الحلقة الرّابعة

856 21 6
                                    

+18

كَانت تنظُر لي بدمعةٍ في عينيها تحكِي الكَثير، وبسمةٍ في ثغرِها أعادتني لماضٍ بعيد.  
واقفًا أمامها لا ادري ما ستؤول لهُ الأمُور، لم ننطق بحرفٍ من افواهنَا، ولكِنّ أعيننا نطقت، من ثُم قالت بصوتهَا الملائكي ذَاك بكاملِ الهدُوء:
_ حللتَ أهلًا يا ليث..
 
أخذتُ نفسًا عميقًا، كنتُ خجلًا كثيرًا منها فمَا فعلته بهَا ليسَ بهيّن!، من ثُم أجبتها وأنَا اتأكل:
_ شُكرًا غزل..
 
ابتَسمت صاحبَةُ القلبِ الكبير، والعيون الجَميلة، بحجَابهَا الذِي زاد من حُسنِ ملامحها..

ولكنَّ ثغرهَا هوُ الذِي ابتَسم ولا أظنُّ أن قلبهَا فعل ذَلك.. فأردفت "غزل":
_ مرّ الوقتُ بسرعَة أليسَ كذلك؟..
 
فقمتُ بالرّدِ عليهَا بتمتمة وَ في تعجّل:
_ أ أ أجل..
فقالت بخيبةٍ:
_ ولكن لم تكُن كذَلك بالنّسبة لي..
 
تعجّبتُ انّها لم تنسَ، وكيفَ ستنسى؟ إذ كنتُ أنا لم أنسَى!.. ولكن تفاجأتُ أنّها هيَّ من تطرّقت للمَوضوع وبهذهِ السّرعة، بل ومن أول لقاء بيننَا ! ..
 
تنهدّتُ بصوتٍ غريب:
_ ها!..
 
فسَقطت جالسَة على الكُرسي الذِي أمام الطّاولة.. وتلك البَسمة الزّائفة التِي كَانت تُزيّن وجهها تلاشت.. وكأنّها تذكّرت تلك الأوجاع التِي تسبّبتُ بها..
 
فجلستُ أنا أيضَا على الكُرسي، حتّى سمعتها تقول وهيَّ شاردَةٌ الذّهن:
_ كَانت أيامًا زاهيّة، نقاءُ القُلوب اصفى من سماءِ يوليو..
من ثُمّ ابتَسمت وتابعت:
_ هِم، أ تعرف ماهي أكثر مخاوفي أنذاك؟، هوَ أن افقدك!، أن تتخلّى عنّي؛ أن تبتعد عنِّي، أن تتركنِي وحيدة.. لقد تخيّلتُ كلّ الأسبَاب التِي قد تجعلكَ تفرُّ منّي وتنفر، ولكن لم أتخيّل أن يكُون فراقنَا لسببٍ تافه كذَاك!، ولَا ذنبَ لي فيه.. ربّما أنتَ تراهُ سببًا كافيًّا لكَي تهجرني، ولكن ليسَ كذلك عندي.
 
وأنا اسمع ذَاك العتاب بصمتٍ وكلّي ندم، من ثمّ نظرت لي قائلة:
_ أ تدري ما أكثر شيء ندمتُ عليه؟!..
 
من ثُمّ أخَذت "َغزل" نفسًا عميقًا واستطردت:
_ اليَوم الذِي قُلت فيهِ أنّك مريض!.. أ تذكرته؟، كنتُ بلهاء ولكنّ الحُب أعمى كمّا يقولُون..
 

أوَ يوجدُ داعٍ لتذكيرِي بذَاك اليَوم المشؤوم يَا "غزل" يومًا كنتُ فيهِ ذئبًا، وقدَ يكُون هوَ السّبب لكُلّ ما حدثَ لي فاللهُ عاقبنِي بسبب ذَلك اليَوم..
 

قبلَ تسع أعوام..

الخَامس والعشرون من فبرَاير 2015 / السّاعة 22:11.

كنتُ قد عدّتُ في ذَلك الوقتِ إلى المنزل بعدَ التّحقيق في جريمةِ قتلٍ شنيعة، كانَ يومًا مرهقًا.. وكنتُ عاشقًا ولهانًا.. أحادثُ "غزل" في كلِّ الأوقات ولا أستطيع أن أكمل يومِ دُون أن أصغِي لصوتها.. وفي ذَلك اليَوم كنتُ قد اشتهيتها جنسيًّا.. فلَا أحدٍ يراقبني غيرَ الله، فأنَا منذُ القدم أعيشُ لوحدي.. وكَان في ذلك اليَوم الشّيطان أخزاهُ الله حاضرًا لمُناصرتي..
 
أخذتُ هاتفِي واتكأتُ في سريري، واتّصلتُ بمهجةِ القلب، الفتاةُ البريئة المسكينَة؛ التِي كانت ضحيّةُ شهوتي..
 
تحايلتُ وغيّرتُ صوتِي، لصوتٍ خافتٍ تعب، وكأنّني مريض..
 
ما إن ردّت حتّى قلتُ مع سعالٍ خفيف:
_ غزل!!..
 
فردّت بنبرةٍ خائفة:
_ ليث!.. أ بِك شيء؟..
 
فتابعتُ:
_ أنا لا أستطيع النّهوض من الفراش، فجسدِي مُنهك، ورأسي يؤلمني..
 
أحسستُ بخوفهَا الصّادق عليَّ حينئذ بعد ما قالت:
_ ألا يوجد أحدٍ برفقتك؟..
 
فقلتُ بذاتِ الصّوت الكَاذب:
_ لا، أنا لوحدي..
 
فأجابت دُون تردّد بصوتٍ ملهوف، وحروفًا سريعة:
_ انتَظر يا حبيبي سآتي إليكَ .. لا تقلق.
 
أغلقتُ الهاتف وابتَسمتُ فكأنّني انتصرتُ ووصلتُ إلى المُبتغى.. وضعتُ الهاتف بجانبي على السّريري وقمتُ بحطِّ يداي خلف رأسي.. أنتَظرُ تلك اللّحظة ألتي ستكُون فيهَا "غزل" هنا في منزلي..
 
بعدَ 27 دقيقَة / السّاعة 22:50.
 
سمعتُ صوتَ الباب يُطرق، فنهضّتُ مسرعًا لكَي أجيب، وتابعتُ تحايلي وصرتُ أمشي ببطء وكأنني سأسقط أرضًا، فتحتُ لها الباب.. رأيتُ في يدِها بعض الأكياس، من أدوية وطعام..
 
فقالت متسرّعة وكأنّني سأفقدُ حياتي بعد قليل:
_ امضِي إلى غرفتك وأرتح وأنا سأضع الأغراض في المطبخ وألحقُ بك..
 
فعلتُ كما أمرتني وذهبتُ متمايلًا، أ يليقُ بي ذلك!، أنّني ممثلًا بارع.
 
دخلتُ إلى غرفتِي واستلقيتُ على سريري منتظرًا وتيني.. حتّى جاءت وليتها لم تجيء.. جلست بجانبي على السرير وقلتُ لها بصوتٍ منخفض مع رعشةٍ بسيطة:
_ أغلقي البَاب فأنّي اشعرُ بالبرد..
 
وقفت "غزل" وفعلتُ كما قلت لهَا، أغلقت البَاب وعادت وجلست بجَانبي.. وبعدَ ذَلك بخوفٍ عليَّ حطّت يدها النّاعمة على جبهتِي لتعرف حرَارتي، وأنا عندئذ بنظراتٍ ذابلة أمسكتُ بيدِها.

✪✪✪
يُتبع...
قــــــــــــــــــــــضـــــــــــــــــــــــــــــيــــــــــــــــــــــتــــــــي

۩۩۩
مُلاحظة:
اخترتُ لكم الأسلوب السهل والكلمات السهلة ليتسنى للجميع قراءاتها من أراد العُمق في الكتابة والأسلوب الأدبي والاستمتاع باللّغة فليقرأ رواية" أنا وانتِ "
تجدونها في حسابي.

۩۩۩

• ما رأيكم بهذهِ الحلقة؟
•تقـيمكم للحلقة من ٥.٠ ☆☆☆☆☆

لا تنسَوا إضافة الرّواية لقائمة القراءة.

• تابعوا حساب الكاتب SaFwAnALB

لقد وصلت إلى نهاية الفصول المنشورة.

⏰ آخر تحديث: Apr 05, 2023 ⏰

أضِف هذه القصة لمكتبتك كي يصلك إشعار عن فصولها الجديدة!

قضيتي |+18حيث تعيش القصص. اكتشف الآن