عبور عابر

12.6K 281 46
                                    

طريق إسفلتي طويل تشبعت شقوقه ب باردة طمس نور قمرها بكتلة كثيفة من الغيوم السوداء. زاد من ظلمة الطريق ووحشته أشجار متراصة طويلة ممتدة على جانبيه لكن ذلك لم يمنع الشرطي الواقف على أحد جوانبه من تشغيل صفارة الإنذار وتعقب سيارة سوداء ذات نوافذ معتمة ومنزوعة اللوحات التعريفية عبرت بجانبه بسرعة خاطفة. بعد مطاردة قصيرة هدأت السيارة من سرعتها وتوقفت على يسار الطريق وهذا بحد ذاته . مخالفة مرورية تستوجب العقاب مما أثار استغراب الشرطي الذي ترجل من سيارته مشعلاً كشافاً صغيراً ثبته على كتفه مخرجاً سلاحه متأهباً لأي مفاجأة من سائقها الذي بدا له غير متزن وقد يكون مجرماً هارباً أو مخموراً أو معتلا نفسياً.

وقف الشرطي بجانب باب السائق وبسبب النوافذ السوداء لم يتمكن من رؤية قائد المركبة أو أي تفاصيل داخلها مما اضطره للطرق برأس مسدسه زجاجة النافذة وهو يقول بنبرة صارمة : "أنزل النافذة لو سمحت!"

لم يتلق الشرطي إجابة أو استجابة من السائق عدا إطفائه لمحرك السيارة ومصابيحها مما زاد من عتمة المكان حولهم ولم يتبق أي مصدر للضوء سوى مصابيح الدورية المشعلة بالخلف. استاء الشرطي من تلك الفعلة مما دفعه لتكرار ندائه مجدداً بصرامة أقوى وهو شاهر سلاحه : "أنزل النافذة!"

بعد مضي ما يقارب نصف الدقيقة من الترقب تحت المطر المنهمر دون أي استجابة من السائق فقد الشرطي صبره وصرخ مهدداً وأمراً السائق بالترجل من السيارة على الفور.

صوت طنين نزول جزء من النافذة خلال استمرار انهيار المطر بقوة... ،توتر الشرطي وصل إلى قمته وقتها لأن وجوده في تلك المنطقة النائية على الطريق السريع لم يكن مصادفة، فقد توالت على مر الأشهر السابقة عدة بلاغات عن اختفاء أناس في المنطقة نفسها ،ناهيك عن عدد من السيارات التي وجدوها خاوية وأصحابها مفقودون دون دليل لمكان اختفائهم مما دفع مركز شرطة المدينة لتعيين دورية لتراقب ذلك الجزء من الخط السريع بشكل دوري علهم يجدون دليلا على حوادث الاختفاء ليقينهم بأن الفاعل يتردد هناك من وقت لآخر بحثاً عن الضحايا.

"ترجل من السيارة بأيد مرفوعة!"...

قالها الشرطي المرتبك ومسدسه موجه على الفتحة الضيقة في نافذةالباب ... لم تصدر أي ردة فعل من السائق المتواري في ظلمة السيارة بالرغم من توجيه الشرطي ضوء الكشاف على النافذة بشكل مباشر فقرر أخيرا مد يده ومحاولة فتح الباب بنفسه وعندما أمسك المقبض وأبعد درفته لأقصاها تفاجأ بأن مقعد السائق فارغ فأمسك مسدسه بكلتا يديه بسرعة وتوتر وهو يجول بنظره على المقاعد الأمامية بحيرة شديدة.

دخل الشرطي في صراع نفسي بين خيار استكشاف المقاعد الخلفية بنفسه ووحده أو العودة لسيارته وطلب الدعم من دورية أخرى والمخاطرة بهروب من قد يكون المجرم الذي يبحثون عنه خاصة أنه لم يتمكن من معرفة سوى لون السيارة ونوعها فقط بسبب غياب اللوحات التعريفية.

اتخذ الشرطي قراره في نهاية الأمر بأن يقوم بتفتيش السيارة بالكامل بنفسه وأخبره حدسه بأن السائق قد تسلل واختبأ في المقعد الخلفي ليباغته لذا وقبل أن يتقدم أكثر قام بفتح الأبواب الأربعة بالكامل

وكانت الصدمة أنه لم يجد أحدا بداخلها لكن رائحة عفنة تسربت للخارج وأزكمت أنفه مما زاد من توتره ورهبته.

مد الشرطي يده بعدما دخل من المقعد الخلفي وفتح صندوق السيارة فقفز غطاؤها ونقاط المطر الثقيلة ترطم على سطحه بقوة ثم ترجل منها وسار نحو الصندوق شبه المفتوح بخطوات حذرة وفتحه ببطء لتصدمه رائحة أقوى وأشد حدة كاشفة عن كيس بلاستيكي أبيض بأطراف حمراء. كان من الواضح أن ما رآه الشرطي أمامه جريمة مكتملة الأركان وأنه غالباً قد أوقع بالمجرم قبل هروبه بفعلته الجديدة فجرى مسرعاً وركب سيارته ورفع جهاز النداء وقبل أن يقوم بالتبليغ شعر بمجموعة من الرؤوس الحادة تغرس في رقبته من الخلف وتخترقها ليفور دمه على الزجاج الأمامي بالكامل لعدة ثوان قبل أن توقف

جحيم العابرين حيث تعيش القصص. اكتشف الآن