حبيبة المطر

41 22 4
                                    


حبيبة المطر، إحترسي إن قطراته قاسية وباردة
تكسر الحجر ولو بعد سنين.











علمتنا أمي أن لا نركض وراء الفراشات، أن لا نقطف الزهر في الحقول وأن نحسب خطواتنا في طريق العودة من دار التعليم .
خمسة عشرة ألاف خطوة، كمقياس للوقت، إذا نقصت أو زادت سترتاب أمي فتقف أمام باب المنزل مع وشاح أزرق سماوي ذو أطراف مزينة بتطريز من الزهور الرصاصية خافية ملامحها الغسقية ماعدا عيونها التي تلونها النار المتقدة بينما تضع يدها اليمنى على قلبها و تكرر كلماتها هذه

"فلتحترق كل الأيادي الآثمة "

في بعض الأيام، عند أواخر الليل وبدايات الصباح كنت أرى أمي تتفقد أغطية أختي الكبرى بينما تحادثها بصوت خافت

"لا تدعي أحدا يشعر بك و الألم سر وجودنا ، يا أيلول لا تخبري الأرض بربيعك "

لتستبدل ثوبها السماوي البهيج بلون آخر غامق منطفئ على الأرجح فستان ليلي خالي من النجوم ، بصراحة مطلقة لم أحبذ يوما هذه الألوان عليها وكيف أنها تغدو شاحبة الملمح، تخفي ألمها المكبوت بإبتسامتها بينما تمنحني حصتها من الطعام قائلة "أن لاشهية لها " و أقول لها " يا لحظي ".

يا لحظي يا حبيبة الأرض، كلما قل إدراكنا لبعض من الأمور زاد حظنا في هذه الحياة، لأنه أنا وأنتي نعلم جيدا إلى أين سيقودنا هذا الإدراك ، حتى وإن كان في أصله إدراكا ناقصا.

في بعض الأيام، اعتدت على سماع بعض من الصرخات صرخات فحواها العودة
من يعود ؟
متى ذهب ليعود !
يسرقنا العمر والحياة على حين غرة
في تلك الايام الجائرة كنا نطفئ الشموع ، نغلق النوافد ، نسدل الستائر ونصمت كما اعتدنا دوما.
الصمت و الإختباء، صفتان تعلمتهما منذ الصغر.
عندما كنت فالخامسة تعلمت أن لا أخاف الظلام ولا أطيافه أو خيالاته الموحشة .
في سن الخامسة تعلمت أن بعضنا يهاب الظلام وبعضنا يهاب الضوء.
هناك في هذه الأرض الشاسعة من شدة ما صفعته الحياة بصفعاتها اللامتناهية من بعيد أو قريب ، أضحت الطمأنينة هاجسا من هواجسه وكابوسا يلاحقه في نومه ويقظته .
أمي بدت دوما مظطربة والقلق لا يفر محياها ، بينما يأتي العم نيار للبيت ستلعب معنا لعبة كالغميضة
قانونها بسيط أن لا ندع العم نيار يسمع أصواتنا أو يلمح أطرف أثوابنا ، لهذا سنختبأ أسفل السرير و نصمت، على أنفاسنا أن تكون هادئة كأجسادنا تماما. إذا نجحنا باللعبة ستمنحنا والدتي أطواقا من زهر الياسمين الفواحة لنزين بها خصلات شعرنا الترابية الطويلة، طبعا داخل المنزل فقط .
داخل جدرانه التي تمنحنا الكثير من الدفئ وفي كثير من الأحيان كثيرا من الضيق.
يجب علينا دوما الفوز لأنه إذا خسرنا فسيأخذنا الوحش بعيدا وسيطعمنا لحيوانات الغابة، سيذبل الزهر وستحزن أمي كثيرا وترحل نحو السماء .

SPRING || الربيعحيث تعيش القصص. اكتشف الآن