{فَشَلٌ آخر!}

31 13 5
                                    

استسلمتْ وأيقنتْ أنَّ أحداً لن يآتي وهيَّ مستيقظة، فتنَّحت تُجانبُ النافذة لتتجه لمكتبها، نظمتْ بعضَ الأوراق لتتخذّة مدى نظرها مِن إطارِ النافذة أخر محطتها قبلَ العودة إلى الوكر، رمقتْ السماء وأسقُفَ البنايات قبلَ أن تتجه إلى سريرها تغرس ذاتها به.

مضت ساعة.. وهي تتقلبُ بالسرير بلا نعاس، لا يمكنها أن تشعر بالنعاس بينما تنتظر زائرَ الليلة، انتفضتْ مِن استلقائها لتجلس، نظرتْ لأنحاء الغرفة المظلمة، فبحرَكة بطيئة.. أنزلتْ ساقيها لتلمسَ الأرضَ بهما، وهنا استشعرتْ برودة الطقس، فأخذتْ لِحافها تحيطُ جسدها به، تستمدُ الدفء منه، همهمة بخفة لتفتحَ عينيها بعدَ أن أغلقتهما لذاكَ الدفء، استقامت ببطء لتخرجَ مِن حُجرتها، سارتْ وهي تُدفِءُ ذاتها بالحلف الذي يُحيطُها ويُجرُّ خلفها، لا تعلمُ لمَ نهضتْ.. لكن هيَّ فقط فعلتْ، مشَّت عبرَ ممر يضُمُّ بعض الأبواب لبعض الغرف، ومِن بعدِ هذا الممر نزلتْ ببطءٍ على الدرجِ الخشبَّي، فاحتَست كوبَ ماء، فإذا بها قطتها تداعبُ ساقها برأسِها، نظرتْ لها فهبَطتْ لتحملها ضامةً لها إلى حضنها الدافئ، فأخذت القطة تحشُرُ رأيها بصدرِها وتُزمجرُ للنوم، عادت الكُبرى إلى سريرها تجلسُ عليه تاركةً اللحافَ كما هوَّ عليها، وآخذةً قطَّتها لأحضانها تُداعِبُ فروتها السوداء بأناملها الصغيرة.

استفاقت على عاملٍ خارجَّي يقومُ بهَزِّ جسدها، فتحركتْ بخفة قبلَ أن تفتحَ عينيها على مَصرَاعيهِما مقابلةً وجههاً جديداً يعودُ لفتاةٍ ببشرةٍ حليبيَّة وبِشَعرٍ أسودَ قصير، تلمعُ عينيها كنجمتانِ في سماءٍ سوداء.

(بعدَ مدة...)

تصرخُ وهيَّ تتجهُ لسقفِ بنايةٍ شامخة والأخرى تُقهقهُ بصخبٍ على حالتها لتذهبَ ملتقطةً جسدها قبلَ أن تصضدم بشيء، تشبثتِ الأخرى بها برهبة وأخذتْ تنتحب: أُتركيني لا تلمسيني!

قالتْ تحذِر الثانية مِن أن تفعل، نظرت لها سوريون للحظات بأعيون تتظاهر بالبراءة، فأردفت باعتياديّة: حسن.

أفلتتها ببساطة تامة تاركة منها تهوي وسطَ صرختها وصدمتها، وقفتْ قليلاً في الهواءِ تناظرها بسكون، فرأتْ مَن يحدِّقُ بها بحدّة وكأنه يهدِدُها عن سكونها هذا، فقلبتْ عيناها بملل وأردفت: حسناً، حسناً، وأكنني سأترُكها تقع!

قالت فأسرعتْ بالحاقِ بالأخرى ليديرَ الأخرَ وجهه بعدَ تأكدهِ مِن سلامتها فتَخافى عَن الأنظار.
ترتجفُ وتحاولُ تجفيف ذاتها بالهواء المار، فأزالت سوريون ردائها وسط محاولاتها الفاشلة في السيطرة على ضَحكها مِن الحدث الذي حدث. أمسكتهُ واقتربتْ منها لتضعهُ على أكتافها لتنتفضَ الأخرى مزيلة عنها ذاكَ الرداء ومبتعدةً عنها ناظرة لها بغيظ، فأخفت سوريون ضحكها بابتسامة بالهاء.

_أعيديني!

_لنَستمتعَ قليـ...

_الأن!

أمرتها بحزم فأجابت بمماطلة، فرفعتْ درجةَ علوِّي صوتها بها مرافقة لنظرتها التي احتدت، قلبتْ سوريون عينيها بضجرٍ لتردفَ بالموافقةِ.

تَسيرُ بينما ترتجِفُ برداً، وقوعُها في بُحيرةِ المدينة، وإضافة إلى الرياحِ المارة التي تَزيدُ الحالَ سوءاً عليها.

_الطريقُ طويلة.. لا تُريدينَ أن أساعدك؟

نطقتْ سوريون بهدوء وهيَّ تُحلقُ بخفة أمام الآخرى التي تسيرُ بينما تَرتجفُ برداً، نظرتْ لها بحدة وصمتْ، فأجابت: أُقسمُ إن فعلتِ شيئاً لن أصمتَ للحظة.

أومأت الأخرى بهدوء لتقتربَ مِنها وتذهبَ لخلفِها، أمسَكتها بإحكام لتَرتفعَ عَنِ الأرضِ بهدوء حاملة آخذتاً منها معها، لَم يكن حملُها بتلكَ الصعوبةِ؛ فحالتها تَمنحُها على أشياءَ عدّة، ومِنهم كما ظهر التحليقُ والترفعُ أشياءَ كبيرة. ومجهولةُ الاسمِ حتى الأن لَم تسأل شيئاً عن هذهِ القُدراتِ الخارقة للطبيعة، والظاهرُ أنها لا ترغبُ حتى. نظرت لها الثانية تقرأُ تعابيرَ وجهها العابسة، وببساطة قرأت أفكارها وعرفت بذاكَ السؤال الذي رفضَ سابقيها الإجابة عنه كما اتفقوا، تحمحمَتْ بخفة لتنطق: الطريقُ طويلة.. دعيني أُسرع..

_لا أريد.

أردفت ببرود لتكملَ الأخرى قراءةَ أفكارها لتبدأ باللعبِ بها بخفة.. حيثُ أخذت تدخلُ بها بعضَ الأفكارِ الإيجابية لتدعها تَستجيب لمطلبها، لحظاتٍ وتأففت سوريون لتقول: أنتِ تشعرينَ بالنعاس دعينا نعد.

_حسناً.

أجابت باعتيادية بعدَ أن قامت الأخرى بجعلها توافق بتحكمها بأفكارها، ابتسمت لتأخذها لأحضانها وتسرعَ بقوة كبيرة في التحليقِ للوجهةِ المطلوبة، لحظات.. لتكونانِ في الغرفة التي بدأت مِنها الرَحَلاتُ الثلاثة.

قبلَ مغادرتها.. تركتِ الأخرى على سريرها بعدَ التمويمها ببساطة، حيثُ وضعت سوريون سِبابتها على شَفتي الأخرى ونظرتْ بعيونها بعُمق لتحمرَّ عيناها وتهشهشَ بهدوء، لحظاتٍ لتغفو الأخرى بينَ يدها، ابتسمتْ بخفة لتبتعدَ وتخرج.

قليلٌ مِنَ التحليقِ السريع بعضَ الشيء بالنسبة لسرعتها الحقيقية لتصلَ للمبنى ذاته الذي كانت عليهِ مع الشابانِ في الليلة الماضية، وهناكَ حيثُ كانا ينتظرانِ حضورها بعدَ هذهِ المهمة، اقتربتْ مِنهما ببطء بعبوسٍ لطيف، ولا حاجة لذكرِ ما حدث؛ فهُما شاهدا فشلها.

_إذاَ.. (سوريون درون) فشلت في المهمة أيضاً!

قالَ آرثر بضحك ولَم يُكلف نفسهُ عناءَ كَتمها؛ فقد تحملَ عناءَ الانتظارِ حتى تفشلَ ويُكررَ كلماتها التي اخرجتها لهُ للسخرية، نظرت لهُ بجانبية وأسلوبٍ قاتل، بينما ثالثهم يجلسُ مبتسماً نافِساً الهواءَ بقهقه، لتسرِعَ سوريون لآرثر حتى دفعتهُ بقوةٍ مِن على حافَةِ المبنى بينما تتذمرُ بغضب، لَم يكتفي الأخرُ مِنَ الضحك وهو يطفو بعد غَضبها، عبستْ بشدة لتجلسَ بمكانهِ بجانبِ الجالسِ مِن قبل، وبالطبعِ لَم تخلو جلستهم مِن سخرية آرثر على ابنةِ عمه.

____________________
sewar_ahmad_ata:)✍️
لا تَنسوا الضغطَ على النَجمة حتى تُضيء وأكملَ لكم🥺🌟

'°•The Moon Flower•°'حيث تعيش القصص. اكتشف الآن