نُزهة بلا كلام.

141 26 39
                                    





في حجرةٍ خشبية بأربعِ جدران، بالكادِ تشقُ بندقيتيها على أوراقها، وضعت قلمَ الحبرِ جانباً قربَ علبةِ الحبر، وأزاحت جهازها الذكي لتدعَ مساحةً فارغة على هذا المكتب، ربطتْ ذراعيها ببعضهما ووضعتهما على مكتبها لتريحَ رأسها عليهما، أغلقتْ قزحيتيها علها تُلبي قليلاً مِن حاجتهما الملِّحة.

استفاقت مِن سهوتها على تحركاتِ شيءٍ على أكتافها، همهمتْ بنعاسٍ لتفتحَ عينيها بتثاقل، رفعت رأسها توجههُ للجانب متمنيَّةً أحدَ شيئان.. إما يكونَ الحاضرُ لَم يندفع لقراءة كلماتها، أو أن يكونَ هذا حلماً، والثاني أفضل. فتحت عينيها باتساع تتفقدُ الوجهَ الجديدَ عليها، وصاحبُ هذا الوجه يقفُ بانحناءٍ قربَ وجهها، يضعُ يداهُ على أكتافها بعدَ أن وضعَ عليهما معطفه، تقاسيمُ وجههِ مثالية، وملامحهُ تعطي الراحة للعيون، شعرٌ وعينانِ بندقيَّتان، رامقتهُ بهدوء مثلما يبتسم.

حركَ أحدَ ذراعيهِ يوجهها ليدها حتى يمسكها برقة، نظرتْ ليدهِ يتدارك بينما هو استقامَ ساحباً لها معه، وقفت ووقعَ رداؤه أرضاً، أرادت التقاته، لكنَّ الأخرَ بقيَّ يسحبها، توجَّهَ لنافذة الحجرة والتي تمنحُ الغرفة برودة، اتجَّه لها حتى خرجَ منها ليقفَ على واجهةِ المنزلِ بتوازن، وهي كانت تقفُ على هيكل النافذة تراقبهُ بخوف، نظرَ في عسليَّتيها بابتسامةٍ مريحة يحثها على التقدمِ معه، نظرت لهُ نظرةً خائفة ومترددة، فتقدمت لتقفزَ مِن موضعها باتجاههِ صارخةً بخوف، وأغمضتْ وانكمشتْ بذاتها، فتحت عينيها ببطء تحتَ ظنها أنها روحٌ غادرت جسدها، لحظاتٍ لتداركَ أنها وسطَ أحضانه، هو يعانقها بدفء، وهي تتشبثُ بهِ بخوف.

أبعدت رأسها عن كتفهِ ونظرت في وجهه بهدوء، وابتسمَّ هو كما عرفته، أعانها على الاستقامة باعتدال، وعادَ لإمساكِ يدها، مشى بعضَ خطواتٍ متزنة باتجاهِ الحافة، وهي تتبعهُ بحذر، فارتَفعَ عن سطح المنزل الكرميدي، نظرت لقدميها تفكر في كيف لها فعل ما فعل؟ فشعرتْ بهِ يسحبها بهدوء نحو الأعلى، لتشعر بذاتها تطفو كما فعل، رمشت عدة مراتٍ تحاولُ تداركَ ما يحدث، فجذبها الأخرُ باتجاهه، أمسكها وأخذَ يجعلها تسكنُ مِن الحركة، واجهتْ صعوبة في الاستجابة لكنها فعلت، جعلها تستلقي في الهواء وذهبَ أمامها، أمسكَ يدها وأخذَّ يتحركُ ببطئ للأمام وهو يسحبها، لم تتمكن مِن التحكم بتحركتها جيداً، فبقي هو من يساعدها.

أمسكَ جسدها وأخذَ يحلقُ بينما يجعلها تبقى بجانبه، فردت ذراعيها كطائرٍ حرٍّ يحلق، أسرعَ بينما يداعبها بالتفافهِ بها وأشياءَ كهذه، حلَّقَ معها فوقَ البنايات العالية والمنخفضة، أينما تنظرُ ترى مصباحاً ينيرُ الظلامَ كنجومِ السماء، بقيَّ معها يجولُ بها الأنحاء، يتخفون عن الأنظار، ويمرحون في البرودة، فانتهى بهما المطافُ على أحدِ البنايات، يجلسانِ عليها يراقبان المدينة بهدوء، ولَم ينبسا حرفاً مِن ثغرهما عدا ضحكهما وما شابه..

هي ترتكزُ على صدره، وهو يعانقها بيده ويمسحُ على شعرها بحنان، حتى شعرَ بسكينتها التي طالت، نظرَ في وجهها بهدوء، ليشهدَّ نومها عليه، البتسمَ ليبتعدَ بهدوء بينما يمسكها بحرص، حملها فوقَ ذراعيهِ ليحلقَّ بها عائداً إلى حجرتها، وكما خرجَّ منها اقتحمها، وضعها فوقَ سريرها المبعثرة، فرتبهُ بهدوءِ ولثمَّ جسمها بلحافٍ متين، انزلقَ لمستواها يراقبُ وجهها البريءَ بابتسامة، مسحَ عليهِ مراراً فاستقام، نظرَ للأرضِ بجانب مقعدِ مكتبها ليرى وشاحه، انتشلهُ ليضعهُ على مقعدها، فغادر.

استفاقت من سباتها بعد حينٍ مِن خروجه، اعتدلت بالجلوس على السرير بينما تمسحُ عن عينيها غبار النعاس، ففتحتهما تتفقد بهما غرفتها المبعثرة، شردت للحظات تحاول تذكر ما حدث، فشهقت فور هذا، استقامت مسرعةً لتذهبَ النافذة تنظرُ مِن خلالها إلى الأنحاء تتفقدُ وجوده، فلَم تره، فتداركت أنهُ مجردُ حلمٍ راودها، استدارت تلقي نظرها على مكتبها فترى معطفه، أسرعت له لتنتشلهُ مِن موضعه، تفحصتهُ للحظات، فعادت للنافذة تدققُ النظر علها تراه، وبالفعلِ لَم تراهُ وهو يراقبها من الأعلى بابتسامتهِ الهادئة قبل مغادرته.

التَفتَت لتنظُرَ لمَكتبِها، فإذا بها زهرةٌ زرقاءُ مُضيئة تُشبهُ الجوريّة بشكلها، اقتربتْ مِنها ببطءٍ شديد لتَنتشِلها وتتفحصها، هيَّ كبيرةُ الحجمِ مُطهىةٌ مِنَ الأشواك.. لكن.. لمَ هيَّ مُضيئة؟!

_____________________
ڤوت؟ نجمة؟
؛)

'°•The Moon Flower•°'حيث تعيش القصص. اكتشف الآن