٣- لابيس والقاتل.

740 76 35
                                    

فتحتْ عينيّها ببطءٍ لتجد نفسها في مكانٍ غريب، طالعتْ سقف الغرفة باستغراب مضيقةً عينيها، كانت نائمةً على ظهرها فاستقامتْ بجزعها وطالعتْ المكان حولها بريبة؛ يبدو كمعابد المصريين القدماء!

مسّدتْ جبينها محاوِلةً تذكر ما حدث، فعادتْ بها ذاكرتها للوراء عندما كانت تحادث شبيهتها..

_ماذا تعنين بأنني سأقتل؟! وكيف يفترض بي تصديق أنكِ أتيتي من الماضي هذا هُراء!

صرختْ بها بعدم تصديق وهي تدور حول نفسها وتكاد تجزم أنها ستجن بينما ظلّت الأخرى على حالها، جالسةً على الأرض مغمضة العينين وتضع يديها على ركبتيها، قالت بهدوء وثبات:
_أنا أقول الحقيقة.

بدأتْ بترديد تلك الترانيم الغربية مجددًا فانبثقتْ فجوةٌ ذهبيةٌ في الهواء وتوهجتْ بشدة حتى أن المكان أضاء كله ولم تعُد ترى أي شيء.

فجأةً وقفتْ نسختها وفتحتْ عينيها كانتا مترقرقتان بالعبرات همستْ جانب أذنها:
_تذكري دائمًا أنكِ قوية، وقادرة على تخطي الصعاب لا أحد يمكنه التحكم بكِ، أنتِ قوية منار، ولستِ ضعيفةً أبدًا تحملي لأجلي حتى أعود.

لمْ تنتظر جوابها ودفعتْ بها داخل الفجوة هامسةً:
_ستكونين بمأمنٍ هناك.

ألقتْ لها سِوارًا داخل الفجوة فالتفّ على يُمناها وكأنه يعرف طريقه جيدًا لتتابع شبيهتها بحزن:
_أري أوناس ذا! سيخبركِ بكل شيء..

أفاقتْ من شرودها على جلوس أحدهم جوارها ففزعتْ ونظرتْ له بريبة متراجعةً للخلف ابتسم ساخرًا وقال بمرارة:
_لا تخافي لن أوذكِ، هل لابيس بخير؟

ازدردتْ ريقها وقالت متلعثمةً:
_هل.. هل أنتَ نوناس؟

رمقها بحدة وقال مصححًا بغضب من بين أسنانه:
_أوناس، لا تخطئي باسمي مجددًا!

أدمعتْ عينيها وهي تقول:
_أنا آسفة، هلّا أخبرتني ماذا يحدث؟ أنا لا أفهم أي شيء، لقد أخبَرَتْني أن أريك السوار وقالت أنكَ ستخبرني بكل شيء.

أنهتْ حديثها وهي ترفع يدها لتريه السوار فأمسك يدها وقال كلماتٍ بلغةٍ لا تفهمها بعدها خرج من السِوار ضبابٌ أسود لاح في الأفق ثم توقف متشكلًا بهيئة إنسان سألها:
_لابيس أم منار؟

أُلجم لسانها وشخصتْ عيناها وهي تطالعه بصدمة فزفر "أوناس" بحنق وقال:
_منار، لابيس عادتْ لتنتقم..

هز الكيان رأسه ثم وجّه نظره نحو "منار" الخائفة وهتف بذات الصوت القوي الذي هزّ أركان المكان:
_أنتِ لابيس ولابيس هي أنتِ يا منار..

تابعا صدمتها ولمْ يُعلق أي منهما وتابع الكيان بهدوء:
_في ذات اليوم الذي ذهبتِ فيه لزيارة معبد الكرنك، قُتلتِ في منزلك في تمام الساعة الثانية والربع بعد منتصف الليل، وتم إلقاء جثتك في معبد خونسو وحتى الآن نجهل كيف دخل القاتل للمعبد، لكنكِ انتقلتِ بروحكِ إلى هنا عبر القوى الروحية للاكتمال القمري، تطلب الأمرُ منّا جهدًا كبيرًا لمعالجة جُرحك لكننا في النهاية فعلنا وقد أشرف أوناس على علاجكِ وبعدها أصبحتِ لابيس..

ظلّتْ صامتة وبقيتْ على حالها لمْ تحرك ساكنًا، عاد ذاك الكيان الأسود للسِوار مجددًا فيكفيها هذا لليوم، هو يدرك تمامًا الحالة التي آلت إليها، عرفتْ كل هذه الحقائق دفعةً واحدة ولا بُد لها أن تنعم بقسطٍ من الراحة، بينما "أوناس" كان يرى عكس ذلك تمامًا لقد أكمل الحديث قائلًا:
_عندما تكرر الحدث كنّا هناك وحاولنا تحذيركِ بتوهج تلك النقوش على العمود في الصالة الكُبرى، كان تحذيرًا هامًا لكِ وتنبيهًا لِمَ سيحدث لكنكِ لمْ تفهمي والآن انظري لابيس تضحي لحمايتكِ!

أنهى حديثه بغضب، فصاحتْ به بنفاد صبر:
_أخبَرَتْني أنها أنا، وذاك الكيان الغريب قال أننا ذات الشخص، وأنتَ تقول تضحي من أجلي؟ بل قل من أجلها! هي تضحي لذاتها؛ تعلم أنها الأقوى لذا توّلتْ هذه المهمة.

_____________

بعدما هرب القاتل قامتْ "لابيس" بهدوء عن الأرض والتئم جُرحها بعدما عادتْ الدماء لجسدها مجددًا!
توجهتْ نحو النافذة بهدوء ورددتْ ترنيمةً جعلتْ كل شيء يتجمد، وقفزتْ من النافذة لتبحث عنه؛ لقد ذهبتْ للبحث عن قاتلها!

طافتْ حول البيت وبحثتْ بكل مكانٍ حوله لكنها لم تجد أحدًا! أين اختفى؟ ولِمَ غير طريقة قتلها هذه المرة وتركها مُلقاةً على الأرض؟ من يكون هذا الشخص؟

عادتْ للمنزل وقررتْ أن تنام بفراشها فهي لمْ تزُره مذ قتلتْ، في الصباح الباكر استيقظتْ وقتُ الشروق فوالدتها ستستيقظ قريبًا وستأتي لإيقاظها، تسطحتْ سريعًا على الأرض فعاد جسدها كما تركها قاتلها..

ولجتْ والدتها للغرفة بهدوء تنظر للفراش وابتسامة على وجهها لكنها وجدتْ ابنتها مُلقاةً أرضًا مذبوحةً، ومطعونةً في رقبتها، والدماء حولها بكل مكان..

ظلّتْ تصرخ وتصرخ حتى جاءها زوجها ركضًا وفورما رأى ابنته بهكذا حال تصنم مكانه ورقأ الدم بجسده، أما زوجه ففقدتْ صوتها من كثرة الصراخ ولمْ تقوى على الحديث، فقط تبكي..

اجتمع الجيران وقاموا يطرقون الباب، ولمّا يأسوا إجابتهم كسروا الباب وولجوا سريعًا واجتمعوا أمام الباب يطالعون المنزل متعجبين فكل شيءٍ على ما يرام، دلفتْ إحدى السيدات للغرفة المفتوحة وجدتْ "منار" غارقة بدمائها، شفتاها اكتسبتا اللون الأزرق، وجهها مصفر، وملامحها باهتة، حالما رأتْ مظهرها ذا صرختْ وسقطتْ مغشيًا عليها.

دلف الرجال للغرفة وأخذوا "عمرو" للخارج محاولين إفاقته من صدمته لكنه لمْ يستجيب والسيدات أخذن "نادية" والدة "منار" للخارج، وقد أُبلِغتْ الشرطة بالواقعة وتم فحص المنزل بدقة علّهم يتوصلون لدليل يدلهم عن القاتل.

كل هذه الأحداث كانت قبل شهرٍ من الآن، لمْ تتوصل الشرطة لأي دليل لكن القضية مستمرة، العجيب أن ثمة جريمتا قتل في ذات الحي حدثتا بذات الطريقة! فتُرى من يكون القاتل مجهول الهوية؟

أيام الثأر الدامية✓حيث تعيش القصص. اكتشف الآن