الرسالة الثانية.

97 23 5
                                    

«امنحهم خصوصيتهم كما ينبغي.»

_

مساء النور والدايّ، أما بعد ابنكم لم يعد يعرف كيف يترك مساحة لنفسه، ماذا يقول وماذا لا يقول، ما هي الأسرار وما هي الأخبار.

لم يعد يعرف كيف ينزوي ليخرج حزنه المكبوت، لأنه عاش على قانون إغلاق الباب ممنوع.

ولم يعد يعرف كيف يبتعد حتى يهدأ غضبه ويتحسن مزاجه لأنه عاش على قانون الابتعاد بلا سبب وجيه ممنوع. _ ولأن هذا ليس واحدًا وجيهًا بنظركم_

كذا لم يعد يعرف أن يحكم كلامه حين الانفعال، لم يكن تترك له مساحة للصمت والتفكير، كان عليه التبرير والتبرير، لم يكن يُسمح له أن يخفِي أسباب إنزعاجه حين لا يشعر بالراحة من قولها.

حين يتحدث يتحدث بالأسرار، ويصبح كخائن الأمانة وشخصًا غير موثوق به، لأنكم جعلتم حياته بابًا مفتوحًا لكم تدخلون منه وتخرجون كما ينبغي فلم يعد يعرف ما هي الأشياء التي يجب عليه إخفاؤها وما هي الأشياء التي يجب أن يقولها.

في علاقاته مع أصدقائه، لا يكف عن الحديث عن مشاكل البيت أو مشاكل العائلة، حتى مشاكل الأفراد الخاصة يقولها، لأنه اعتاد أن مشاكله تروى كقصص ليلية في السهرة، وحزنه يتداول على لسان الأقارب، ينتقدونه ويقيمونه ويحللونه كما تهوى أنفسهم.

في عمله تمت سرقة ملفاته، لأنه ببساطة لم يُغلق درج مكتبه بمفتاحه، هل تعرفان لمَ؟ إغلاق أدراجه، خزانته، ومكتبه أمر ممنوع شبّ عليه.

حلّ الليل يا والدايّ، وأنا مُقدرٌ لخوفكما في السابق، قلقكما وربما إنعدام ثقتكما بي، لكن ذكّراني حين أكبر ويصبح لي أبناء، ذكّراني ألا أتملّكهم، لأن أبنائي هم أبنائي وليسوا ممتلكاتي الخاصة أتصرف بهم كما أشاء.

كوني والدهم لا يجعلني مالكهم إنما المسؤول عنهم، وأنا لم أكن ملكًا لكما يا والداي.

كبرتُ وأنا أخافُ أن أخفِي ما يجب إخفاؤه، والآن حياتي كلها تُعرضُ للعامة كأنها مسلسل وثائقي مستمر حتى مماتي.

صوري لا أستطيع الاحتفاظ بها في هاتفي، دائما ما تنسل أصابعي مني لنشرها.

مواقف حياتي المحرجة حتى، تجدني أقولها لكل من هب ودب، يومياتي لا أكتبها في مفكرة، أكتبها في رسائل الآخرين.

والدايّ بأحيانٍ أخرى، كنتُ أمتنع عن الكلام تمامًا، خائفٌ من أن أتحدثَ فأخطئ، لأنني غير قادرٍ على التفكير، ما هي الأسرار، وما هي الأخبار.

نهايةً يا والدايّ، نحن لا نتشابه.

_

توضحُ الرسالة أهم النقاط التي تؤثر على شخصية الطفل حين يقتحم والداه خصوصيته تحت بند أنه ابنهم ولا أسرار بين أفراد العائلة ومنها:

- حدوث خلل في علاقة الطفل بوالديه.

- تواجد مشاكل في الثقة بينهما، فيكبر الطفل وبرأسه أن والداه لا يثقان به.

- يصبح الطفل إما كثير الكلام ويقول كل شيء ولا يمتلك ثقافة نحو مفهوم الخصوصية، فتكون حياته عرضة للمارة وفلم يتداول على لسان الناس.

- وقد يصبح الطفل شخصًا كتومًا نادر التحدث لا يتكلم خوفًا من أن ينطق بشيء لا يجب أن يتم النُطقُ به، لأنه يعرف تمام المعرفة أن كل الأشياء لا تُقال لكنه عاجز عن تحديدها تمامًا.

- سيسعى الطفل لمحاولة تملك أي شيء ويمنع الآخرين من استخدامه، مثل هذا القلم خاص بي، وقد تحدث مشكلة كبيرة إن لمسه، وكما قلنا بأحيان أخرى قد تكون كل ممتلكاته متاحة للعامة، وهذا لأن البشر يختلفون.

- يمتلك الطفل مشاكلًا بالتعبير والتحدث عن المشاكل، لأن إنعدام الخصوصية يجعل المحيطون به يعرفون، وهذا يجعله يفكر ما إن كان ينبغي أن يتحدث بالمشكلة بالرغم من أنهم يعرفون ولا يتخذون رد فعلٍ تجاه الأمر.

- يجب أن يكبر الطفل ومعه مساحة خصوصية ولو ضئيلة جدًا، لأن الإنسان ليس ملكًا لأحد ولا حتى لوالديه.

_

شاركوني أشياء أخرى تودون أن تخبروها لوالديكم، نصائح أو رسائل.

أنا أقرأ التعليقات كلها وآخذها بعين الاعتبار، وسأحرص على توظيفها في الفصول القادمة.

نبهوني إن نسيتُ شيئًا أو قلتُ شيئًا خاطئًا.

- وريم.

ثلاثون رسالة لوالديك.حيث تعيش القصص. اكتشف الآن