الزواج
أساس الخلق وتعمير الكون
سُنة الله في الأرض وشريعته السماوية
موروثنا الثقافي الذي نشأنا عليه
ذاك الحلم الذي نولد بفطرته .. نكبر وهو جزء ً منا فنركض لتحقيقه
بعضنا يكرهه.. والآخرون يشكون منه
وهناك قلة تمدحه
ولكننا جميعًا نسعى للظفر به ، سواء أعجبنا أم لا
ففي مجتمعنا الشرقي الفتيات مقسمات على حسب مسمياتهن
ودومًا لديهن ألقاب ، فالصغيرة " آنسة "
والكبيرة " مدام " حتى إن لم تكن متزوجة ولكن لا ضير أن يدعوها إحداهن بهذا اللقب علنا دون مراعاة لمشاعرها فوجهها الذي يشي بعمرها هو السبب في دعوته لها بلفظ علني لا تملكه !!
ولكن دعونا من الألقاب العلنية التي تقال جهرًا ولنتطلع إلى تلك الألقاب السرية التي تُقال في الخفاء من وراء ظهورنا ونستمع إليها كهمهمات أو لا نستمع
فالفتاة بعد الزواج بقدرة قادر أصبحت زوجة فلان وبعدها يبدأ اسمها في التضاؤل عندما يدعونها بأم فلان
ومن لم تتزوج يهمسون الناس عنها سرًا وبلويه فم أصيلة وتحسر نابع من عمق الروح عن كونها العانس التي لم تتزوج
ولكن كل هذا ليس بسوء اللقب الأخير ، فزاعة الألقاب والذي يركض الجميع من أمامه يفرون رعبًا ويضحون بالغالي والنفيس حتى لا يلتصق بهن وكأنه سُبة تلتصق بجبينهن ، وعار يشمهن ليوم الدين
أن يهمس الناس عن إحداهن أنها "مطلقة "
وأنا على عكس العادة وعلى عكس التيار ركضت بكامل قوتي لأناله ، رفضت التضحية وأن أخضع لظلم بيّن اتعرض له وهللت لأكون أهلًا له
أن أكون مطلقة فمن تزوجت به لا يستحق أن أكمل حياتي معه
ونويت أن آخذ حقي كاملًا منه
وهاك أنا أقف أمام القاضي بعدما عرضت عليه قضيتي الكاملة وبثثت إليه شكواي وتجرعت آلامي أمام الجميع حتى يمنحني صك حريتي ويهديني خلاصي
ليصدح صوت القاضي بهدوء ونبرة باترة ارتجف لها جسدي
" بعد الإطلاع على كافة المستندات المقدمة من الطرفين ، حكمت المحكمة برفض الدعوة وتحمل المدعي الرسوم المقررة وأتعاب المحاماة "
***
مقدمة أحداث
دلفت إلى بيتها .. شقتها الفخمة .. منزل الزوجية الذي ابتاعه لها وأثثه لتدخله عروس صغير لوحها الهوى .. تنظر من حولها بعينين خاويتين من مشاعر كانت امتلكتها له يومًا واليوم أزهقها بنظرته الشامتة التي قضت على البعض الذي تبقى من روحها المعلقة به .
اختناق يزداد وهي تدور على عقبيها وذكرياتها معه في ذاك البيت على مدار نصف عمرها تتوالى فتريد الصراخ ولكنها لا تفعل .. تصمت .. تعض شفتها حتى تلمسها وهي تقهر نفسها إلا تفعل ، فهي ستظل صامدة .. ستظل شامخة .. ستظل واقفة وستحصل على ما أرادته حتى لو مائة قاضيًا رفضوا دعواها .. أو لم يشعر بروح القانون بغبنها .
تحشرج حلقها فحاولت التنفس ولكنها لم تستطع فتشعر بكونها ستصاب بأزمة تنفسية حادة تراودها حينما تمعن في تكتم آلام روحها فتتحرك بتبعثر وتبحث عن حقيبتها التي ألقتها أرضًا حينما وصلت بجوار حذائها الذي خلعته في عصبية ألمت بها وهي تتذكر كلام محاميها الذي صاح بحدته المعهودة : قلت لك متتكلميش .. حذرتك إن القاضي مش هيفهم كلامك ولا هيسمعه .. وقلت لك إن عندي طريقتي اللي تخليه يحكم لك من أول جلسة ، بس إزاي لازم نتفذلك ونبوظ الدنيا ، أهو رفض القضية وغرمنا المصاريف كمان .
هدرت بغضب : لا هاممني مصاريف ولا غيره ، أنا مستغربة إزاي رفض القضية ، يعني ايه مش من حقي أطلق .
توقف محاميها ليهدر بغضب : أيوة في نظرة القاضي يا ست هدى مش من حقك ، لأنه أصلًا مش شايف أي ضرر عشان يطلقك ، ضرر إيه وأنتي جاية بهيئتك دي وبتدافعي عن نفسك بكل شراسة وقوة ، هو فين الضرر ده أي حد هيشوفك كدة هيقول إنك أنتي السبب في الضرر أصلًا وإن من حق جوزك يجوز عليكي عشان أنتي ست قوية ومفترية .
اتسعت عيناها بصدمة لتسأل بتعجب : قوية ومفترية ؟!!
صاح بها المحامي : أيوة ، هو في واحدة جوزها متجوز عليها تبقى كدة ؟!!
تمتمت بعدم فهم صارخة : أومال بتبقى شكلها عامل إزاي ؟!!
هدر بجنون : بتبقى مكسورة يا ست هدى ، حزينة وضعيفة ومغلوبة على أمرها لو جوزها ظالم ورميها في الشارع ، وأنتي لا مكسورة ولا حزينة ولا مغلوبة على أمرك ولا سيف باشا راميكي في الشارع ، صمت لبرهة قبل أن يتبع بجدية – للأسف يا هدى هانم ، قضيتك خسرانه ، طول ما أنتي كدة مافيش قاضي هيحكم لك بالطلاق للضرر ، وخصوصًا إن فعليًا مافيش ضرر واقع على حضرتك .
ضغطت على بخاخة صدرها بقوة لتستنشق الهواء من فمها بقوة ، تحاول التنفس ببطء قبيل أن تضغط الضغطة الثانية وتستنشقها وعيناها تدمع رغمًا عنها حينما عاد تنفسها لمجراه الطبيعي قبل أن تجهش في بكاء حاد أغرقها وهي تسقط جالسة أرضًا تستند يظهرها لباب البيت من خلفها وتغرق في مأساتها .
***
رنين هاتف لا ينتهي .. رنين خافت ولكنه على ما يبدو أقلق منامها .. فتململت وهي تشعر بلسعة برد لامست جسدها المنطوي على نفسه في نومة جنين يحتمي من العالم في بطن أمه ولكنه يكتشف فجأة أنه وحيد في غابة تريد نهشه بكل الطرق الممكنة ، رفت بجفنيها ليقابلها ظلام أضفى بؤسًا على بؤسها وهي النائمة على الأرضية الخشبية بجوار باب شقتها بعدما أنهكتها نوبة البكاء التي أغرقتها فأسقطتها في اللاوعي ، تأوهت بخفوت وهي تحاول أن تحرك جسدها المتخشب وتعتدل برقدتها وتنهض جالسة والرنين لا يزال ساريًا في الخلفية كموسيقى تصويرية سمجة تلائم سخافة اللحظة .. الموقف والوضع التي أصبحت عليه ، "معلقة " كما ألقاها على مسامعها يوم طلبت الطلاق فرفض ليتشاجرا فتطرده من بيتها ، فيخبرها بمنتهى العجرفة أنه لن يطلق بل سيتركها معلقة كالبيت الوقف لا تدرك إذ كانت مطلقة أو متزوجة إلى أن ترضى بما يريد وترضخ لرغبته الذي لا يرى فيها مكروهًا لها !!
اختنق حلقها من جديد لتبحث عن هاتفها في حقيبتها الملقاة بجوارها لتلتقطه تعبس بتعجب وهي تنظر الرقم غير المسجل لديها والظاهر بدون اسم في برنامج كشف الأرقام الخاص بهاتفها لتجيب بعدما تكرر الرنين أمامها : ألو.
أتاها صوته الخشن كالمعتاد بلهفه لم تقوى على التعاطي : هدى أنتي كويسة ؟!
زفرت بقوة ولم تجب وفكرت أن تغلق الهاتف ولكنها لا تريد دفعه أن يتخذ ردة فعل مجنونة كعادته فتجده فوق رأسها بموجة جنون عارمة تكررت الأيام الماضية لتنتبه له يتحدث بجدية : قلقت عليكي لما مردتيش بقالي كتير بتصل
أجابت بصوت منغلق : فيك الخير والله ، متقلقش أنا كويسة .
نفخ بقوة ليهمهم بجدية : مش ناوية تستهدي بالله يا هدى وتشيلي اللي في دماغك ده .
تماسكت بصعوبة لتجيبه ببرود : أشيله إزاي ؟!
تمتم بجدية : بطلي عند يا هدى ، بطلي مكابرة ممنهاش داعي ، أنتي عارفه اني بحبك وهفضل أحبك ، صمت لوهلة قبل أن يتبع – وموضوع جوازي ده ملوش علاقة نهائي بأنك هتفضلي مراتي وحبيبتي ورفيقة عمري كله ، أنتي حياتي يا هدى فبلاش اللي بتعمليه ده .
شعرت بدموعها تغلق حلقها لتهمس بجدية : عارفه يا سيف ، عارفه أني حياتك كلها وإني هفضل حبيبتك ومش هتقدر تحب حد غيري ، بس مش هفصل لا مراتك .. ولا رفيقة عمرك ، أنت اخترت يا سيف ، اخترت تكمل عمرك مع واحدة تانية غيري ، وأنا مش ممانعة أنت حر بس عايزة أنا كمان أبقى حرة .
هدر بجنون : حرة إزاي ياعني إيه حرة أصلاً ؟! وبعدين مختارتش أكمل مع حد غيرك ولا حاجة ، أنا عايزك تفضلي معايا أنتي اللي مصممة تسيبيني .
صاحت بجنون تلبسها : مين اللي بيسيب مين يا سيف ؟! أنت مش هتبطل طبعك ده ، تقلب الترابيزة والحقايق وتطلع نفسك مظلوم وأنت أصلاً ظالم .
هدر بجدية : أنا مظلمتكيش يا هدى ، بالعكس أنتي اللي بتظلمينا بتنشيفة دماغك دي وخصوصًا وأنتي عارفه كويس إنك خلاص مش هتقدري تحققي الحلم اللي كنت بنحلم بيه دائمًا .
غصة قوية استحكمت حلقها لتهمس : فقررت أنك تستبدلني عشان تحقق حلمك لوحدك ،
أجاب سريعًا : لا حلمنا برضه يا هدى ، حلمنا بس أنتي افضلي فيه وأوعدك إنك..
صاحت بغضب وهي تنتفض واقفة : توعدني ايه يا سيف ، توعدني أبقى مراة أبو ابنك ؟! توعدني أبقى أم ابن مش ابني ؟! توعدني إني أبقى حد زايد على صورة مش بتاعتي .
ران الصمت عليهما وهي تنهت بجنون لتتابع بعد وقت – الحلم انتهى يا سيف .. والصورة اتكسرت .. أنا وأنت خلصنا ومبقاش فيه كلام يتقال ، طلقني يا سيف لو صحيح بتحبني زي ما بتقول ، طلقني وروح حقق حلمك وسبني أنا أعيش اللي باقي في عمري من غير وجع ولا ألم ولا حسرة .
صمت طويل خيم على رأسيهما لدرجة أنها ظنت أن الخط انقطع ليأتيها صوته أخيرًا ناطقًا بجبروت صفع أخر أمل لها بأن يمنحها حريتها عن طيب خاطر : مش هطلقك يا هدى وأعلى ما في خيلك اركبيه ، بس افتكري إني اتحايلت عليكي عشان بحبك وعشان عايزك تفضلي معايا وأنتي رفضتي فمتزعليش بقى من اللي هعمله فيكي .
***
أنت تقرأ
نوفيلا .. بديلة حواء
Romanceوهاك أنا أقف أمام القاضي بعدما عرضت عليه قضيتي الكاملة وبثثت إليه شكواي وتجرعت آلامي أمام الجميع حتى يمنحني صك حريتي ويهديني خلاصي ليصدح صوت القاضي بهدوء ونبرة باترة ارتجف لها جسدي " بعد الإطلاع على كافة المستندات المقدمة من الطرفين ، حكمت المحكمة...