٨| من إلتقم جلدًا زائدًا فليعيده.

46 5 11
                                    

«نامي.»

شهقة غير مصدقة أتتها من الطرف الآخر من الخط. «بماذا تفوهتِ للتو؟»

«لقد قلت نامي يا أمي. سأغلق الخط الآن لأعود لعملي، من المبكر أن تمطريني بأسئلتك واتهاماتك.»

«إنها تلك الفتاة الملعونة أليس كذلك؟ هي من ملأت رأسك بتراهات أن تحبي جسدك مهما كان حجمه. لا تنصتي لها! عليك أن تنحفي! أنتِ بالفعل عملاقة بشك-»

«وداعًا أمي.» وأزالت الهاتف من أذنها تلقيه على طاولة مكتبها.

سحبت قسطًا من الهواء، وزفرت بعنف. تتحسس أشلائها المخيطة فوق هيكلها العظمي، لحومها غير متسقة وتفتقر للتجانس. هل هي نحيلة؟ هل هي سمينة؟ وذلك الجسد، ما فائدته؟

«أجسادنا ما هي إلا السجن الذي لُعِن به الجنس البشري. الجسد، يحوي الروح، لكنه يحوي خطايانا أيضًا، يمنع تسرباتها الحبرية إلى عالمنا المادي الملموس. مع ذلك، لا أنفك عن التفكير عمّا إذا كان بمقدورنا خلع ذلك السجن والتحرر منه. إن تحرر المرء من جسده، فستتحرر كل رغباته مهما كانت. لذا تحرري منه يا أوكتاڤيا، تحرري من سجنك.»

كشرّت أوكتاڤيا، فنبرة هازل المفكرة ما فتئت أن عادت تُتلى في ذهنها. تزورها هازل أحيانًا بالمنام، وأحيان أخريات، قد تراها كلمحات عابرة تسير هنا وهناك برواق الطابق، ولا يبدو أنها بمفردها من ترى لمحات كهذه.

تشك أوكتاڤيا أن ماريا تشاركها تلك التخيلات أيضًا. عنقها يلتفت بين الفينة والأخرى لباب غرفة الاجتماعات كلما تجمع الفريق.. وكأنها تنتظر قدوم هازل.

لقد مرت دقيقة، وعاود هاتفها بالرنين، مرارًا وتكرارًا. أمها عنيدة، ومناوِرة. فقد أخذت ثوان قليلة لتجهز خطاب تأنيب مناسب قد يعتصر قلب أوكتاڤيا من فرط إحساسها بالذنب.

يا لها من خطيئة عظمى، عصيانها لأمها بدا خيارًا مستحيلًا. أوكتاڤيا التي كانت تتبع حميةً غذائية منتظمة تحت إشراف والدتها، والتي لا تفوت ساعة دون أن تهاتفها بكل تفاصيل يومها، كيف انتهى بها المطاف بأن تغلق الخط بوجه أمها؟ بل حتى أن تخلط جدول غذائها؟ هل يعقل أن لهازل تأثير في ذلك؟

استذكرت بعضًا من حديثها مع هازل. هازل، التي عند التفكير بالأمر الآن، كانت مثل طيرٍ حر في السماوات العُلى. بلا والد، ولا والدة، ولا إخوة ولا أصدقاء. حرة إلى درجة مخيفة.

بالطبع، يصعب الجزم بوجود أو إنعدام علاقات هازل خارج إطار العمل؛ لأن هازل ببساطة لا تفصح عن أي شيء غير مرتبط بالعمل وإن كان خارجه، فهو ضمن جماعة العاملين بالوكالة.

طوال فترة عمل هازل لأشهر، منذ أول لحظة أسقطت أعينها عليها أوكتاڤيا، كانت تعرف في قرارة نفسها، أنها حصلت على صديقة جديدة.

من المنعش أن يحصل المرء لنفسه على صديقة جديدة، ليس هذا وحسب، بل استطاعت هازل في تلك الفترة القصيرة، تغيير حياة طاقم العاملين وتجميعهم، سواء عرضيًا أو عن عمد، منهم ماريا، مهما أنكرت، فهي وضعت بصمتها على روحها.

تضرعٌ زائف | A False Prayerحيث تعيش القصص. اكتشف الآن