الفصل الخامس

271 33 52
                                    

أطلقت الصافرات معزوفتها الكريهة مرة أخرى لتُعلن بداية القصف الجوي ، فنهض الطبيب عمر مفزوعا :
" بقاؤنا هنا فيه خطورة كبيرة ، علينا الذهاب حالا "

فهززت رأسي بالإيجاب و أنا أشد خصري بحزام سكينٍ صغيرة قد نُقش على غمدها حروف هيروغلوفية غريبة ،
كنت قد وجدتها في أحد أدرج طاولات المكتبة !

فلمحها الطبيب عمر و قال مستغربا : " ستقاتلين ؟! "

فأجبته حازمةً : " لن أتوانى إذا لزم الأمر ! "

فاقترب مني و أمسك يدي بكلتا يديه شاداً عليها قائلاً بنظرات شفقه " أتمنى ألا تحتاجي لفعل ذلك أبدا "

فاستللت يدي من بين يديه و قد احمرت وجنتاي خجلا ثم سبقته للباب !

و ما إن هممنا بالخروج من المبنى ، حتى راعنا مشهد القنابل العنقودية و هي تسقط بعشوائية ،
متلألأةً في السماء باحتفاليةٍ مهيبة تنذر بتأبين أرواحنا !!

لم يكن أمامنا سوى الجري بلا توقف مدركين بأننا نساق إلى الموت سوقاً !

و ما هي إلا لحظات حتى وقع انفجار كبير كاد يثقب طبلة أذني من شدته ،
فتجمدت مذهولةً في مكاني و أنا أشاهد برج ساعة مدينتنا الشامخ يتناثر أمامي !

فإذا بذراعي الطبيب عمر تلتف حولي لتقذف بي من على هاوية أحد الجسور بينما مزقت شظايا الانفجار جسده !!

و سقطت أنا لتبتلعني مياه النهر !!!

شعرت برئتي تتفجر و هي تتجرع الماء تجرعاً !!

ثم أصبحت عاجزة عن الإدراك و كأن كل شيء قد انطفأ !

و أحسست أني أغوص في ظلامٍ أبدي لا نهاية له !!

لولا قبس النور الذي اخترقه فجأة !

لأجد نفسي مرتمية على ضفاف النهر و أنا لا أدري بعد هل مازلت على قيد الحياة أم أن روحي قد انفصلت عن جسدي !!

نهضت بتثاقل و بخطوات مترنحة بدأت بالسير على غير هدى ...

بدى المكان مهجورا و الجو ساكنا ...

كان قلبي يعتصر ألما لفقد شيئا لا أتذكر ما هو !

و كأنه مُسح عمدا من ذاكرتي !!

مشيت بين أشجار كثيفة كالغابات إلى أن انتهى بي المطاف بمبناً قديم ،

فقُبض قلبي بشدة و أحسست أن ضالتي موجودةٌ فيه !!

فأسرعت راكضةً داخل المبنى لأجد جمع غفير من الناس ما بين فرحٍ و بائس و باسمٍ و عابس !!

دخلت بينهم و أنا أتلفت لا أدري عما أبحث ، فإذا بي ألمح السيدة مليحة ، فشهقت صارخةً : " جدتي .. جدتي !! "

فهرولتُ إليها و ضممتها ، فقالت بعيون دامعة : " لما غبت يا سمر لما لما ؟ "

قاطعتها : " أين جدتي .. أين هي ؟ "

فنظرت إليّ بحزن و قبل أن تتكلم ...

أجهشتُ بالبكاء منهارة : " لا لا .. لا تقولي ... لا تقولي أنها فارقت الحياااة "

و كاد قلبي أن يذبل...

لولا قبضة اليد ذاتها التي حطت على كتفي تحط من جديد !!

و بصوتٍ هز قلبي : " لا .. لم تمت إنها بخير و بصحة جيدة !! "

فالتفت خلفي و أنا أصيح فرحة : " عمر !! "

فضحك بوجه البشوش المشبع بالجروح و الكدمات ! و فتح ذراعيه لي و قال : " نعم بشحمه و لحمه و صلعته !! "

فامتزج بكائي و ضحكي ، وتجاهلت ذراعيه المفتوحتين ، و صحت به : " خذني لجدتي "

و ما إن اقتربت منها حبيبتي حتى بدأ قلبي يطرق طرقاً و كأنه سينخلع من قفصه !

فمدت يديها إلي ما إن رأتني !!

و هتفت باسمي !!

فانكببت عليها أقبلها و أضمها : " جدتي يا روح روحي .. أنت حياتي أنا .. سامحيني لأني تركتك لوحدك أنا أحبك أحبك لن أبتعد عنك بعد اليوم يا حبيبتي فديتك ! "

و بعد عدة أسابيع أمضيناها في ذلك الملجأ ، وضعت الحرب أوزارها ..

تلك الأوزار التي لن نغفرها أبدا ، بل سيحاسب عليها كل من اقترفها عند الملك الجبار سبحانه !

توقفت الحرب لا غالب فيها و لا مغلوب .. حيث لا انتصار أبداً و لا فوزاً إلا بالسلام !

و عدت مع جدتي لبيتنا ، و رجع أهلي من سفرهم، و عادت حياتنا الطبيعية لمجراها من جديد ..

و أصبحت صحة جدتي أفضل بكثير ،

أما أنا ....

فَنَبْتَتُ الحبِ التي قد بُذرت في قلبي كبرت و نمت و كان اسمها (( عمر )) !!

النهاية .

🎉 لقد انتهيت من قراءة حياتي أنا #مسابقة قلم ينبض 🎉
حياتي أنا    #مسابقة قلم ينبضحيث تعيش القصص. اكتشف الآن