الفصل الرابع

141 13 3
                                    

#خيط_من_حرير
#الفصل_الرابع.

"لقد تغيّرت"، لوهلة يخيم الصمت وتفكر في حالها والسؤال يطرق بابها: وكيف لك ألا تتغيرين يا زهرة؟
لقد  كان آخر عهدها مع الفرحة بفستان زفافها الابيض، والذى من بعده سُرِق كل بياض دنياها، لم تكن تسع دنياها سعادتها المنبثقة من فؤادها، فلم تكن تعلم ان هذه اللحظة هي نقطة الفصل بينها وبين مأساة النصيب الذى صدع فؤادها بندوب لن يبرأ منها أبدًا.

أما الآن وبعد مرور تلك السنين المهلكة ها هى في بيت مختلف دلفته لا بفستانها الابيض بل بعبائتها السوداء متلحفة بخمارها الطويل، لم تدخل بخطاها المتهادية المفعمة بالشباب بل تبدو كسيّدة مخضرمة خطاها تبرز وقارها، ونظرات عينيها ولمعة الحزن بها خير دليل علي خبرتها في الحياة وما جنته من آلام، قضت يومين بهذا البيت لا تتنطق الا بقدر لا تتفوه سوى بأبسط الكلمات كأنها تخفى تلك الحروف خلسة عن العالم، أو لعلّها تيقنت ان لا الكلام يجدى ولا الشكوى فليس هناك من يستمع، لا البكاء يفيد ولا الحسرة فليس هناك من يتفهم، فقررت ان تحتفظ بما بخلجاتها لنفسها.

بمنتصف البيت وقفت تدور بعينيها بين الجدران تارة وبين الأطفال تارة أخرى، تتأمل ملك وتفكر كيف ستتقبل وجودها معهم وهى مصرة علي أن والدتها ستعود، يتردد صدى صراخها بأذنها حين قابلتها حين جاءت مع خالد:
أمى ستعود هى تحبني لأنني أحبها، ستعود وهذه ستغادر.

أكثر ما يشغلها هو كيف سيأتي اليوم علي هذه الصغيرة ذات الاربع أعوام لتستوعب أنه ليس ضروريا أن جميع من نحبهم سيحبوننا، كيف يمكنها تقبل فكرة الحب من طرف واحد والأصعب أن التى بالطرف المعرض ليس حبيبا ولا صديقا بل والدتها.

وقفت عينيها علي هذا الاحمد ذا السبع أعوام شبيه أبيه، يمثل القوة وكأنه لا يعبأ لشئ، لم يبد لها قبولا وبنفس الوقت لم يرفضها، لا يبدى حبا لوالدته ولا كرها، يبدو كشاب يافع متفهم للأمر ولكنها متأكدة أن وراء هذا الجمود طفلا موئودا يتمنى ام ينتشله احد من تلك الحفرة المظلمة ليتنفس باكيا.

تحركت نحو غرفة نوح وهي تحادث نفسها:
كيف سأقدر علي مداواتهم الأربعة بداية من نوح وصولا إلي خالد؟
عالجت الكثيرين ولكن لم أرى بصعوبتهم، كان يتوجب علي أن اتعرف علي الوضع عن قرب قبل الزواج..
صمتت برهة ثم اكملت:
وماذا لو كنت علي علم بحالتهم؟ لم أكن لأتخلى عن مساعدتهم، ثم رفعت ناظرها للأعلى داعية ربها ليلهمها القوة ويعينها علي تصليح أمورهم.

حملت الصغير بين يديها لتضمه بحنان إلي صدرها وظلت تلامس شعره الناعم مقبلة إياه عدة مرات، فلقد سكن قلبها بمجرد ما رأته ويبدو أنه كذلك فهذا البريق الذى تلمحه بعينيه الواسعتين كلما ضمته يبشرها بأنه سيكون أول المتعافين رغم انه الأسوأ حالة.
بدأت تحادثه بعيون ملؤها الضيق:
لقد كان علاجك هو الحنان يا صغيرى، هل كانت تستكثر عليك مجرد ضمة حانية؟
وهؤلاء المرضعات كيف أهملن بك مثلها؟ هل ماتت الضمائر لتلك الدرجة؟
لتبدلها بإبتسامة مبهجة وهي تقرب منه ببرونته بعد أن برد الحليب قائلة:
ولكن كل شئ سيكون علي ما يرام وستتجاوز نتائج هذا الإهمال وتبهر والدك بقوتك علي تجاوز المشكلات رغم صغرك.

خيط من حرير حيث تعيش القصص. اكتشف الآن