تمددت كتبٌ وأوراق متبعثرة على مكتب دراسي تنتظر شخصًا يُطالعها بجدية لأقتراب امتحان مصيري، وهذا الشخص بالتأكيد لن يكون الجالسة امام المكتب تُناظر ما أمامها بعينان بينما عقلها قد هبط في كوكبٍ آخر، يسميه الغالبية خيال. تتخيل نفسها واقفة على منصة التخرج وتمسك بشهادة تخرجها بالمركز الأول ويتم تسلميها سيارةً هدية لما تكبدتهُ من جهودٍ سخية في سبيل مستقبلها، لكن شتانٌ كبير بين التي تعبت لأجل تلميع مستقبلها، وبين التي لمعت ذقنها بلعابها من فرط الخيال.
ضاع عقلها بين رفوف نشوة التخيل، وكأنه احد انواع المخدرات التي تهرب بواسطته من واقعها القاسي، المتمثل بالكلمات التي خُطّت على أوراق الكتب، والتي من المفترض ان تحفظها وتبذل جل طاقتها في فهمها ومراجعتها، لكن يبدو أنها فضلت ان تبذل طاقتها وتضييع وقتها على تخيل ما لا تحاول ان تبذل جهدًا لحدوثه. مثيرة للشفقة، استسلمت قبل ان تحاول حتى، انسحبت من المعركة لظنها الخصم عدو، لا تُدرك بأنهُ الذي سيوصلها لقمة احلامها التي تعيش داخلها الآن.
ايقظها من قُعر تخيلاتها طرقٌ قوي على الباب وصوتٌ يصيح، انها أُمها تتأكد من كونها تدرس بدل لهوها على الهاتف، أخبرتها أنها لا تفعل بنبرةٍ صادقة وقَسم، كان هذا كافي ليُبدد شك الأم، لكن براءة الأم جعلتها غافلة عن كون أبنتها اقسمت فقط على جزئية الهاتف وليس جزئية الدراسة..فأبنتها لم تلتهي بهاتفها بل بخيالها، ولم تكن تعرف بأنه أخطر من الهاتف حتى.
صفعت وجهها ومسحت لعابها بعزم دراسي مدعوم بدعواتٍ داخلية حتى ينتشلها شيء ما من العذاب الذي وجدت نفسها وسطه، وقد اُستجيبت دعوتها بأسرع مما كانت تتوقع على هيئة اتصال من صديقتها المقربة ليدرسا معًا، لكن ما خُفي أعظم.. فلم تكُن هذه ألا حجه يُحاولان اقناع نفسيهما بها حتى ينتهزا الفرصة وتضييع الوقت على المحادثات الفارغة والتي جمعت اهتماماتهما سويًا، كالمسلسلات والأفلام والكتب و الموسيقى ،فيناقشان بشأن سلسلة روايات، وينصحان بمسلسلٍ قصير، ويثرثران بشأن وسيمي الأفلام، ويبدأن بالغناء مع الموسيقى، وجائتا بذكر كل حدثٍ مر بحياتهما عدا مواضيع الفيزياء التي تصرخ طلبًا لفتحها، وكل هذا و والدتيهما المسكينتين تظنان بهما أجمل الظنون.
مرت الثواني، ثم الدقائق، فتليها الساعات، وكادَ الزمن يمتد لأيام ومحادثتهم لم تنتهي بعد ولا يبدو أنها كانت لتنتهي في وقتٍ قريب لو لم يداهم الضمير الدراسي صدر الفتاة عندما حولت نظراتها بإتجاه الساعة، وادركت بأن الآوان فات لا محالة، وأن سيف الوقت قد قطعها قبل أن تتمكن من قطعه. الساعة قد شارفت على منتصف الليل وهي لم تدرس من الفيزياء سوى فصلٌ واحد!!، لحظة الإدراك هذه جعلتها تهلع وتغلق هاتفها بسرعة غير آبهة برأي صديقتها، وأسرعت بأصابع مرتجفة وأسارير فزعة أمساك القلم ومحاولة الدراسة.
لا فائدة.. لا فائدة.. لا فائدة!!، سترسب! هذا هو مصيرها! وفكرَتْ..بدلًا من التعلق بأملٍ زائف وفعل المستحيل بدراسة التسع فصول متبقية بمدةٍ زمنية قصيرة.. ألا يجب عليها تهيئة نفسها للصدمات النفسية التي ستصاب بها في الغد؟. حتى في هذه اللحظات الحرجة تبحث عن اقل الثغرات للتهرب من الدراسة!.
أنت تقرأ
كامل جهودي والحلم
Historia Cortaالفتاة التي لهت ولعبت بما فيه الكفاية.. حان وقت ندمها لانها لم تدرس.. -قصة قصيرة-