كنت أركض بين تلك الأزقة المظلمة ذات الجدران الباردة وسترة خفيفة تغطي كتفاي ،قدماي حافية وتارة ألقي نظرة خاطفة خلفي كان ذلك الشخص صاحب المعطف الأسود مخيف مغطى الرأس ملامحه لا تظهر و أسفل رقبته تلمع جوهرة زرقاء ، كان يقف كالجماد لكني أحسست أنه يقترب مني كلما ركضت أكثر ...يا إلهي سينال مني لا محالة ولم أنتبه حتى تعثرت و وقعت أرضا فوجدته يقف بضع خطوات من مقربتي ثم بدأ يدنو خطوة خطوة و كلما اقترب زاد الضوء الساطع من الجوهرة الزرقاء و كدت أن أصرخ حتى وجدتني أستيقظ أسبح في عرقي نظرت يمينا و يسارا لأدرك أنني في غرفتي وكان ضوء عمود الشارع يبعث نوره الحارق من نافذتي ، مسحت بكفي وجهي الذي غزته قطرات العرق و نهضت من مكاني أسحب الستارة لأحجب ذلك النور الذي أصبح مزعجا بعض الشيء ، رجعت لفراشي ولم أدر كيف غطت في النوم مجددا حتى أفقت على ضجيج صاخب ..ما هذا !؟ قلت بصوت مبحوح من النوم، رفعت رأسي قليلا و كان الصخب قادم من الأسفل جلست في مكاني أفرك عيناي اللتان تورماتا ثم تحسست بيدي تحت الوسادة أبحث عن هاتفي .. ها أنت هنا! أمسكته لأرى الساعة وجدت أنها الثانية زوالا ثم أدركت أنني أقطن لوحدي، بعدما تملكني القلق و الخوف أمسكت رأسي الذي شعرت بثقله و ألم قاسي يتخلله كالريح الباردة ، وقفت بجسمي المتثاقل و الذي يؤلمني كل جزء فيه كأني ركضت لأميال، بخطى بطيئة حتى باب الغرفة أدرت المقبض بهدوئ لأرى رجال يجمعون أغراض البيت و يأخذونها للخارج حدقت فيهم غير مصدقة ما الذي يحدث ثم هرعت مسرعة للأسفل .. عذرا ماذا يحدث هنا من أنتم ؟!! لم يجبني أحدا و كأنني غير موجودة ثم كررت سؤالي و حاولت أن أرفع وتيرة صوتي هذه المرة : سيدي عذرا انا أكلمكم ما الذي تفعلونه بممتلكات شخص آخر هذا يسمى اعتداء و ركضت خلفهم للخارج بعدما لا يزال هناك أي رد على أسئلتي فقابلتني جدتي بابتسامتها العريضة تقف أمام سيارة سوداء يطل منها ابن عمي ، فقلت : ماذا ؟! جدتي ما الذي تفعلينه هنا !؟ ما كل هذا ؟! ...اقتربت مني و قالت : يبدو أنك تطيلين النوم كثيرا حتى يفوتك كل شيء لهذا يجب أن تستيقظي باكرا حتى لايتم بيع المنزل و أنت فيه فقلت في دهشة : بيع المنزل ؟! هل تمزحين ؟! متى و كيف ذلك !!
فردت قائلة : هناك الكثير عليك معرفته لكن الأهم من ذلك ألم أخبرك أنه يجب عليك أن تنتقلي إلى بيتي الأسبوع الماضي أخبرتك أنه لا سكن لوحدكي بعد الآن مازلت صغيرة و عيون الناس كثيرة و الجرائم تبحث عن ضحاياها كما أن البيت كبير جدا
أتمزحين يا جدتي هذا بيت والديا الراحلان و هو ما تبقى لي منهما لا يمكنك بيعه
بلى يمكنني لقد تورط والدك في الكثير من الديون من أين تتوقعين أن أدفع
ديون كيف !!؟ ربما انت مخطئة والدي لم يكن من هذا النوع من الرجال
و ماذا عن هذه ! كانت تحمل ورقة موقع من قبل والدي عليها ديون كثيرة نظرت إليها في دهشة قبل ان أتقدم إليها و أتناول الورقة في لهفة ، كانت ما تقوله صحيح ديون تقتضي بيع المنزل أو أكثر
قلت أخيرا مخيبة الأمال : حسنا يبدو الأمر جديا ، لكن على الأقل اتركوا لي بعض الوقت لألم حاجياتي فلدي أشياء عزيزة في هذا المكان
ردت جدتي و الإبتسامة لا تزال مرسومة على وجهها كأن الأمر يسعدها و كيف لا و هي التي تحب ان تطبق اوامرها على حذافرها : حسنا يا جوليا . ثم نظرت إلى العمال و قالت بصوت حازم : يمكنكم التوقف الآن سنكمل غدا .
استجاب لها الكل و رحلو كأنها السيدة بل هي كذلك .
صعدنا سويا إلى غرفتي ثم نظرت لها في توسل و قلت : أليس هنالك حل آخر .. تعلمين أني أحب هذا البيت جدا لاسيما أن فراقهما لم يطيب بعد لم يمض على فراقهما شهر و انا لا أزال أرتاد ستار الحداد
ردت في جدية: اذا أشفقت عليك انا فأصحاب الديون لا يفعلون ، كما أنني بكرامتي لا أود أن اسمع بابي يطرق من قبل دائن ، سوف تعيشين معنا في بيت العائلة وسط أهلك لن ينقصك شيء
ثم ادركت أمر الجامعة و بالكاد نطقت حتى بادرتني قائلة كأنها علمت بما وددت قوله : أما الجامعة فهذه سنتك الأخيرة يمكنك المكوث في الإقامة أيام الإمتحانات فقط و ايام الدراسة سوف أطلب من رامي ابن عمك أن يوصلك ذهابا و إيابا... لاداعي للقلق
استسلمت أخيرا لرغبة الظروف و لم اتكلم بعد ذلك ، جمعت أشيائي بعد أن غيرت ملابسي و قد لامسني نسيم الذكريات في كل ركن من ذلك البيت ولم أنسى صورتهما لأضعها في الحقيبة و امتلأت عيناي بذلك الفيض المألوف فحاولت رموشي إمساكه بإحكام لكن في الأخير فشلت المهمة فنزل يشق طريقه للأسفل أخفيته بسرعة و حملت حقيبتين ثم نزلت للأسفل حيث جلست جدتي في انتظاري و قلت : ها قد انتهيت يمكننا الذهاب .
خرجنا و نظراتي معلقة خلفي في تلك الجدران تحكي كثيرا وكان ضجيجها يملأ مسمعي آخ على ما اورثتني الحياة
صعدت في السيارة من الخلف بعد ان وضعت حقائبي ، فقابلتني نظرات ابن عمي في المرآة ثم كلماته على التوالي : مرحبا يا جوليا كيف حالك ؟ لقد مر زمن طويل منذ ان التقينا لقد كبرتي كثيرا و ختم كلامه بابتسامة غريبة لعبت بخيوط الشك لدي
قابلته بايماءة رأس بسيطة و شفاه تحاول التمدد لترسم سعادة مصطنعة رغما عنها و قلت : بخير بخير شكرا على سؤالك . واكتفيت بهذا القدر من الكلمات لم اكن قادرة على خوض محادثة كاملة مع شخص نصف غريب لم أتعود الحديث معه إلا مرات قلة عندما كنا اطفالا ، ثم أشحت بنظري في النافذة أودع أطلالي و شردت بقية الطريق حتى وصلنا إلى بيت الجدة او كما يعرف ببيت العائلة
ترجلنا و كان كما توقعت أفراد العائلة في انتظارنا تلك النظرات لم أحبذها أبدا تلك الحياة الاجتماعية لم أشاركها من قبل سوى معهما قطعت حبل شرودي عمتي قائلة
أهلا بك يا فتاة كيف حالك ؟ لقد فقدتي الكثير من الوزن يجب أن تنتبهي إلى صحتك أكثر رمقتها بنظرة شاحبة و السخرية تكاد تغادر فاهي..كيف لا و انا التي ظللت في المستشفى لأسبوعين بعد سماعي بالخبر ..حسنا ربما لا تأبهون بما يحدث لي لهذا صدقتم كذبتي.. لم أجبها بل أجبت نفسي التي أعاتبها كلما أتيحت لي الفرصة اكتفيت بإماءة رأس و دخلت سلمت على من كانوا في الداخل ثم أروني الغرفة التي سأمكث فيها او ما تسمى غرفتي يا للغرابة كانت شبيهتي بعيدة عن كل تلك الضوضاء تطل على حديقة صغيرة تملأها الأعشاب بعشوائية ربما نسيت هي ايضا فتركت لتذكيرني بمدى وحدتي وسط هذا الكم من الأشخاص جلست على ذاك السرير كان يبدو كل شيء نظيف و هادئ كهدوء قلبي ضممت ركبتاي إلى حضني البارد و حاوطتهما بذراعاي الهزيلتان كما تعودت منذ صغري كلما أحسست بالوحدة تنخر داخلي حتى سمعت طرقات على الباب قلت : تفضل!
فتح الباب و اطلت منه عمتي مع ابن عمي يحملان حقائبي و تحدثت بعد أن وضعتهما بالقرب من الخزانة: لقد نسيتي هذه .. من الجيد أن أمي أحضرتكي و إلا كنت قد نسيتها في مكان ما و ضحكت بسخرية تدعي المزاح
كادت تغادر حتى التفت مرة أخرى قائلة : اه لا تنسي أن تحضري لتناول العشاء على التاسعة تعرفين جدك لا يحب التأخير كما هو صارم جدا بخصوص اجتماع العائلة حول المائدة وغادرت بعد ان تلقت مني الإيجابة المعتادة
تمددت أحاول تذكر الأحداث التي جرت حولي أحاول الإستعاب لماذا حدث كل شيء بسرعة.. نهضت و أخرجت صورة والديا من الحقيبة و عاودت التمدد على السرير و أمعنت النظر في تلك التفاصيل الجميلة و أبعدت الصورة قليلا للأعل و اذا بي أرى شيئا أزرقا يلمع في يدي أمي بعد ان تخلل الصورة بعض الضوء الفالت من النافذة في الأعلى و كأن ذلك البصيص عرف مكانه في تلك الصورة ليعكس لي ما في يدي والدتي استغربت قليلا ثم أبعدت الصورة عن الضوء فاختفى اللمعان الأزرق ...كي..كيف ذلك؟!! و أعدتها مرة أخرى فظهرت مجددا ثم جلست في مكاني بعدما عاد بي شريط ذكرياتي إلى الحلم بالأمس ...تلك الجوهرة الزرقاء ! قلت ذلك بعدما اتسعت عيناي على آخرهما ...يتبع
أنت تقرأ
الغاثان
Fantasyربما لم تكن تلك الحياة التي ستنصفنا ربما كان الألم صديق للمتعة و نحن من عاتبناه بتذمرنا ألم يكن علينا التحمل قليلا..قليلا بعد لنرى النور .. لكننا اخترنا النجاة بسرعة خوفا ان نفقد أرواحنا اليافعة فقدمناها قربانا للزمن دون أن ندري لتنجو أرواحا أخرى