٤- بأي ذنبٍ قُتلتْ؟!

613 64 12
                                    

|المشرحة|

يجلس في مكتبه يدوّن بعض الملاحظات عن إحدى الجُثث، ومقابلًا له يجلس صديقه وهو الشرطي المسئول عن التحقيق في جريمة قتل "منار" تحرك ظلٌ لشخصٍ ما، ظلّ يجول حولهما في المكان فتنهد وقلَب عينيه بملل قائلًا:
_هل يُفترض بي أن أخاف؟

سمعا قهقهات أنثوية خافتة وفجأةً ظهرتْ "لابيس" جالسةً على المكتب توليه ظهرها وتنظر لصديقه لترى رد فعله كان فزعًا وتلون وجهه بالأصفر فهذه مقابلته الثانية لها، ضحكتْ قائلةً:
_صِرت شجاعًا ولمْ تعُد تخاف أحييك لكن علاما يبدو صديقك لمْ يعتَد الأمر بعد.

لمْ يهتم بما قالته وظل يقلّب عينيه في الأوراق أمامه، كأن الأمر طبيعي وكأنه يتحدث لجثة كل يوم! رفع نظره لصديقه وقال بحنق:
_أسامة، هل من جديد بشأن قضيتها؟

هز "أسامة" رأسه نافيًا وقال:
_كلّا، الضحيتان الثانيتان كانتا فتاتين أيضًا لكن إحداهما ذُبحتْ بذات الطريقة والأخرى طُعنتْ بسكين في جانبها الأيمن.

نظرا إلى "لابيس" في نهاية حديث "أسامة" بانتظار تعليقها بينما هي كانت تطالع أظافر يدها بتفكير لقد ملّتْ طلاءها الأحمر ذاك تفكر في تغيره للأسود، رفعتْ رأسها ونظرتها الغامضة برقتْ بعينيها وهي تهمس:
_تعددتْ الضحايا واختلفتْ الطُرق والقاتل وحيد.

ضرب بيده على مكتبه بغيظ وصاح بنفاد صبر:
_كيف تعرفين أنه الشخص ذاته؟ ما من دليلٍ لديكِ على هذا، أنتِ حتى لا تعرفين من هو قاتلكِ!

وضع "أسامة" يده على يد صديقه وقال محاولًا تهدئته:
_اهدأ قليلًا يا مروان، ربما تجهل قاتلَها لكنها تعرف الكثير.

وقفتْ "لابيس" ونظرت ببطءٍ للمدعو "مروان" وقالت وهي تتنفس بعنف لشدة غضبها:
_في المرة الأولى طعنني في جانبي الأيمن، وفي المرة الثانية طعنني في رقبتي خمس عشرة طعنة ثم ذبحني! حتى الآن أجهل لِمَ غيّر طريقته ولِمَ قتلتُ من الأساس! أي ذنبٍ ارتكبتُ لأقتل بطريقة وحشية كتلك؟ ماذا فعلتُ ليلقى بي وحيدة في معبد خونسو تلك الليلة؟ أجبني!

صرختْ بكلمتها الأخيرة بينما التزم "مروان" الصمت وقطع التواصل معها بإبعاد وجهه عنها فحمحم "أسامة" قائلًا:
_حسنًا منار، هل يمكنكِ أن تقصي عليّ ما حدث معكِ؟ ربما نعثر على ثغرة تساعدنا بحل اللغز، مثلًا هل رأيتِ ملابس ذاك الشخص أو هل تعرفين كيف دخل منزلك؟

نظرتْ له وطال صمتها فظن أنها لن تتكلم لكنها قالت:
_كان أطول مني بكثير ويرتدي الأسود دائمًا، أعتقد أنه دلف من نافذة غرفتي فعندما عُدتْ للمنزل كانت مفتوحة على مصرعيها.

أحنى "أسامة" ظهره قليلًا للأمام وقال:
_هل شممتي أي رائحة غريبة في غرفتك يومها؟

هزتْ رأسها نافيةً وقالت:
_لمْ تكن هناك أي روائح غريبة في الغرفة، فقط رائحة الزهور التي أضعها يوميًا هناك، أنا لا أدري ما إذا كان من سكان القرية أم لا فهو لمْ يرتدِ جلبابًا قط لكنه يحفظ المكان عن ظهر قلب.

أومأ وفكر قليلًا ثم قال:
_هل شعرتِ يومها أو بيومٍ سابق أنكِ مراقبة؟

_كلا، لا يومها ولا بأي وقتٍ آخر.

ألقتْ حديثها بوجهه واختفتْ فجأةً كما ظهرتْ، أفزعتهما فنظر "أسامة" لصديقه عابثًا بخصلاته فمدّ "مروان" يده له بالملف الذي كان يعمل عليه.

_____________

كانت تجلس أرضًا تضم ركبيتها لصدرها وتحيطهما بكلتا يديها تتأمل نجوم السماء بشرود كعادتها طوال الشهر الذي مرّ عليها هنا، حتى الآن هي لا تصدق وجودها هنا عقلها يأبى تصديق أي كلمة مما رُويتْ لها عمّا حدث ويحدث.

جلس "أوناس" جوارها ولمْ ينطق اكتفى بتنهيدة بسيطة فقط، هي أيضًا لمْ تنطق ولمْ تحرك ساكنًا فنظر لها وقال:
_هل يمكننا التحدث قليلًا؟

لمْ تجبه بل أغمضتْ عينيها بقوة حتى لا تبكي أمامه، ثم عادتْ تنظر للسماء متجاهلةً وجوده، فهي لمْ ولن تنسى كيف صرخ بوجهها صباحًا، أردف وكأنه يقرأ أفكارها:
_آسفٌ علاما قُلتُه لكِ صباحًا وعلاما بَدَر مني طوال الشهر الذي قضيته هنا، أعلمُ أنكِ تعانين مثلي تمامًا بل وأكثر، أعلم أيضًا أنك تفتقدين عائلتكِ وحياتكِ السابقة لكنني أيضًا أعاني كي تكوني على دراية بكل شيءٍ هنا حتى لا يُكشف أمرك، سينتهي كل هذا حالما تُمسك لابيس بذاك القاتل اللعين.

نظرتْ له بعدم فهم، فتابع:
_ستنتهي اللعنة وستتحدين معها مجددًا ثم سأختفي من حياتكما، حينها ستعودين لممارسة حياتك الطبيعية دون وجود أوناس لإزعاجك.

كادتْ تتحدث لكنه وقف سريعًا مقاطعًا إياها ثم هرول بعيدًا عنها وهو يردد لنفسه:
_لا! لا يمكنك!

نظرتْ بظهره وهو يرحل بعيدًا وشَغل تفكيرها ما قاله لها تردد برأسها صدى حديثه:
_"سينتهي كل هذا حالما تُمسك لابيس بذاك القاتل اللعين"

_"ستنتهي اللعنة وستتحدين معها مجددًا ثم سأختفي من حياتكما، حينها ستعودين لممارسة حياتك الطبيعية دون وجود أوناس لإزعاجك" 

نظرتْ للسوار المحيط برسغها بشرود ولاحتْ بذكراها "لابيس" وحديثها أنها قوية وألا تخاف، عادتْ تراقب النجوم مجددًا.

كل الحديث تردد في ذهنها مِرارًا وتكرارًا؛ فرفعتْ يديها سريعًا ووضعتهما على أذنيها علّ الأصوات التي تعصف برأسها تخمد، أخفضتْ رأسها أرضًا وظلّت تهمس لنفسها:
_اللهم عجّل بانتهاء اللعنة، ساعد لابيس في الوصول للقاتل سريعًا، أنا تعبتُ من بقائي هنا ولمْ أعُد أريد البقاء.

حركةٌ غريبة خلفها أقلقتْ راحتها فالتفتتْ لترى ما يكون هذا لكن العتمة التي تغلف كل شيء منعتها من الرؤية، أعادتْ نظرها للأمام مجددًا وتغاضتْ عن الأمر فوقف المجهول خلفها مباشرةً عرفتْ هذا من ظلّه المُمتد على الأرض أمامها كان طويلًا ولديه أذنين طويلتين كالقطط، حركتْ رأسها ببطءٍ ورهبة تجاهه ثم صرخت عندما رأتْ..

أيام الثأر الدامية✓حيث تعيش القصص. اكتشف الآن