أطلقت الصافرات معزوفتها الكريهة مرة أخرى لتُعلن بداية القصف الجوي ، فنهض الطبيب عمر مفزوعا :
" بقاؤنا هنا فيه خطورة كبيرة ، علينا الذهاب حالا "فهززت رأسي بالإيجاب و أنا أشد خصري بحزام سكينٍ صغيرة قد نُقش على غمدها حروف هيروغلوفية غريبة ،
كنت قد وجدتها في أحد أدرج طاولات المكتبة !فلمحها الطبيب عمر و قال مستغربا : " ستقاتلين ؟! "
فأجبته حازمةً : " لن أتوانى إذا لزم الأمر ! "
فاقترب مني و أمسك يدي بكلتا يديه شاداً عليها قائلاً بنظرات شفقه " أتمنى ألا تحتاجي لفعل ذلك أبدا "
فاستللت يدي من بين يديه و قد احمرت وجنتاي خجلا ثم سبقته للباب !
و ما إن هممنا بالخروج من المبنى ، حتى راعنا مشهد القنابل العنقودية و هي تسقط بعشوائية ،
متلألأةً في السماء باحتفاليةٍ مهيبة تنذر بتأبين أرواحنا !!لم يكن أمامنا سوى الجري بلا توقف مدركين بأننا نساق إلى الموت سوقاً !
و ما هي إلا لحظات حتى وقع انفجار كبير كاد يثقب طبلة أذني من شدته ،
فتجمدت مذهولةً في مكاني و أنا أشاهد برج ساعة مدينتنا الشامخ يتناثر أمامي !فإذا بذراعي الطبيب عمر تلتف حولي لتقذف بي من على هاوية أحد الجسور بينما مزقت شظايا الانفجار جسده !!
و سقطت أنا لتبتلعني مياه النهر !!!
شعرت برئتي تتفجر و هي تتجرع الماء تجرعاً !!
ثم أصبحت عاجزة عن الإدراك و كأن كل شيء قد انطفأ !
و أحسست أني أغوص في ظلامٍ أبدي لا نهاية له !!
لولا قبس النور الذي اخترقه فجأة !
لأجد نفسي مرتمية على ضفاف النهر و أنا لا أدري بعد هل مازلت على قيد الحياة أم أن روحي قد انفصلت عن جسدي !!
نهضت بتثاقل و بخطوات مترنحة بدأت بالسير على غير هدى ...
بدى المكان مهجورا و الجو ساكنا ...
كان قلبي يعتصر ألما لفقد شيئا لا أتذكر ما هو !
و كأنه مُسح عمدا من ذاكرتي !!
مشيت بين أشجار كثيفة كالغابات إلى أن انتهى بي المطاف بمبناً قديم ،
فقُبض قلبي بشدة و أحسست أن ضالتي موجودةٌ فيه !!
فأسرعت راكضةً داخل المبنى لأجد جمع غفير من الناس ما بين فرحٍ و بائس و باسمٍ و عابس !!
دخلت بينهم و أنا أتلفت لا أدري عما أبحث ، فإذا بي ألمح السيدة مليحة ، فشهقت صارخةً : " جدتي .. جدتي !! "
فهرولتُ إليها و ضممتها ، فقالت بعيون دامعة : " لما غبت يا سمر لما لما ؟ "
قاطعتها : " أين جدتي .. أين هي ؟ "
فنظرت إليّ بحزن و قبل أن تتكلم ...
أجهشتُ بالبكاء منهارة : " لا لا .. لا تقولي ... لا تقولي أنها فارقت الحياااة "
و كاد قلبي أن يذبل...
لولا قبضة اليد ذاتها التي حطت على كتفي تحط من جديد !!
و بصوتٍ هز قلبي : " لا .. لم تمت إنها بخير و بصحة جيدة !! "
فالتفت خلفي و أنا أصيح فرحة : " عمر !! "
فضحك بوجه البشوش المشبع بالجروح و الكدمات ! و فتح ذراعيه لي و قال : " نعم بشحمه و لحمه و صلعته !! "
فامتزج بكائي و ضحكي ، وتجاهلت ذراعيه المفتوحتين ، و صحت به : " خذني لجدتي "
و ما إن اقتربت منها حبيبتي حتى بدأ قلبي يطرق طرقاً و كأنه سينخلع من قفصه !
فمدت يديها إلي ما إن رأتني !!
و هتفت باسمي !!
فانكببت عليها أقبلها و أضمها : " جدتي يا روح روحي .. أنت حياتي أنا .. سامحيني لأني تركتك لوحدك أنا أحبك أحبك لن أبتعد عنك بعد اليوم يا حبيبتي فديتك ! "
و بعد عدة أسابيع أمضيناها في ذلك الملجأ ، وضعت الحرب أوزارها ..
تلك الأوزار التي لن نغفرها أبدا ، بل سيحاسب عليها كل من اقترفها عند الملك الجبار سبحانه !
توقفت الحرب لا غالب فيها و لا مغلوب .. حيث لا انتصار أبداً و لا فوزاً إلا بالسلام !
و عدت مع جدتي لبيتنا ، و رجع أهلي من سفرهم، و عادت حياتنا الطبيعية لمجراها من جديد ..
و أصبحت صحة جدتي أفضل بكثير ،
أما أنا ....
فَنَبْتَتُ الحبِ التي قد بُذرت في قلبي كبرت و نمت و كان اسمها (( عمر )) !!
النهاية .
أنت تقرأ
حياتي أنا #مسابقة قلم ينبض
Nouvellesأريد أن أبقى معك و أن تبقين معي إلى الأبد … لا تغادريني رجاءً … فلستُ أقوى أن أعيش في حياة لستِ أنتِ بها ! فأنتِ … حياتي أنا ! جميع الحقوق محفوظة للمؤلفة Waalrd حقوق لوحة الغلاف محفوظة ...