٣|أين خُبِأت جثث الأكاذيب؟

69 14 15
                                    

اليد الرؤوفة، انقلبت حارقة، لاسعة، وهي تتحسس أطراف جبينها الساقط.

اليد الرؤوفة لم تعد رؤوفة حقًا. قاسية، وخشنة، ترفع رأسها بسرعة وبلا رحمة. تستند رأس الشبح المدعوة بهازل آرماس بالعمود الحديدي الذي هي مقيدة اليدين تجاهه.

رغم عتمة الغرفة نسبيًا، ثمة نيران متأججة بعينيه، تكاد تلهب بصرها من شدته. بيد أن الدوار الذي يحوم حول تركيزها لم ينقشع بعد، مما جعل صفير أذنها أكثر ارتفاعًا.

«تنفسي.» أمرها بهدوء. كانت هازل واعية ببرودة العمود الحديدي من خلال شعرها. أغلقت جفونها لبرهة من الزمان.

«تنفسي هازل.» أمرها مرةً أخرى.

لم تدري لمّ يخاطبها بهذه النبرة من الأساس، هل بدا.. قلقًا للتو؟ إلا أن الإجابة أقبلت على هيئة انحناءات تنفسها غير المنتظم على الإطلاق. صدرها يعلو وينخفض بدرجات بعيدة كل البعد عن الطبيعية.

«لقد سمعت عن نوبات هلعك مسبقًا. هذه مرتي الأولى لرؤيتها مباشرةً.»

الصحراء في حلقها مزعجة، لذا حمحمت. «أين أنا؟»

«هل نسيتِ؟ أنتِ بمنزلك الجديد.»

تذكرت هازل أمرًا هامًا، أمرًا في غاية الأهمية كان يتوجب عليها فعله منذ أمد. يتوجب عليها أن تبكي، والآن. فورًا.

داهمتها ذكرى من بواطن ذكرياتها، تسحبها مبتلعةً إياها تنشر سمومها، وعلى إثرها تجمهرت الأدمع بمقلتيها، يغطيه صفحة مكثفة. جيشٌ صغير، لا بأس به، يتلالأ منيرًا حدقتيها.

إن كان مجال بصرها مشوشًا من قبل، فهو أكثر تشويشًا وإرباكًا في هذه اللحظة، لكنها لم تأبه. زفرت شهقة عالية، ومن بعدها توالت الشهقات. يائسة، بائسة. محتقنة بصدرها.

«رجاءً آه رجاءً، أطِلق سراحي، رجاءً أود العودة للمنزل، أتوسل إليك!»

بانت أمارات الدهشة على محياه، إنها مرته الأولى أن يشاهد حالة هازل بهذا الشكل، على الإطلاق.

لمس ثغره تبسم ضئيل، وهو يراقب اللعاب يسيل بطرف فاهها من فرط توسلاتها، ودُفِن وجهها في وحلٍ من الدموع. كانت جميلة، جميلة للغاية أثناء بكائها.

قاومت الحبال المشدودة، التي تربطها تجاه العمود الحديدي خلفها، قاومت وقاومت، تتلوى، تدفع العمود، وتجذب نفسها للأمام ومن بعدها للخلف، تسحب الهواء بجرعات عشوائية. «أتوسل إليك! ما الذي اقترفته؟ لماذا؟ لماذا أنا؟ أرجوك، أنا.. أنا لم أفعل شيء! لم أؤذيك! هل فعلت دون قصد؟ أنا أعتذر! أقدم إعتذاراتي البالغة، فقط فقط فقط أطلق سراحي! لن أخبر أحدًا، سأصمت للأبد، إن تحتم الأمر سأقضي بقية حياتي خرساء!»

ضحكة قصيرة هربت من فاهه. «أوتعلمين؟ هذه أطول محادثة حظيت بها معك منذ قدومك لدار النشر.»

تضرعٌ زائف | A False Prayerحيث تعيش القصص. اكتشف الآن