الجزء الثالث

237 25 18
                                    

سمع عميرٌ حوقلتي للمرة المئة في السيارةِ التي جُهِّزت لنقلنا إلى المقر. يبدو أنَّ القائدَ كان ضامنًا الظفر بمجيئي مغصوبا.

جالسًا إلى جواري قال لي يقلِّدُ معاكستي لذراعيَّ أمام صدري: "ألا تريدُ التشكيل في الذكر؟ قل مثلًا (اللهم أجرني في مصيبتي، واخلف لي خيرًا منها)!"

"تقول ذلك والابتسامةُ تشقُّ وجهك؟"

محافظًا عليها قال ولازال في ثياب المشفى: "بالتأكيد فالإبتسامةُ في وجه أخيك صدقة! كما أنَّ مصيبتكَ ليست بالضرورةِ مصيبةً لي أيضًا، بل قد تكون نعمةً لي!"

أعبث بشعره قلت لصاحب الستة عشرة سنة: "ماذا أفهم من ذلك؟ أتقولُ أنَّ مصيبتي نعمةٌ لك؟ آخٍ منك أيها الشقيُّ التقي!"

ولكم هوَّنت قهقهاته مما سيلي.

ما بيدي حيلة...يبدو بأنَّ عليَّ مواجهةَ الحقيقة بعد ستة أشهرٍ من الهروب...

أدعو الله أنِّي استعددتُ جيدًا لذلك...على الأقل قليلًا.

كان لابدَّ من تركِ رسالةٍ مفصلةٍ لأمي أخبرها فيها بآخر مجريات القصة التي تطورت أكثر وأكثر.

استقبلتنا البوابةُ السوداء غير مرحبةٍ كالعادة. كما لو أنها تستمر بتذكيري بأنِّي لا يمكنني الدخول بعد. ليس هذا مكاني...

فُتحت منصاعة لدا تأكيد هويةِ القائد الذي قاد السيارة بنفسه. لم يتدخل في حوارنا كما لو كنتُ وعمير في مكانٍ معزولٍ عنه.

لا أدري مقصده من ذلك، لم أستطع استنباط نيته. أهو يستتر علي بعدم فضحي أمام عُمير؟ أم أنه يستتر عن حقيقة أمر عميرٍ عني؟

أم أنَّهُ ليس في مزاجٍ مناسبٍ لحديثنا وحسب؟؟

وصلنا إلى حيث ركن القائدُ السيارة. فتحها لنا ونزل آمرا: "اتبعاني"

فعلنا على مضض. أثناء سيرنا إلى المصعد وصلتني رسالةٌ على هاتفي. رفعته من جيبي المتين الذي لم يسقطه مرةً من قبل. كانت رسالةً من أمي.

(صبَّركَ الله يا بني)
(استهدي بالله الرحيم)
(استعذ بالله من الشيطان الرجيم)
(لا تغضب)
(كن بارًّا بوالديك)
(استخر)
(توكَّل على الله)
(حوقِل)
(استغفر)
(تُب)
(أستودعكَ الله الذي لا تضيع ودائعه يا عمْري)

تصحيح، كانت رسائل عدة من أمي.

استمرَّت الرسائل بالقفز إلى الشاشة حتى ظننتُ أنها لن تنتهي.

إِلَى حَيثُ ألتَقِيكحيث تعيش القصص. اكتشف الآن