الفصل الأول.
كنت أشعر بأنني طفلة صغيرة تسير في صرح عظيم مُدهش ومُرعب في ذات الوقت، وبمشاعر مختلفة ومتضاربة، هذه حياة جديدة كُليًا!
لكن كان المُرعب أكثر لشخص إنطوائي مثلي أنّ هؤلاء البشر جميعهم أراهم للمرة الأولى، تمامًا كتلك الجامعة، إذًا؟
إذًا مضطرة إلى تكوين صُحبة ورفاق أو إلى زملاء على الأقل، فبالتالي؟
سأكون مضطرة أن أكسر حاجز رهابي الاجتماعي وبدأ الحديث مع أحدهم على الأقل حتى لا أشعر بالنبذ أو أن يلتقط أحدهم لي صورة ويدرجها بمنشور على الفيسبوك قائلًا: مشهد أعيشه يوميًا فإن رأيت أحد يجلس بمفرده هكذا حاول أن تكون صديق له، فأجد نفسي فجأة مصدر لشفقة أهالي الفيسبوك الكرّام لمجرد أنني لم أكسر رهابي الاجتماعي واحاول محادثة أحد.
لذا عليّ بتحطيم تلك القصة قبل أن تبدأ.
(صباح الخير، أنتو زراعة برضو؟)
لحظة لحظة! لقد غفلت عن شيء في غاية الأهمية، تقريبًا قد نسيت أن أخبركم من أنا ولما أنتم معي هنا، أليس كذلك؟
عذرًا فأنا دائمًا أتغافل عن أشياء بسيطة كهذه، لا بأس سنتدارك الأمر الآن
أخبرني أبي أنه أرادني علياء الشأن والمقام، علياء على كل ما هو مُتدني، علياء لأنه أراد رؤيتي علياء، ولأن الإنسان له نصيب من اسمهِ كما يُقال سماني "علياء"، لا أعلم إن كانت هذه المُقدمة مُفيدة أساسًا، لكن أردتُ إخباركم بذلك فقط.
الآن، فلنعُد لنقطة البداية، كُنت ككل طالب ثانوية عامة، أسعى لأصل إلى "الكُلية" التي اتمناها، أو التي تمناها والدي ليّ بمعنى أصح، كان حلم والدي أن يراني طبيبة، وكان حلمي أنا أن أرى والدي سعيدًا؛ لذا سعيتُ بلا كلل أو ملل للالتحاق بكلية "الطب".
طبعًا تنتظرون مني أن أختتم العبارة بأنني حققتُ حلمي والدي، إن كُنتم انتظرتم ذلك فقد خاب أملكم أعزائي، نحنُ بمصر، طبعًا لمَن لا يعلم، قد تم بمصر تطبيق ذلك النظام الحديث "نظام التابلت" أردتُ أن أُحدثكم عنه قليلًا، لكنّي لم أفهمه من الأساس، لذا فلنتخطاه ونصل للنهاية البائسة، لم أُحقق حلم والدي، ولم ألتحق بكلية الطب، وكان يوم إعلان النتيجة يوم مآساوي، بكيتُ فيه كما لم أبكي على أمي يوم ماتت، طبعًا لا داعي لذكر أنني انقطعت عن الطعام ودخلت في اكتئاب لعدة أيام، لا داعي لأن ذلك أمر مفروغ منه لا محال، وبعد البُكاء وما إلى ذلك انتظرتُ نتيجة التنسيق بلا اهتمام.
عند ظهورها بكيت مرتين، مرة لفقدان حلمي، ومرة أخرى لأنني سأضطر إلى الاغتراب عن أبي، لا أعلم كم مرة ذكرت كلمة "بكيت" في العبارات السابقة، لكنكم ستقرأونها كثيرًا، لذا لا داعي للدهشة، كُنتُ أقيم في القاهرة ووجدت التنسيق ألقى بيّ إلى جامعة بعيدة عني بعدة محافظات، طبعًا سأدع اسم الجامعة مُشفّر لا داعي لذكرها، "كُلية الزراعة"، هذا ما حدث، أصبحت مُغتربة مُلتحقة بكلية الزراعة، تبًا لبساطة أحلامي التي لم تتحقق.
اليوم الأول في المكان الذي أمقته، نبدأ بسم الله:
بعد أن ودعت أبي وبعد بحثي الذي لم ينقطع عن مكان قريب من الجامعة لأسكن به، وبعد كل ذلك، جائت اللحظة المُرتقبة، إنه اليوم الأول ليّ بالجامعة، سأحاول أن أصف شعوري نوعًا ما، كادّ قلبي يخرج من قفصي الصدري، لا أعلم لما، لكن شعرت بالهيبة من ذلك الصرح الضخم "الجامعة" شعرت بالتوتر من ذلك التجمع الهائل، كلًا هادٍ إلى وجهته "كُليته" ناهيك عن كون كل تلك الأشياء، أشياء جديدة لم أرها من قبل، لذا وإن كنت أمقت ما أنا فيه الآن، فقد زرعت بيّ مشاعر جديدة ولا شك في ذلك، فكرة أنني قد خرجت من إطار الفتاة المُراهقة الصغيرة، إلى الفتاة الجامعية التي باتت على وشك أن تبدأ سنواتها الأخيرة في مسيرتها التعليمية، وعليها أن تبدأ سنواتها المهنية بعد ذلك، وعليها أن تعتمد على ذاتها وما إلى ذلك، كل ذلك أثار بيّ شعور لا يُصف من النضج، لذا أنا فعليًا صرت شخص آخر الآن، سأعود إلى ذات شخصيتي بعد ذلك، لكنني أحب جلب الانتباه لا أكثر.
دلفت إلى قاعة المُحاضرات وأُصبت بالتوتر مرة أخرى من ذلك الجمع الرهيب، لكن كما أخبرتكم في البداية سأحاول البدأ بالحديث مع أي أحد.
(صباح الخير، أنتو زراعة برضو؟)
صراحةً كنت أخشى أن أكون مثيرة للشفقة في البداية والآن أخشى أن أكون مجنونة أمامهم، بالطبع هم بالكلية ذاتها، ما الذي سيجلبهم إلى قاعة المحاضرات في إنتظار بدأ المحاضرة الأولى إن لم يكونوا هنا!
لكن حمدًا لله لاحظت إحداهن توتري، فقالت مع ابتسامة لطيفة: أيوا، اسمك أيه؟
جلست بعد أن زال توتري بنسبة كبيرة، وأجبت ( علياء، اسمي علياء)
#مهلًا_لحظة
#مايا_هيثمعايزة أعرف تجربتكم مع أول يوم جامعة، أو أول يوم في مرحلة جديدة في حياتكم عمومًا، أنا كنت رايحة بنفس الريأكشن قرفانة بس مبهورة😂
أنت تقرأ
مهلًا، لحظة!
Romanceصراحةً أنا لا أُجيد صياغة المُقدمات، أن أظل أشرح من أنا ولما نحن هنا وعن ماذا سنتحدث بين ثنايا الفصول، لا أُجيد كل هذا. مهلًا لحظة! أنا أساسًا مُجبرة أن أخبركم لما أنتم هنا؟ حسنًا لنتحدث..