p.3

229 7 0
                                    

                 /______°°°______\

صفحه ٥

_ شكلك حلو اوي النهاردا يا مي .
_ علي فكره مش هتضحك عليا بالكلمتين دول.. انت نزلت النهاردا علشان قلت انك هتشرح سبب تصرفاتك الغريبه الفتره اللي فاتت.
_ بفتح كلام يا مي، قلبك ابيض بس.
_ لا متفتحش فهمني الاول.

كان معها كل الحق في غضبها؛ فقد أمضيت شهرا كاملا علي غير عادتي ولا اهتم ولا اتحدث ولم أكن متواجدا، وخاصه مع قرب الموعد المحدد للوفاء بوعدي، فقد حللت الأمور في عقلها بالطريقه التقليديه "الرجال يخذلون النساء حين تأتي ساعه العمل" ولكنها مخطئه.. لعلي سأتخلي عنها بالفعل ولن اتقدم لخطبتها كما وعدتها ولكن السبب وراء التخلي الكبير، تنهدت بهدوء وتطلعت في هذه العيون البنيه الواسعه غير راغب في دفعها للبكاء.. أمضيت شهرا افكر هل اخبرك يا مي ام أتراجع بلا سبب؟ اكره الشفقه وخيبه الامل، ولكن الأمور لن تبقي كما كانت ابدا.

_ مي أنا شايف إننا محتاجين نفكر مع بعض تاني في حوار الخطوبه.
_ ايوه قول كده بقي..
_ لا افهميني.. في موضوع مهم محتاجين نتكلم فيه وعلي أساسه هنقرر سوا ايه اللي هيحصل..
_ يا تري ايه؟ جالك عقد عمل ومش عايز تشحططني معاك؟ ولا بنت خالتك رجعت من الخليج؟ ولا اقولك الاحلي.. أنا تستاهل حد احسن منك!

دائما ما كان اندفاعها يضحكني كثيرا، ورغبت فعلا أن اضحك من رده فعلها الطفوله وكأنها لا تعرف طبعي الجاد والتزامي بكلماتي، ولكن الضحك في بعض الحالات مأساه.

_ مي.. أنا بقالي شهر مش عارف اجيبهالك ازاي واقولك ولا لا اصلا.. اه احنا في ده سوا وحياتنا كلها هنتشاركها سوا بس الأمور اتعقدت لما ماما وحسن وحلا عرفوا، والحياه بقت بجد متعبه نفسيا.
_ في أي يا حازم؟!!
_ أنا عندي كانسر في المخ.

يمكنني القول من نظراتها بأن وقع الخبر عليها لم يكن اسهل من وقعه علي امي، فكلتاهما قيدهما الصمت وتكلمت دموعهم قبل حتي الخوض في التفاصيل.. ابتلعت ريقها وسحبت دمعه كادت أن تسقط، وابتسمت وكأنه أمر لا يدعو للقلق علي الاطلاق..

_ بعد الشر عنك يارب..ليه..قصدي امتي يعني مين قالك أو..
_ من حوالي شهر ونص كنت مش مظبوط وقلتلك هعمل تحاليل واشعه والدكتور شك وطلب مني تحاليل زياده ومحبتش اقلق حد معايا.. قلت اقول لما يبقي اكيد زي دلوقتي كده..
_ شهر ونص!!
_ مكنتش عارف اقولك ازاي.. مش سهله.
_ في ناس بتعيش بيه.
_ أنا مجبتش سيره الموت.
_ مش قصدي.

اقتربت منها قليلا ووضعت كفي علي كفيها المرتعشين في محاوله مني لإخماد ما اثرته بداخلها من خوف وقلق.. إن كان بمقدوري ضمها لما اتأخرت، ولكني كنت اعلم جيدا بأنني لن اكون هذا الرجل الذي يشاركها القادم كله.

_ أنا مش عارف اواسيكي ازاي.. الموقف غريب مش بعرف اقول فيه حاجه.
_ أنا مش عارفه افكر.

صوتها المرتعش صنع ثقبا مفاجئا بقلبي وذكرني بأمي حين علمت بمرضي وبدأ صوتها في الانتفاض وهي تتخيلني علي فراش الموت قبلها.. لم اتزوج كما تمنت ولن تري اولادي ويطمئن قلبها علي في منزل سعيد به زوجه واولاد، فقط العديد والعديد من المستشفيات والجلسات..

_ مي من فضلك، أنا عارف أنه صعب عليكي بس انا مش حابب ده.. تعالي نتكلم بموضوعيه الاول..
_ موضوعيه اي؟انت مدرك اللي بتقوله!!
_ أنا تعبان ومش هعرف اكون في أي حلم حلمتيه أو حلمناه.. مش عايز اجي ادخل بيتكم علشان مش ضامن اكمل فيه.
_ في ناس بتعيش بالمرض..مش كله بيموت.

هنا فقدت نص عقلي وتحدث عقلي الباطن بما كان يحتفظ به لنفسه.. برغم تمالكي لاعصابي مع امي واشقائي لعلمي بمدي خوفهم والجرح الكبير الذي حفرته بيدي في قلوبهم؛ الا ان مي كانت تختلف، فقد  كان يموت معها المنطق وتصحو بداخلي كل المشاعر فجأه.. لا اريد ان اتحدث عن الواقع والرضا والتقبل، فقط اود البكاء وإخبارها بمخاوفي والصراخ بوجهها سائلا عما افعله الان.. مي هي امي التي اتصرف حولها كطفل برغم كوني رجلا..

_ كلنا بنموت.. كل الناس بتموت بس اللي عنده كانسر بيعيش مستنيه ومتوقعه..
_ أنا مش هسيبك يا حازم.. ليه بتتكلم كأني مش هكون موجوده؟
_ مي.. أنا مش كويس ومفيش حاجه واحده في مكانها جوايا، كل الناس خايفه والمطلوب مني اطمنكم كلكم وانا من جوايا مرعوب.
_ أنا معاك.. مش همشي ومش هيحصل حاجه.. ده ابتلاء وهنعديه سوا زي كل حاجه حصلت قبل كده.
_ فكري كويس قبل ما توعديني بحاجه يا مي.. مش سهل انك تكملي في ده، الحياه هتبقي اصعب والعلاج مش مجرد دوا الصبح وبليل.. مش هكون مبسوط طول الوقت.. أنا هتغير يا مي .
_ هتبطل تحبني؟
_ عمري ما هعرف.
_ يبقي اطلبلنا حاجه نأكلها أنا متغدتش..

رفعت عيوني المفزوعه وتطلعت بعيونها الواثقه وهي تعدني بتجاوز المحنه وانتهاء الكابوس بشمس يوم جديد وكأن شيئا لم يكن.. وكالطفل تبعتها حتي الآن هي كل ما اعرفه وكل ما اجيد حبه.

                      /______°°°______\

"البعض لا يرحل ابدا"حيث تعيش القصص. اكتشف الآن