتمنّى أن تكُون قد عُدّت إلينَا من جديد!
_ وما حاجتُكم بي؟!
_ نحنُ لا نحتَاجك بل النّاسُ تحتَاجك.
_ إذًا عدّتُ لهم.
 
ضحكَ "أحمد" فرحًا وحضنني بكلِّ قوّة حتّى ألَمني.. من ثُمّ أقبلَ كلُّ شخصٍ ممن يعرفني لتهنئتي رغمَ أنّي لم أعرف البَعضَ منهم لِمَا فعلَهُ بهم الدّهرِ.. وهُنالك الجُدد فلَا يُوجد أحدٍ منهم يعرفني.
 
كَانت لحظاتٍ مليئَة بالأحضَان، هُنالك من يُحبّني حقًّا وهُنالك من يُنافقني.. فرغتُ من ذَلك واتّجهتُ صوبَ القسم الذِي أعملُ فيهِ لاستلام أغراضي ومُباشرةِ عملي حيثُ سأفَاجئّ قرينَ العُمرِ المُغفّل "يزن".. وصلتُ إلى القسمِ بعد جهدٌ ومعاناةٍ في الطّريق، مجرّد أمتار شعرتُ بأنّها أميَال، فطوالِ الطّريق يستوقفنِي الزّملاء للتهنئة والاستفسار.. وقفتُ أمام البَاب الذِي خلفهُ سأجد "يزن"، طرقتُ البَاب فردَّ سريعًا:
_ تفضّل..
 
دخلتُ فوجدّته غارقًا في الكِتابة فلم ينتبه إلى الطّارق.. فقَال دُون النّظر إليّ:
_ ما مُشكلتك؟!
 
فأجبته:
_ صديقٍ تافه.
 
بعدَ ما سمع صوتي رفع رأسه بسرعة متفاجئًا يضحك:
_ هذَا أنتَ أيهَا الكئيب!..
 
وخرج من خلفِ الطّاولة ليحضنني، قائلًا:
_ تعَال لحضني أيها الوغد، فأنتَ مُحتاجًا لبعضِ الحنَان.
 
لطَالما وجدَ المُتعة في استفزازي بشتّى الطّرق والسّخريّة منّي..
 
بعد مَا أنهينَا احضاننَا تِلك قال:
_ هل عدّت أم جئت لتقٍتلني؟..
 
اقتربتُ من أذنه اليُسرى وبصوتٍ خافت يشبهُ الهمس قلتُ له:
_ لستَ طريف البتّة، فكُفّ عن ذَلك..
 
من ثمّ عدّلتُ وقفتي وأعطيتهُ الملف قائلًا:
_ خُذ وجهّز لي بطاقتي، سأذهب إلى المَخزن لأستلم أغراضي.. ودعكَ من تصرّفاتِ الصّبية تلك، ككتابتكَ للجنسِ أنثى وما شابه.. فلَا خاسِر إلّا أنت ستكتُب البِطاقة مرّتان..
 
تركته يضحك ماسكًا بالملَفّ وذهبتُ إلى المخزن.. حيثُ السّلاح والملابس وكلّ المُستلزمات.. صافحتُ الحارس الذِي هُناك ودخلتُ، لحُسنِ الحَظ انّني أعرفُ هذَا الحارس وإلّا لما تركني أدخل دون إذنٍ ولا بطاقة.
 
أخذتُ من المَخزن مسدّسًا أسودَ الًلون "بلجِيكي الصّنع".. وأخذتُ حزامَ كتفٍ لوضعِ السّلاح فيه وثلاثُون رصاصة من عيَار "9 ملم"..
 
من ثُمّ عدّتُ إلى المكتب.. وجدّتُ "يزن" بجانبِ ألة الطّباعة ينتظرُ بطاقتي أن تخرج منها.. في تلك الأثناء كان "يزن" فرحًا بعودتي أكثَر منّي.
 
كَان هُنالك سؤالًا يُثيرني لذَا اردّتُ ايقاف تلكَ الإثارة بسؤالي "يزن" قائلًا:
_ هل مكتبي هذَا ظلّ فارغًا طوال تِلك المُدّة؟..
 
فردّ ساخرًا:
_ أ انتَ مجنون؟!، بالطّبعِ لا، كان هُنالكَ شابًّا هُنا، واستغربتُ عندما جاءهُ أمر نقلٍ قبل ساعَة ونصف من الأن إلى مركز القَريَة، ولكن الأن جاءتني الإجابة..
 
كانَ "يزن" يتحرّك بشكلٍ غريب ومُريب بجَانب ألة الطّباعة.. لذَا قال مُتضايقًا لي:
_ اسمع أنا أريدُ الحمَام.. هنالك أوراق على مكتبي أنجزها بسرعة.. ورتّبها ليتمَا أعودُ لك.
 
من ثمّ ذهبَ راكضًا إلى الحمّام، وأنا خشيتُ أن لا أستطيع انجَازها فالوقتُ كفيلًا لأن يجعل المرءُ ينسى اسمه.
 
جلستُ على الطّاولة.. وألقيتُ نظرة على الأوراق وحمدًا لله أنّها لا تحتاجُ إلّا لتعبئة بعضِ البيانات أي كان العملُ يسيرًا..
 
وعندمَا كنتُ أكتُب تلك البيانات و أرتّبُ الأوراق شعرتُ بخطواتٍ تقتربُ منّي رويدًا رويدًا.. من ثمّ احسستُ بإنّ هُنالك شخصًا وقفَ أمامِ..
 
لوهلةٍ ظننتُ انّه "يزن" فقلتُ ساخرًا:
_ ادعُو الله أن لا تكُون قد قمت بفعلِها في الطّريق..
 
ولكن لم يصدُر صوتٍ، لذَا أدركتُ بِانّه ليسَ "يزن".. فلَا يحتمل ذَلك الوغد أن يظَلّ صامتًا دون أن يُجيب..
 
رفعتُ رأسيَّ لأعرف من هذَا الذِي يقف فوقِ؟..
 
فتلاشت تِلك الضّحكات ووقفتُ ببطء، ابتلعُ ريقي بعد ما رأيتُ ذلك الشّخص متفاجئًا خجلًا قائلًا بصوتٍ منخفض محدّقًا به:
_ غزل!..

✪✪✪
يُتبع...

قـــــــــــــــــــضـــــــــــــــــــــيــــــــــــــــــــتـــــــــــــــــــــي

۩۩۩

مُلاحظة:
اخترتُ لكم الأسلوب السهل والكلمات السهلة ليتسنى للجميع قراءاتها من أراد العُمق في الكتابة والأسلوب الأدبي والاستمتاع باللّغة فليقرأ رواية" أنا وانتِ "
تجدونها في حسابي.

تنويه:
الحلقَات القادمة +18

تقـيمكم للحلقة من ٥.٠ ☆☆☆☆☆

لا تنسَوا إضافة الرّواية لقائمة القراءة.

تابعوا حساب الكاتب SaFwAnALB

قضيتي |+18حيث تعيش القصص. اكتشف الآن