بعد تناول الفتى ليث فطوره المتواضع حمل حزمة بضائعه القشية بيمناه متمسكا بعكازه الخشبي بيده الأخرى، ثم شق طريقه وسط سلسلة من الأشجار والأزقة .. متجها نحو السوق الأسبوعي بكل حماس.
على الرغم من قلة بصره، تجول الصبي الكفيف في متاهات الأشجار، والأزقة المزدحمة بسهولة ، وعصاه تنقر بإيقاع ثابت على الأحجار المرصوفة بالحصى، يتحرك بكل ثقة ، وهو على دراية بكل منعطف وركن.
وصل أخيرا للسوق الصاخب ، وسط اختلاط النكهات وامتزاج الروائح وضجيج الأصوات المتصاعدة بشدة ، تأكد ليث حينها أنه وصل إلى مكانه المعتاد ، وهو كشك صغير يقع في زاوية مجاورة لمحل حدادة، وهناك، بدقة قام بترتيب قبعات وأكياس القش أمامه بشكل أنيق، وجلس منتظرا زبائنه الجدد،
كان الجو حارا ذلك اليوم وقد شعر الفتى بحرارة الشمس الحارقة على جلده المكشوف. استمر ليث في الجلوس هناك، مرت ساعة بعد ساعة، لكن لم يتوقف أحد حتى لإلقاء نظرة على بضائعه القشية. شعر الصبي بالغرابة وعدم الارتياح ، هذا لم يحدث من قبل ، يوم الخميس، يوم السوق، اليوم الأكثر ازدحاما، ولطالما كان قادرًا على بيع قبعاته وأكياسه الصغيرة، لكن هذه المرة ، يبدو أن لا أحد مهتم.
مع مرور اليوم ،ولم يظهر أي مشترين محتملين، بدأت معنويات الصبي الأعمى في الغرق وقد استهلكه اليأس والقلق، وكان أول ما خطر في باله المالك العجوز القاسي الذي لا يزال يدين له بإيجار شهرين مقابل ذلك الكوخ الضئيل، و الذي يعتقد الفتى الأعمى أنه "منزل" حسب وصف العجوز المخادع له، لكن الأن هذا لم يكن همه الوحيد ، لأن معدته بدأت تقرقر من الجوع ، لم تتذوق لقمة منذ الصباح.
وبينما كان على وشك أن يفقد الأمل، سمع صوتًا أمامه. كانت نبرة مرحة : - "لقد كنت أبحث عن شيء كهذا لأسابيع!" سأل الغريب : « كم سعر هذا يا فتى؟» ، رفع ليث رأسه ، وقلبه ينبض بسرعة محدقا أمامه بعيونه البيضاوية الفارغة، لاحظ الشاب المرح عمى الصبي ثم أضاف: «أعني قبعة القش هذه ، كم ثمنها؟»
أجاب ليث: - «عشر قطع قمرية» ، على أمل الحصول على سعر عادل لبضاعته.
- «ماذا عشر قطع؟» صاح الشاب ، مرتابا. «هل هي مصنوعة من الذهب أو شيء من هذا القبيل؟ إنها مجرد قبعة من القش ، يا فتى. سأعطيك خمس قطع قمر»
رد ليث بقوله : - « حسنا يمكنك أخدها بسبع قطع »
قال الشاب بحزم «خمسة قطع ، لن أضيف لك أي شيء، في الحقيقة ، الشتاء اقترب ، وهذه القبعة لم تعد تستحق العناء. لكنني أردت مساعدتك في التخلص منها ».
تردد ليث في ما سيقول، خمس قطع ؟ هذا ليس ما يستحقه،
لكن لا خيار أمامه، كانت معدته الفارغة تؤلمه من الجوع ، وهو ألم مزعج يشتد مع كل لحظة تمر. اليوم قد اقترب من نهايته، وعلى ما يبدو هذا هو زبونه الوحيد، عليه أن يقوم بالبيع.
تم البيع. ابتسم الشاب المرح بمكر وسلم له العملات الخمس ثم اختفى بخطوات سريعة. وبعدها لم يأتي أي مشتري أخر، عرف الصبي الكفيف أنه لم يكسب ما يكفي ليبقى معه أسبوعًا او حتى يومين. الخمس قطع التي حصل عليها من عملية البيع الواحدة تلك، ستشتري عشاءًا هزيلًا من الأرز والخبز في أحسن الأحوال ، لكنه كان أفضل من لا شيء. حاول أن يرى الجانب الإيجابي من هذ اليوم السيئ.
مستعدا للمغادرة بدأ الفتى ليث في عد مجموعته الصغيرة متفحصا القبعات والحقائب القشية..، وفي تلك الأتناء سمع صوت خطوات الاقتراب. ثلاثة أولاد ، اثنان منهم في نفس عمره والثالث أكبر بقليل ، كانوا يقتربون نحوه....
أنت تقرأ
كفاح في عالم من المبصرين
Adventureتتحدث القصة عن حياة فتى أعمى يعيش في عالم يهيمن عليه المبصرين، حيث يواجه الكثير من التحديات والصعوبات بسبب إعاقته البصرية. وشعوره المستمر بالاختلاف والعزلة...