اشتد بيا النظر للمرآة حتى لمعت نظرة مخيفة في عيناي كانت تشبه إلى حد ما نظرة هؤلاء من الرؤيا الملك و تلك الفتاة ، غضب و شجاعة ممزوجان بالحزن و خيبة الامل، أشعلت فيا لهيب الخوف تراجعت للخلف لكن قوة ما تدفعني للأمام و صوت داخلي يحدثني : لا تخاف أنت الروح الأمل ...كل ملامح الخوف التي تجلت فجاة تغيرت لثقة، أخرجت منديلا من جيبي جففت و جهي و غادرت ، وجدت صاحب المكتبة ينتظرني و تطغى على وجهه سمات القلق ، تقدم نحوي بخطوات متسارعة و قبل أن يسأل أجبته بهدوء : أنا بخير لا داعي للقلق ، انخفظ ضغطي فقط ...شكرا على اهتمامك .
هز رأسه لكنه بدا أن أسئلة كثيرة تتزاحم بداخله يريد لها اجوبة لكنه تراجع بعدما رأى مني الإصرار و اكتفى قائلا : إليك هذا كوب ماء بالعسل سيساعدك قليلا ...سأجلس في مكتبي اذا شعرتي أنك لست بخير نادي علي ..و بالمناسبة اسمي شهاب
ابتسمت ممتنة وهززت له رأسي إيجابا ، غادرني عائدا إلى مكانه ، كان يبدو في غاية القلق ، ربما يملك من الإنسانية ما يكفي ليقلق على شخص غريب مثلي فقد مضى وقت طويل منذ ان شعرت بصدق اهتمام احدهم ، جلست و لازالت نظراته المثقلة بالاهتمام تخطو إلي، فأشرت له بكوب الماء مطمئنة إياه بشربه ، بللت حلقي بذلك السائل الحلو و وضعته أمامي ، و شغلت ناظري فيما تناثر أمامي من تلك الكتب ..الجزء الأخير !
حملته بين كفي كان أكبرها حجما تحسست غلافه الجلدي السميك و فتحته مقلبة صفحاته الصفراء تنبعث منها رائحة الماضي البعيد ...رائحة تدق نواقيس الشغف و تفتح باب الاطلاع على ما فات و انطوى ، فقضيت جل وقتي أبحث عن الفقرة التي تكمل حلقات الحقيقة ، و قاربت على طي الاوراق كلها حين وجدتها تحتل صفحة بكاملها ، كانت اطولهم وان تفرقت على شكل فقرات كأنها تخبرني بأنها النهاية من القصة شرعت أقرأ دون مقدمات كانت تقول :
" تفشت تلك الجرائم الشنيعة كالمرض في أجساد الناس و كان ضحيتها الجانب الضعيف منهم ، منذ اغتيال الملك و لعنة العنف تجلت في النفوس و زادتها شرا ، فأصبح كبت كل مجرم مجسدا على أرض الواقع حتى فقد الأمان و طال الزمن و دار لينصف هؤلاء و فرض قوانينه على الأرواح المغدورة و سلم لها زمام الأمور بأن تتولى العدل و أن تمنع كل فعل يفتك بحياة البشر و ينكل بأجسامهم، فكلفت مجموعة من الأرواح أن تخلد في أجساد مختلفة على أن لا تتذكر ماضيها لكي لا يتحول العدل إلى انتقام إلا أرواح ثلاث تمردت و وعدت أصحابها على أن تنتقم من جلاديها في حياة أخرى ، كل روح من هذه الأرواح تدعى الأرواح الباردة تشبه الأحجار الباردة فريدة من نوعها ذات معدن نقي تختلف عن غيرها من الأحجار هكذا هي الأرواح تميزها علامة تلمع كالياقوت الأزرق تلك هي قوتها تظهر لكل روح في سن معين ليعرفوا حقيقتهم و ما جاؤوا لأجله .."
ثم كتب بالخط العريض :
" الغاثان عالم الأرواح العالقة التي لا تغادر الحياة حتى تنتهي بانتهاء آخر روح باردة ، آخر أمل يؤدي مهامه ،حين يولد تتوقف الأرواح عن الخلود و تحبس في عالمها إلا ما بقي منها في جسد حي "
و في فقرة تالية جاء :
" الغاثانيون هم وحدهم من يتحكمون في القدر و في وقائعة ، هم وحدهم من تأتيهم الرؤيا ليغيروا حياة البشر ، و سيحدثوا فارقا يشهده التاريخ سيعود الأمان من جديد هذا وعد الغاثان و حقه على من ظلم ، على من مات و البسالة فأسه فاختار أن يسقي بدمائه الأرض من تحته بدل الفرار خلف قضبان الظالمون ، ليعيش حرا اليوم قبل غد "
و بعدها كتب في سطر آخير:
" الغاثان قواعد تكتب و قواعد تحفظ "
و هرعت أقلب الصفحة لعلي أجد ما يكمل هذه الفقرات لكني تفاجأت بالعلامة نفسها التي باتت في معصمي رسمت بحجم كبير و كتب أسفلها :
" ختم على معصم كل غاثاني ليتذكر معدنه و مهامه "
أنت تقرأ
الغاثان
Viễn tưởngربما لم تكن تلك الحياة التي ستنصفنا ربما كان الألم صديق للمتعة و نحن من عاتبناه بتذمرنا ألم يكن علينا التحمل قليلا..قليلا بعد لنرى النور .. لكننا اخترنا النجاة بسرعة خوفا ان نفقد أرواحنا اليافعة فقدمناها قربانا للزمن دون أن ندري لتنجو أرواحا أخرى