بدأ ليث بجمع بضاعته الغير المباعة، وقام بفحص كل عنصر، ثم حول انتباهه إلى أكشاك السوق الصاخبة ، وحواسه تفحص كل السلع المعروضة ، عليه شراء شيئ لعشائه، قبل أن يفرغ السوق بمن فيه،
كان مرتبكًا بشأن كيفية إنفاق العملات البسيطة التي حصل عليها من مبيعته الوحيدة ، والتي لا يكاد يشتري بها ما يشبعه ، لكنه على الأقل سيحصل على ما يقمع آلام جوعه لفترة، في النهاية قادته أذناه إلى كشك بائع الحبوب القطنية ، وقد عرف مكانه بدقة برائحة الحبوب الكثيفة ، وسمعه لقعقعة صناديق التعبئة.
اقترب نحو البائع والذي بدا مشغولا بشحن بضائعه استعداداً لرحيله، كان بائع الحبوب رجلا قصير القامة ذو وجه نحيف متجعد، وله صوت غليض خلافًا لشكله، عندما رأى التاجر ليث ، أوقف تحركاته ونظر إليه بنظرة متعالية ، ثم صاح متسائلً : - «أنا هنا! ماذا تريد يا فتى»
أجاب ليث بلطف: «أريد ربع أرز من فضلك » ، حدق بائع الأرز في ليث للحظة وهو ينظر لملابسه المتسخة و الممزقة، ثم قال بنبرة مريبة : «هل لديك نقود يا فتى؟ » ، يبدو أن البائع لم يقتنع بنوايا الصبي الأعمى، افترض أن ليث قد جاء للتسول.
كان الرجل النحيف معروفًا ببخله وسريع الحكم، لكن ليث لم يولِ اهتمامًا كبيرًا لاتهامات الرجل لأن أفكاره استهلكها ألم الجوع، رد بكل ثقة ولطف : « حقًا ؟ بالطبع لدي نقود يا سيدي ، لحظة...» ، مد الفتى يده لجيبه بثقة، وأصابعه الصغيرة تبحث عن العملات المعدنية..،
للحظة شعر بذعر مفاجئ، كانت القطع النقدية مفقودة. ارتفعت دقات قلبه، وتسارعت الأفكار في عقله : - « مستحيل!، مستحيل!، أين اختفت!؟...» ، عليه أن يهدأ، أخذ نفسا عميقا ، وثبت نفسه، فتش في جيبه الآخر، و تفقد كل بضائعه لكن دون جدوى، كان البائع يراقب تصرفات الفتى عن كثب وقد تزايدت شكوكه اكثر من السابق.
حاول ليث التفكير أين قد تكون اختفت ؟ ..، بعد بضع لحظات من التفكير، وللحظة تذكر الأشقياء الثلاث المزعجين، من المحتمل أن تكون القطع قد سرقت من قٍبل أحدهم أثناء شجاره معهم.
اتجه مسرعا لمكانه المعتاد، بحث في كل مكان، مرر يديه على كل شبر من المساحة المحيطة بكشكه، لم يجد شيئا، يبدو أن ما توقعه صحيح، قطعه النقدية سرقت من قبل أولائك الأوغاد الثلاث، ماذا يجب عليه فعله الآن؟! شعر بالعجز، كان الفتى غاضب بشدة لكن الغضب أو الحزن لن ينفعه الآن.
بدأت أشعة الشمس تتلاشى وقد تلاشى معها أمله الضئيل، و أفرغ السوق بمن فيه، لم يكن يعرف الفتى ليث إلى أين يتجه الأن، في النهاية قرر الفتى العودة لمنزله ، عليه أن يعود قبل أن يحل الظلام، على الرغم من أنه يعيش في عالم من الظلام طوال الوقت إلا أنه كان يعلم أن بعد غروب الشمس حينما يتساوى ظلامه الأبدي مع ظلام المبصرين يصبح العالم في الخارج أكثر وحشية و قسوة.
وهكذا بقلب مليئ بالحزن وبمعدة فارغة، حمل ليث أغراضه وشق طريقه عائداً لمسكنه ، وبينما كان يمشي مبتعداً عن السوق، لم يستطع الصبي الكفيف إلا أن يشعر باليأس ينمو بداخله مع كل خطوة مثقلة خطاها...
أنت تقرأ
كفاح في عالم من المبصرين
Aventuraتتحدث القصة عن حياة فتى أعمى يعيش في عالم يهيمن عليه المبصرين، حيث يواجه الكثير من التحديات والصعوبات بسبب إعاقته البصرية. وشعوره المستمر بالاختلاف والعزلة...