مضت تلك الليلة الشتوية الدافئة و أشرقت الشمس على تغاريد العصافير المتفائلة ...
فنهضت باطمئنان و حمدت ربي أن جدتي بخير ،
كنت أنا و جدتي و حيدتين في المنزل ، لأن عائلتي قد خرجت منذ مدة في رحلة إلى بيتنا الريفي لقضاء العطلة هناك ،
و بقيت أنا عند جدتي للعناية بها ،و بينما كنت أُعِدُّ لها طعام الإفطار إختلجت السماء فجأةً أصوات صافرات الإنذار !
و إلتج حَيُّنا بصراخ الناس !
فطُرق باب المنزل بشدة ، فهرعت مسرعة إلية و فتحته ، فإذا بإحدى جاراتنا تقول مضطربة : " سمر .. أسرعي !"
فسألتها مندهشة : " ما الأمر يا خالة ؟!"
فقالت مرتعبة :" لقد تم غزو المدينة .. علينا الهرب للملاجئ !! "
صُعقت من خبرها ، و لم أدري ما أفعل ، فجدتي لا تستطيع الحراك فكيف سأنقلها !!
حاولت الاتصال بأخي إلا أن الخطوط قد قُطعت !
و جلستُ أفكر ممسكة برأسي :" يا إلهي . . ماذا أفعل ؟
ماذا أفعل ؟
إن بقيت في بيتنا سأُعرِّضُ حياة جدتي للخطر !و لكن كيف سأنقلها للملاجئ ؟! حالتها لا تسمح بذلك !"
أصابني الذعر و أخذت أوصالي بالارتجاف ، فقررت أن أحمل جدتي على ظهري و أنطلق بها إلى الملاجئ ...
خرجتُ إلى الشارع ، و دُهشتْ عيناي لما رأته من تلك الجموع الرهيبة من البشر الهاربة من مصير مجهول !
كُلٌ كان مشغولا بنفسه و بعائلته !
لم يكن لأحد أن يساعدني !
أو حتى ليطلب مساعدتي !
و لولا فضل الله ثم خفة وزن جدتي لما استطعت أن أحملها خطوة واحدة !
أخذت أترنح بخطوات متثاقلة ، وهدفي أن أصل بجدتي للملجأ بسلام .
انطلق الناس كلهم و تركوا بيوتهم و ممتلكاتهم !
حتى القطط التي اعتادت أن تتمشى في زوايا الحي بدت خائفةً مختبئة !
و كأنها تتنبأ بخطر عظيم !
بدأت قدماي تتألم من طول الطريق الذي كان أطول طريق مشيته في أطول يوم عشته في حياتي !
كنت أخشى على جدتي من الموت لكنني بدأت السير في جنباته !
إنه لأمر قاسٍ أن تذهب بقدميك إلى ما تخشاه !
ركعت على ركبتي من شدة الإنهاك فأنّت جدتي على ظهري !
فآلمني أنينها .. و لم أدري لما أنّت ؟!
أأنّت حبيبتي لوجعي ؟ أم لشعورها بالخطر حولي ؟!
فجعلت وجهي يلامس وجهها و حدّثتها بلطف :
" حبيبتي .. يا روح روحي .. نحن بخير .. ها قد اقتربنا .. تشجعي فأنا أريد أن أنام الليلة بين أحضانك .. و لأنا أحوج اليوم يا جدتي إليك من أي وقتٍ مضى .... "
فغصصت بالعبرة ، وسَكَتُّ حتى لا أشعرها بخوفي ثم نهضت من جديد و أكملت مسيري ،
إلى أن وصلنا إلى الملجأ الذي اكتظ بالناس اكتظاظا ، فأخذت أبحث عن مكان مناسب لنجلس فيه ، و صدف أن رأيتُ صديقة والدتي السيدة مليحة تجلس قرب أحد المداخل في الملجأ ، فاطمأننت لرؤيتي شخصاً أعرفه ،
أسرعت إليها ...
فابتهجتْ لرؤيتي و ساعدتني في إنزال جدتي عن ظهري ثم دعت لي بالبركة و قالت :
" هل اتصلت بأهلك يا سمر ؟ "فهززت رأسي و أنا أهيئ جدتي للاستلقاء ، و قلت بصوت متقطع : " لم أستطع التحدث إليهم "
فنظرت إليّ بشفقة و قالت : " أوه .. يا عزيزتي لقد تكبدت عناء كبيرا .. ارتاحي الآن "
فقعدتُ و ساندت ظهري على أحد الأعمدة ، لم أصدق أنني استطعت أن أجلس أخيرا ، و أخذت ألتقط أنفاسي بلهفة ، لدرجة أنني لا أستطيع سماع ما تقوله السيدة مليحة ، شعرت و كأن غشاوة سوداء تحجب عن عيني الرؤية فغفوت لبرهة !
أنت تقرأ
حياتي أنا #مسابقة قلم ينبض
Short Storyأريد أن أبقى معك و أن تبقين معي إلى الأبد … لا تغادريني رجاءً … فلستُ أقوى أن أعيش في حياة لستِ أنتِ بها ! فأنتِ … حياتي أنا ! جميع الحقوق محفوظة للمؤلفة Waalrd حقوق لوحة الغلاف محفوظة ...