الجزء العشرون

15K 315 9
                                    

مرت أيام وفجر لم يأتِ لمنزله. يبيت بشقته
ويذهب لعمله صباحاً ويقضي فترة المساء
بالكافيهات والحانات حتى منتصف الليل.
وهكذا.
وكان غضبه ناحية ورود يتزايد كل يوم من
فرط ما يشعر به من مشاعر متضاربة حولها.
فهو يشعر أنه يريدها لكن بالوقت ذاته غير قادر
على تقبل فكرة الزواج الدائمي. ويشعر إنها تحرمه
لذة الشعور بالانتصار لمعاشرتها بزواج مؤقت
فقط.وكانت هناك من تحوم حوله في الحانة التي
إعتاد أرتيادها.كانت إحدى بنات الليل .
فشلت الكثير من محاولاتها للأقتراب منه وإيقاعه بشباكها، لكنها اخيرا نجحت
بإستمالته بالحديث معها.
كان جالسا لحاله وهو يحتسي شرابه ، فدنت منه
بغنج وقالت وهي تميل ناحيته بإغراء:
ــ كل هذه الأناقة و الوسامة وتجلس من غير رفقة؟!
نظر إليها بإشمئزاز وقال :
ــ وهل هناك من تستحق الرفقة؟!
ضحكت وقد سمحت لنفسها بالجلوس لجانبه
وقالت :
ــ يوجد طبعا...عليك فقط بمنح الفرصة.
ــ أمنحكِ انتِ مثلا؟!
ــ ولم لا ؟ ألا أستحق فرصة بنظرك؟!
ــ إذا كنت تقصدين المظهر الخارجي فأعترف
إنكِ تستحقين كل الفرص..لكن أنا لا أهتم
بالمظاهر !
ــ أنتَ من الذين يبحثون عن الكمال قبل الجمال !
ياعزيزي هنا لن تجد الكمال ابداً..هنا الجمال والمتعة
ونسيان كل ما يؤلم قلبك !
ــ كلامكِ يدل على إنك تهتمين للقلوب المتألمة
وليس المال فحسب !
ــ أهتم للمال لأنه سبيل العيش..وأهتم للقوب
المتألمة لأني كنتُ يوماً املك قلباً متالماً !
ــ والآن؟ هل تحسنت حالة قلبك؟
ــ تحسنت كثيرا..فشعوري بالرضا وانا أعالج
المتالمين بطريقتي..أمر يدعو للسعادة !
ــ تعتبرين نفسك طبيبة نفسية إذا؟!
ــ يمكنك قول ذلك.
ــ ليس كل الامراض يعالجها الطبيب !
ــ يااه..انت يائس !
أخرج تنهيدة وراح يرتشف شرابه حتى فرغ
الكأس. فقالت هي:
ــ هل السبب إمرأة؟
ــ وهل غير النساء يجلبن الأذية؟!
ــ هذا نفسه رأي النساء بالرجال على فكرة !
ـ أبتسم لها وقال :
ــ إذا هناك تعادل !
أخرج سيجارة ليدخنها وقدم لها واحدة فقبلتها.
بحث عن القداحة بجيوبه فلم يجدها.
اخرجت هي قداحة ذهبية من جعبتها واوقدت
لنفسها أولا. ثم مالت إليه بغنج لتوقد سيجارته
وهي تقول :
ــ أترى..أنا طبيبة أستحق الثناء..أليس كذلك؟
أخذ نفسا من السيجارة واطلقه وقال :
ــ تجدين إنقاذ المواقف !
ــ إذا...أتريد علاجاً ؟
ــ لا..بإمكاني معالجة نفسي بنفسي !
ــ لو كنتَ كذلك...لما جلست هنا وحيدا تحتسي
الشراب وتنفث دخان السجائر !
ــ لا افعل ذلكَ دوما !
ــ فقط عندما تشعر بالضعف !
ــ أنا لا أضعف يا عزيزتي !
ضحكت وقالت :
_ وماذا تسمي غرقكَ بهكذا مكان وحيدا ؟!
_ من قال إني اغرق..انا لا أثمل حتى ! اتعرفين
لماذا؟
ــ امممم...لانكَ أدمنت حتى ماعاد يؤثر بك!
ــ أخطات يادكتورة..بل لأني لا اشرب إلا القليل..
والقليل جدا ! ولا ادخن إلا القليل جدا...اتعرفين
معنى هذا؟
ــ أخبرني .
ــ معناه إني قوي..ولا اضعف...فالشراب والتدخين
والنساء..كلها أشياء تسبب الادمان ما ان تجربها..
لكني جربتها جميعاً ولم ادمنها !
ــ واوو...أثرت إعجابي !
_ لذا إنصحكِ بلملمة كلماتكِ ومحاولاتكِ لإغوائي
والبحث بعيداً عن رجل آخر .
ــ وهل سأقدر على النظر لغيرك الليلة..لقد اثرت
إعجابي بكل تفاصيلك ياسيد فيلسوف ! وهذا
يجعلني ارغب بالتحدي.
_ أي تحدي تقصدين ؟
_ اتحدى قوتكَ إمام قوتي!
ضحك وقال :
ــ أنتِ واثقة من نفسكِ جدا !
ــ ليست مسالة ثقة بنفسي..انا احب التحديات..
هل تجرب؟
نظر إليها جانبياً  ثم قال :
ــ نحن بخضم التجربة !
ــ كلا يافيلسوف.. فأنت بحاجة لسلسلة أقوى
لجركِ لشباكي.
ــ إذا فقد جربت بضع سلاسل ولم تفي بالغرض!
ــ هناك سلسلةاقوى سنجربها عليك .
ــ قبلت التحدي.
ــ ألديك مكان فارغ؟
ــ لدي !
ــ جيد..لنذهب ونجرب مدى قوتكَ للمقاومة !
إبتسم  بجانبية .وغادر معها نحو شقته.
........................................................  
كانت ورود تشعر بالانهيار النفسي.وهي ترى فجر
غائبا عن منزله بسببها. وكانت تنتظر عودته بفارغ الصبر.وتدرب نفسها على الاعتذار منه.
امسكت بهاتفها وبحثت عن صورته فيها.وراحت
تمعن النظر لوجهه وقلبها يكاد يتفطر .ونزلت
دموعها لا إراديا ثم شهقت
ودفنت وجهها بالوسائد كي لايصل صراخها لخارج الغرفة.
........................................................
فيما كان بكر ورهف مقبلين على النوم بسريرهما،
وقد جلسا يتحدثان قليلا قبل النوم.
قالت رهف :
ــ لقد مضى أسبوع واخوك لم يعد للمنزل...إنه
بذلك يحسس ورود بأنها غير مرغوب بها !
_ عزيزتي..لا تفكري هكذا...فجر يحب ورود..
لقد الح علي بجلبها هنا وبنفسه طلب من بوتي
تجهيز غرفة لها...هو فقط لديه مشاكل مع ذاته.
ــ ومتى برأيك تنتهي مشاكله؟ هل ستبقى ورود
تعاني معه مادامه كذلك ؟!
ــ رهف..انا أيضا تعبت من طباعه وأفكاره...اتمنى
أن يأتي اليوم الذي يشعر فيه بالسكينة والسلام.
.فهو مرهق من نفسه لكنه لا يعترف إن المشكلة فيه.
ويلقي اللوم على من حوله خصوصا النساء
ــ لم يكن مجبراً ان يخطب ورود..فلا اظنه قادرا
على تقبل فكرة الزواج.
_ هذا ما يحيرني..فهو يرفض فكرة الزواج رفضاً
باتاً..لكنه خطب ورود..لابد إنه احبها بحق .
_ هل سيكون الحب كافياً لتغيير طباعه وافكاره؟
_ لندعو ان يكون كذلك !
..............................................
في شقته..
دخل ومعه فتاة الليل ..
خلع سترته والقاها جانبا وقال :
ــ أترغبين بالأكل او الشراب؟
إقتربت منه لتطوق رقبته بذراعيها وتقول :
_ أريد أن آكلك انت !
ضحك وهو يبعد يديها عنه وقال :
ــ أنت تقلبين الموازين..المفترض ان اقولها انا..
فالأكل للرجال.
ــ ما باليد حيلة..فأنت وسيم جدا ومغري..لكنك
بالمقابل عنيد ولاتضعف لتسمعني ماينبغي للرجل
ان يسمعه للمرأة الجميلة التي يرغب أن تعوضه
عن خيبات الحياة.
جلس واخرج تنهيدة وقال :
ــ لا اصدق إن إمرأة قادرة على تخليصي مما
علق بخاطري..لم أر من النساء..إلا القهر والغضب !
_ جلست لتصق جسدها بجسده وتقول :
_ إذا ..فمعاناتك هي إمرأة ؟
تنهد لكنه سكت.
_إحكي لي ..ماذا فعلت لك هذه المرأة؟
قام مبتعدا وقال :
ــ أتركينا منها !
ــ وقفت خلفه وهمست بإذنه :
ــ لا تبدو قويا أمامها !
التفت إليها بغضب وصاح :
ــ بل أنا قوي ! أتعرفين لماذا؟ لأني أحببتها
وعقدت عليها واختليت بها..ورغم كل ذلك..لم
أضعف وألمسها !
ــ أهذا برغبتك..أم كانت هي عاصية ؟
رمى بجسده على الكرسي وقال بإستسلام :
ــ كانت عاصية ! رغم حبها لي..كانت عاصية
وصعبة !
ــ وتقول عن نفسك قوي؟ وتهزمك إمرأة  ؟!
قام ليمسك  بخوانيقها وقال :
ــ بل انا قوي لأني احببتها لكني لم ادمنها ! لم
امنحها الفرصة لتأخذني من نفسي او تملكني!
ــ أتركني يامجنون !
حررها من قبضته ،فراحت تفرك رقبتها  ثم قالت :
ــ ِانتَ بحاجة لطبيب جراحي لمخك قبل قلبك!
ــ أسكتي..وهيا غادري الآن !
ــ لم نبدأ بالتحدي بعد ! لم أجرب اقوى سلاسلي عليك .
شعر برغبة بالتحدي ليثبت لها إنه لن يضعف
أمام اقوى سلاسلها فقال :
ــ حسنا..فلنبدأ  .
ضحكت وقالت وهي تتلمس ماضهر من صدره
وتقول:
_ ليس هنا ياقوي...على السرير !
أشار لها ان تتقدمه نحو غرفة نومه .
جلس هو على طرف السرير ، وراحت هي تبدا 
بخلع ثيابها شيئاً فشيئاً. تحت نظراته المشمئزة لها .
.......................................................
أحست ورود بأن قلبها سينفجر من شدة
إشتياقها لفجر . ولم تكن قادرة على إغماض
عينيها .
فقررت الإتصال به والاعتذار إليه.
.......................................................
كان قد إكتفى من محاولات الفتاة وشعر بالملل ،
رغم جمالها وكمية الأنوثة والإغراء التي تملكها.
نهض عن السرير وقال بإنفعال :
ــ إرتدي ملابسكِ وغادري... لقد خسرت التحدي !
ــ لستَ قوياً فحسب..بل انتَ حجر لا يتزحزح...
كل هذه المغريات أمامك ولم تضعف.. ام تراك
تعاني من عقدة في النوم مع النساء ؟!
ــ آخرسي ! أنا رجل حيوي وجسدي رياضي
كما ترين..لكن قلبي له رأي آخر !
رن هاتفه لينظر لشاشته ويرى إسمها ،ليضطرب
قلبه ويفتح الخط دون سابق تفكير . لكنه ظل
ساكتا.
ــ ألو..فجر ..
ــ نعم ..أهناك شيء؟
ــ أنا أسفة فجر..لم اكن اقصد..عد للمنزل أرجوك !
لاحظت الفتاة توتره فضحكت وكتمت ضحكتها
سريعاً. لكن الصوت وصل لمسامع ورود .
فتسآلت :
_ فجر..من عندكَ ؟!
_ وما دخلكِ انت؟
_ اجل ..صحيح..أنا آسفة !
وأغلقت الخط وأطفات الهاتف ودفنت وجهها بكفيها.
...................................
نظر فجر بغضب ناحية الفتاة وقال :
ــ مافعلتيه كان غير لائق ابدا !
ــ انا فتاة ليل..ماذا تتوقع مني؟
ــ معكِ حق !
ــ هل غضبت حبيبتكَ العاصية بسببي؟ هذا
لمصلحتك صدقني لأنها لن تكون عاصية بعد الآن !
ــ قد يحدث العكس و وتغضب وتتمرد اكثر !
ــ أخطر سلاح ممكن ان تنتصر به على عصيانها
وتمردها هو الغيرة.
ــ امم..خبرتكِ لابأس بها بشأن الحب !
ــ دكتورة قلوب !
ــ حسنا يادكتورة القلوب..لملمي علاجاتك
وسلاسلك لأنها لن تنفع معي..واعتذر أني خيبت
آمالكِ وجعلتكِ تخسرين التحدي .
وناولها بعض الاوراق النقدية وقال :
ــ خذي عزيزتي...وشكرا لوقتك !
ــ بل شكرا لوقتك أيها الوسيم..سأكون متواجدة
بالحانة متى ما احتجت لي.
اومأ لها مبتسماً وخرجت واغلق الباب خلفها .
وعاد بأفكاره لورود ، فأتصل بها فوجد أن هاتفها
مغلق.فجلس يبتسم بمكر وهو يقول :
ــ سنرى لأي مدى ستتحملين جفائي..ياوردتي ؟!
........................................

أختي هي السببحيث تعيش القصص. اكتشف الآن