الفصل الثاني

282 32 12
                                    

مضت تلك الليلة الشتوية الدافئة و أشرقت الشمس على تغاريد العصافير المتفائلة ...

فنهضت باطمئنان و حمدت ربي أن جدتي بخير ،

كنت أنا و جدتي و حيدتين في المنزل ، لأن عائلتي قد خرجت منذ مدة في رحلة إلى بيتنا الريفي لقضاء العطلة هناك ،
و بقيت أنا عند جدتي للعناية بها ،

و بينما كنت أُعِدُّ لها طعام الإفطار إختلجت السماء فجأةً أصوات صافرات الإنذار !

و إلتج حَيُّنا بصراخ الناس !

فطُرق باب المنزل بشدة ، فهرعت مسرعة إلية و فتحته ، فإذا بإحدى جاراتنا تقول مضطربة : " سمر .. أسرعي !"

فسألتها مندهشة : " ما الأمر يا خالة ؟!"

فقالت مرتعبة :" لقد تم غزو المدينة .. علينا الهرب للملاجئ !! "

صُعقت من خبرها ، و لم أدري ما أفعل ، فجدتي لا تستطيع الحراك فكيف سأنقلها !!

حاولت الاتصال بأخي إلا أن الخطوط قد قُطعت !

و جلستُ أفكر ممسكة برأسي :" يا إلهي . . ماذا أفعل ؟
ماذا أفعل ؟
إن بقيت في بيتنا سأُعرِّضُ حياة جدتي للخطر !

و لكن كيف سأنقلها للملاجئ ؟! حالتها لا تسمح بذلك !"

أصابني الذعر و أخذت أوصالي بالارتجاف ، فقررت أن أحمل جدتي على ظهري و أنطلق بها إلى الملاجئ ...

خرجتُ إلى الشارع ، و دُهشتْ عيناي لما رأته من تلك الجموع الرهيبة من البشر الهاربة من مصير مجهول !

كُلٌ كان مشغولا بنفسه و بعائلته !

لم يكن لأحد أن يساعدني !

أو حتى ليطلب مساعدتي !

و لولا فضل الله ثم خفة وزن جدتي لما استطعت أن أحملها خطوة واحدة !

أخذت أترنح بخطوات متثاقلة ، وهدفي أن أصل بجدتي للملجأ بسلام .

انطلق الناس كلهم و تركوا بيوتهم و ممتلكاتهم !

حتى القطط التي اعتادت أن تتمشى في زوايا الحي بدت خائفةً مختبئة !

و كأنها تتنبأ بخطر عظيم !

بدأت قدماي تتألم من طول الطريق الذي كان أطول طريق مشيته في أطول يوم عشته في حياتي !

كنت أخشى على جدتي من الموت لكنني بدأت السير في جنباته !

إنه لأمر قاسٍ أن تذهب بقدميك إلى ما تخشاه !

ركعت على ركبتي من شدة الإنهاك فأنّت جدتي على ظهري !

فآلمني أنينها .. و لم أدري لما أنّت ؟!

أأنّت حبيبتي لوجعي ؟ أم لشعورها بالخطر حولي ؟!

فجعلت وجهي يلامس وجهها و حدّثتها بلطف :

" حبيبتي .. يا روح روحي .. نحن بخير .. ها قد اقتربنا .. تشجعي فأنا أريد أن أنام الليلة بين أحضانك .. و لأنا أحوج اليوم يا جدتي إليك من أي وقتٍ مضى .... "

فغصصت بالعبرة ، وسَكَتُّ حتى لا أشعرها بخوفي ثم نهضت من جديد و أكملت مسيري ،

إلى أن وصلنا إلى الملجأ الذي اكتظ بالناس اكتظاظا ، فأخذت أبحث عن مكان مناسب لنجلس فيه ، و صدف أن رأيتُ صديقة والدتي السيدة مليحة تجلس قرب أحد المداخل في الملجأ ، فاطمأننت لرؤيتي شخصاً أعرفه ،

أسرعت إليها ...

فابتهجتْ لرؤيتي و ساعدتني في إنزال جدتي عن ظهري ثم دعت لي بالبركة و قالت :
" هل اتصلت بأهلك يا سمر ؟ "

فهززت رأسي و أنا أهيئ جدتي للاستلقاء ، و قلت بصوت متقطع : " لم أستطع التحدث إليهم "

فنظرت إليّ بشفقة و قالت : " أوه .. يا عزيزتي لقد تكبدت عناء كبيرا .. ارتاحي الآن "

فقعدتُ و ساندت ظهري على أحد الأعمدة ، لم أصدق أنني استطعت أن أجلس أخيرا ، و أخذت ألتقط أنفاسي بلهفة ، لدرجة أنني لا أستطيع سماع ما تقوله السيدة مليحة ، شعرت و كأن غشاوة سوداء تحجب عن عيني الرؤية فغفوت لبرهة !

حياتي أنا    #مسابقة قلم ينبضحيث تعيش القصص. اكتشف الآن