كانت ( تلمذ ) الابنة الوحيدة لكبير شيوخ قبيلة( القنيان ) وعلى الرغم من ضخامة تلك القبيلة من حيث عدد الشياطين المنتسبين إليها إلا أن الشياطين المحسوبة من طبقة الشيوخ والأمراء كانت محدودة ومحصورة في كبار القوم وأولادهم فقط وأبو ( ملاز ) كان واحداً من هؤلاء الشيوخ الكبار لكنه لم يكن أعلى شأناً من أبو ( تلمذ ) الذي كان على رأس الهرم في تلك القبيلة ، اعتاد شيوخ القبيلة من وقت لآخر الاجتماع فيما بينهم بحضور أبنائهم فقط دون تواجد أي من الشياطين الأخرى وكانوا في تلك الاجتماعات يناقشون أحوال القبيلة بشكل عام بينما كان أبناؤهم وبناتهم من الأمراء يختلطون فيها بينهم ويمارسون بعض العادات المتوارثة مثل الرقص والغناء والتي غالباً ما تقود لزواج مبارك من شيوخ القبيلة ، لم يكن ( ملاز ) من محبين هذه التجمعات وينتظر بفارغ الصبر انتهاءها على عکس ( تلمذ ) التي كانت تعشقها وتستغل كل تجمع لاستعراض زينتها وتفننها في الرقص أمام بقية أبناء وبنات شيوخ القبيلة لإثارة الغيرة في قلوب بناتها والفتنة في أعين أبنائها ، كانت ( تلمذ ) تمارس هواية الرقص مع أمير معين تختاره عشوائياً لتوهمه بأن لديه فرصة في الارتباط بها حتى توصله لمرحلة ما وتتركه بعدما تسمعه كلاماً جارحا ، لم يكن أحد من الأمراء يستطيع رفض طلبها لجمالها ونسبها وفي نفس الوقت يقاومون رغبة الرد عليها عندما تحرجهم أمام أقرانهم لذات السبب حتى جاء اليوم الذي دنت فيه ( تلمذ ) واقتربت من ( ملاز ) الذي كان يتحدث مع أحد أخوته الكبار الذين كان يبلغ عددهم ثانية هو أصغرهم وقامت بالتودد إليه ولكنه لم يعرها بالا وكانت تلك سابقة في عهد ( تلمذ ) ، ومع تكرار محاولاتها في لفت نظر ( ملاز ) واستمراره في تجاهلها بدأ الأميرات والأمراء الأخرين بالضحك عليها مما أثار غضبها ودفعها للتلفظ على ( ملاز ) الذي لم تجد منه إلا لطمة على وجهها أسقطتها أرضاً وسط ضحكات من كانوا حولها خاصة من الأميرات ، أمسك أخو ( ملاز ) الأكبر به
وقال له بغضب : هل جننت ؟ ! .. كيف تضرب ابنة زعيم القبيلة ؟!
( ملاز ) وهو ينظر لـ ( تلمذ )
مبتساً : لعلها تفيق من غيبوبتها ؟
نهضت ( تلمذ ) وهي تكيل لـ ( ملاز ) الشتائم
ثم وجهت سبابتها نحوه مهددة بغضب : لقد حكمت على نفسك بالموت أيها الوضيع !!
( ملاز ) وهو ينظر لـ ( تلمذ ) بازدراء ويبتسم : وماذا ستفعلين يا مدللة ؟
ضحكت الشياطين المحيطة بـ ( تلمذ ) منها مرة أخرى مما دفعها للبكاء والخروج من مكان تجمعهم والتوجه لمكان تجمع شيوخ القبيلة وهي تبكي وتصرخ فما كان من أبيها إلا أن قطع حديثه
وسألها : ما بك يا ابنتي ؟! حكت ( تلمذ ) ما فعله ( ملاز ) معها وبالغت في إظهار الاستياء كي يزداد غضب أبيها وهو ما حدث بالفعل فقد أمهل شيخ القبيلة أبو ( ملاز ) يوماً واحداً فقط كي ينزل به عقوبة ترضي ابنته فقال وهو ينهض : سیلقی ابني العقاب الذي يرضيك ويرضي الأميرة ( تلمذ ) .. خرج أبو ( ملاز ) وذهب للمكان الذي كان الأمراء متجمعين فيه وهو غاضب وتوجه مباشرة لـ ( ملاز ) وصفعه وهو يقول : لقد ألحقت العار بي وبإخوتك !! ( ملاز ) بغضب : هل تضربني لأجل تلك المدللة ؟ ( أبو ملاز ) وهو يوجه صفعة ثانية لأبنه : وسأقتلك لو تطلب الأمر !
( ملاز ) ووجهه بدأ ينزف : افعل ما يرضيك يا أبي . أمر ( أبو ملاز ) أبناءه بربط أخيهم في شجرة معمرة كانت قريبة من الوادي الذي كانت القبيلة تستوطنه وقال : ستبقى مربوطاً في تلك الشجرة حتى يصفح عنك شيخ القبيلة ! نفذ أخوة ( ملاز ) ما طلبه أبوهم منهم وقال أحد أخوته قبل رحيلهم عنه لا تقلق سنتحدث مع أبينا عندما يهدأ . ( ملاز ) : لا تتحدثوا معه به أبداً ! ( أخو ملاز ) : لماذا ؟ ( ملاز ) : إذا كان هو قد رضي على نفسه المهانة في إطاعة رغبات فتاة مدللة فالموت علي أهون من أصبح مثله ! ( أخو ملاز ) : حسناً .. حسناً اهدأ الآن واترك لنا الأمر . بقي ( ملاز ) مربوطاً في الشجرة المعمرة لأيام ولم يزره أحد حتى زارته ( تلمذ ) في إحدى الليالي وقالت له وهي تبتسم بسخرية : هل تعلمت الدرس جيداً يا ( ملاز ) ؟ لم يرد ( ملاز ) على ( تلمذ ) واكتفى بالنظر إليها بنظرات اشمئزاز .. ( تلمذ ) بغضب : لماذا تنظر إلى هكذا ؟ ( ملاز ) يشيح بنظره عن ( تلمذ )وهي تبتسم : ألهذا الحد تكرهني ؟
( ملاز ) بتجهم دون أن ينظر لـ ( تلمذ ) : الكره شعور لا تستحقينه أنا مشفق على حالك لا أكثر ..
( تلمذ ) وهي تبتسم : لست أنا المربوطة في شجرة كالدابة .
( ملاز ) وهو يعيد نظره لـ ( تلمذ ) : أنت المربوطة بقيد لن تتخلصي • منه أبداً ..
( تلمذ ) وهي تبتسم بسخرية : عن أي قيد تتحدث ؟ ( ملاز ) : قيد الخواء ..
( تلمذ ) : الخواء ؟
( ملاز ) : حياتك تافهة وخاوية ولا معنى لها تنبهرين بالألون ووميض النار فقط .. مثل الذباب تماماً .. بل الذباب قد يكون أنفع .. لن تتذوقي حلاوة الحياة لأنك لم تتذوقي مرارتها وظلمها من قبل ..
( تلمذ ) وهي تضحك : وأنت أيها الأمير ماذا تعرف عن مرارة الحياة وظلمها ؟!
( ملاز ) : أعرف أن أبي صفعني لأول مرة في حياته لأجل حشرة مثلك خوفاً من أبيك ولا مرارة أكثر من ذلك يمكن أن أتذوقها . تغير وجه
( تلمذ ) بعد كلام ( ملاز ) وقالت : سأطلب من أبي أن يصفح عنك ..
( ملاز ) : هذا لن يغير شيئاً فيك ولن يجعلك أقل تفاهة مما أنت عليه .
( تلمذ ) وهي تصرخ : ماذا تريد مني أن أفعل إذا ؟!
ملاز ) : أنت أحقر من أن أحتاج أو أريد منك شيء .. عودي إلى أمك قبل أن تفتقدك .
( تلمذ ) بغضب : أنا لست صغيرة كي تنصحني !
( ملاز ) وهو يبتسم : مسكين شيخ القبيلة كان يحلم دائما بشيطان يقود القبيلة من بعده لكنه لم يرزق إلا بك . ( تلمذ ) ودمعة بدأت تنزل من عينها : ماذا تقصد ؟ ( ملاز ) وهو يبتسم بسخرية : أقصد أن كل من يتودد لك ويحاول الزواج منك يطمع في زعامة القبيلة فقط فنسل أبيك قد بتر بك ومن سيتزوجك سيقود القبيلة عاجلا أم آجلا باسم عائلته . بقيت ( تلمذ ) صامته تحدق بـ ( ملاز ) بعد كلاته التي كان لها أثر الصاعقة عليها وبعد ذلك رحلت ولم تتفوه بكلمة .. بعد رحيل ( تلمذ ) بأيام بدأت قوى ( ملاز ) تخور وبدأت الشياطين السفلية تقترب منه ليلاً في انتظار موته والتهامه لأن الشياطين كانت تملك معتقداً أن التهام الأمراء منهم يعطيهم قوة خاصة وفي أحد الليالي وخلال تحرش الشياطين السفلية بـ ( ملاز ) وهو مربوط ابتعدت جميعها عنه فجأة وكأن شيئاً أفزعها ليظهر أبو ( ملاز ) أمام ابنه :
( ملاز ) وهو متعب : أبي ؟
( أبو ملاز ) : ...
( ملاز ) وهو يبتسم وعلى وجهه أثر الإجهاد : هل أتيت لتعجل بموتي یا شیخ ( قیطر ) ؟
( قيطر ) : أتيت لأعطيك فرصة أخيرة .
( ملاز ) : فرصة ماذا ؟
( قیطر ) شيخ القبيلة وافق على مسامحتك .
( ملاز ) : حل وثاقي إذا .
( قيطر ) : هناك شرط يجب أن تنفذه كي يصفح عنك . ( ملاز ) بغضب : لن أخضع لشروطه واتركني أموت هنا ! ( قيطر ) : إذا رفضت تنفيذ شرط زعيم القبيلة سوف تموت بلا شك لكن سوف يتوجب علي أنا وإخوتك ترك القبيلة والتخلي عن ألقابنا وأخواتك سيجبرن على ترك أزواجهن والقدوم معنا .
( ملاز ) : ماذا ؟ .. وماشأنكم أنتم ؟
( قیطر ) : شأننا أنك من دمنا وما فعلته من عار لحق بنا جميعاً .
( ملاز ) بغضب : أنا لم أفعل شيئا !!
( قيطر ) : أنا لم آت هنا كي أجادلك .. أتيت لأسمع قرارك .
( ملاز ) : وما شرطه ؟
( قيطر ) : لن تسمعه حتى توافق عليه .
( ملاز ) : كيف أوافق على شيء لا أعرفه ؟
( قيطر ) : لأن رضاك ليس مهما بل إحساسك بالمسؤولية تجاه أهلك هو الأهم
( ملاز ) : ...
( قيطر ) : ما ردك ؟
( ملاز ) : ...
( قیطر ) : سأخبر الشيخ بأنك رفضت شرطه وسنرحل عن القبيلة فوراً .
( ملاز ) : لا .. سأوافق لأجل أخوتي فقط أما أنت فلا تستحق !
( قيطر ) : وأنت لا تستحق الشرف الذي ستناله .
( ملاز ) : عن أي شرف تتحدث ؟ .. هل يوجد مهانة أكثر مما أنا فيه ؟
( قیطر ) : شرط شيخ القبيلة هو أن تتزوج من ابنته ( تلمذ ) .
( ملاز ) بصوت مرتفع وزمجرة غاضبة : أتزوج من تلك التافهة ؟!
( قیطر ) : تلك التافهة هي اشترطت على أبيها ذلك الشرط وأخبرته أنها لن تتزوج غيرك .
( ملاز ) وهو يحاول فك وثاقه بغضب : لست سلعة لتبيعني لإرضاء أسيادك !!
( قيطر ) وهو يحل زثاق ( ملاز ) : لقد وافقت وانتهى الأمر وإذا كنت تريد أن تحنث بوعدك فلن أستغرب ذلك منك .
اندفع ( ملاز ) نحو أبيه بقوة لكن ( قيطر ) أمسكه من عنقه ورفعه عالياً وقال
: لا تنس نفسك يا فتى فأنا ما زلت أحد أكبر شيوخ قبيلة ( القنان )
وأستطيع إنهاء حياتك بكل سهولة .. رمی ( قیطر ) ابنه على الأرض وهو يقول : استعد لزفافك على ابنة الشيخ ليلة اكتمال القمر ..
..........................................................................
( قيطر ) وهو يدخل على ابنه ( ملاز )
: هل أنت مستعد لزفافك اليوم ؟
( ملاز ) يحدق بوجه أبيه بتجهم ..
( قيطر ) وهو يبتسم : ستحكم عائلتنا قبيلة ( القنان ) بعدما يموت الشيخ الكبير .
( ملاز ) بتجهم : وهل هذا ما يهمك ؟
( قيطر ) : وماذا غير ذلك قد يشغل بالي ويحظى باهتمامي ؟ .. راحتك مثلاً ؟ ! .. لا تفكر بغباء وانظر لهذا الزواج كفرصة لتصبح شيئاً لم تكن لتصل إليه مهما فعلت ! ( ملاز ) بسخرية : ومن قال لك أني أريد هذا الشرف ؟ ( قيطر ) : أعرف بأنك لا تريده لأنك أحمق لكني لن أسمح لحاقتك بأن ترمي بأسرتنا في وحل الذل .
( ملاز ) : ماذا تريد مني الآن ؟ .. لقد وافقت على الزواج وانتهى الأمر .
( قيطر ) : لا أريد منك شيئاً سوى إتمام الزواج بـ ( تلمذ ) .
( ملاز ) : لا تقلق ، لن أعرض إخوتي للمهانة . خرج ( قيطر )
ودخل بعده الأخ الأكبر لـ ( ملاز ) وقال وهو يبتسم : أنت محظوظ جداً يا ( ملاز ) .
( ملاز ) : أعرف .. أعرف لأني سأتزوج من ابنة شيخ القبيلة . جلس أخو ( ملاز ) بجانبه والابتسامة مازالت على وجهه وقال : بل ستتزوج أجمل شيطانة في قبيلتنا .. يبدو أن ( تلمذ ) لم تظهر كامل زينتها في السابق .
( ملاز ) : ماذا تقصد ؟
نهض أخو ( ملاز ) وقال : اخرج وانظر بنفسك . خرج ( ملاز ) وذهب للمكان الذي كانت مراسم الزواج ستعقد فيها وعندما وصل وجد حشوداً من أعضاء القبيلة بانتظاره لتبارك له وكان من عادات الشياطين بعد الزواج الانعزال لشهر كامل في مكان بعيد ثم العودة مرة أخرى لأهلهم وإكمال حياتهم معهم ، فالشياطين كائنات تعيش في عشائر ولا تتفرق إلا نادراً خاصة القبائل المعروفة منها . بعد انتهاء مراسم الزواج خرجت ( تلمذ ) وسط انبهار الحضور بجالها الاخاذ وكان الانبهار قد عم الجميع بمن فيهم ( ملاز ) . وقفت ( تلمذ ) بجانب ( ملاز ) وأمام أبيها الذي
قال : عزلتكم ستكون في كهف ( الرماد ) غرب الجزيرة وبعد شهر من الآن تعودون للقبيلة ويحرم عليكم العودة قبل ذلك . رحل ( ملاز ) مع ( تلمذ ) نحو كهف ( الرماد ) وعند وصولهم ليلاً دخل الاثنان وبمجرد جلوس ( تلمذ ) قال ( ملاز ) : أنا سأبقى خارج الكهف ..
( تلمذ ) بتعجب : لماذا ؟
( ملاز ) وهو يخرج من الكهف : أنا مجبر على العزلة معك وليس بجانبك . تغير وجه ( تلمذ ) من السعادة للحزن الذي خالطه بعض الدموع وباتت وحدها تلك الليلة في الكهف ..
مرت الأيام واستمر ( ملاز ) في المبيت خارج الكهف ليلاً والجلوس سارحاً داخله نهاراً وبالرغم من محاولات ( تلمذ ) المتكررة للتودد له واستمالة قلبه إلا إنها كانت تفشل لأن ( ملاز ) كان يصدها دائماً . استيقظت ( تلمذ ) يوماً ولم تجد ( ملاز ) بجانبها في النهار مما أثار استغرابها في البداية وتدريجياً قلقها . عاد ( ملاز ) ليلاً وكان مبتهجاً على غير عادته فتناست ( تلمذ ) استياءها من غيابه وحاولت استغلال ابتهاجه المفاجئ بالتقرب منه مرة أخرى لكنه عبس وتجهم وصدها وخرج للمبيت خارج الکھف کا اعتاد . يواسيها أو ( تلمذ ) بكت ( تلمذ ) تلك الليلة بكاء أشد من السابق لكنها لم تجد أحداً يمسح دموعها . بعد انقضاء نصف مدة العزلة قررت عدم النوم في أحدى الليالي ومراقبة ( ملاز ) حتى يرحل في الصباح . كان هدفها من تلك المراقبة هو اللحاق به ومعرفة أين يذهب خاصة وأنه مؤخراً بدأ يعود مبتهجاً ولا تزول تلك البهجة إلا عندما يراها . في الصباح استيقظ ( ملاز ) ورحل كعادته لكن هذه المرة تعقبته ( تلمذ ) واستمرت في تعقبه حتى توقف في أحد المروج وجلس على الأرض يحدق بالسماء بعد تشكله بهيئة بشرية . استغربت ( تلمذ ) من ( ملاز ) وكيف كان مبتسماً وحده وهي تقول في نفسها : لماذا يبتسم هكذا ؟ .. ما الذي يسعده ؟ ولماذا يتشكل بهيئة بشرية ؟ بعد فترة وجيزة ظهرت في الأفق فتاة تمشي باتجاه ( ملاز ) فارتبكت ( تلمذ ) وخشيت أن ترى تلك الفتاة زوجها وبالرغم من رغبتها الملحة لتحذيره إلا أنها لم تستطع لأن قوانين الشياطين كانت تحرم خروجها من مكان عزلتها دون إذن زوجها ولم تكن تريد الحاق العار بابيها لذا بقيت تراقب الفتاة بقلق وهي تقترب من ( ملاز ) وهي تقول في نفسها : من الجيد أنه متشكل بهيئة بشرية كي لا تجزع تلك الحمقاء . وصلت الفتاة لـ ( ملاز ) وعندما استقرت خلفه غطت عينيه بيديها و ( تلمذ ) تشاهد المنظر بتعجب وتقول في نفسها : ماذا تفعل هذه الإنسية ؟ تحول تعجب ( تلمذ ) لصدمة خالطتها دموع منهمرة عندما رأت ( ملاز ) يقف ويحتضن تلك الفتاة ويقبلها . بدأ قلبها بالخفقان ودمها بالغليان لكنها كظمت غيظها وعادت للكهف . بعد عودة ( ملاز ) ليلاً جلس خارج الكهف كعادته فخرجت ( تلمذ ) وجلست بجانبه وصمتت لفترة ثم
قالت بهدوء : منذ متى وأنت تعرفها ؟
( ملاز ) وقد أدرك أن ( تلمذ ) عرفت بأمر ( نورة )
: منذ عدة أشهر ..
( تلمذ ) : لكنها أنسية
( ملاز ) : وأنا شيطان .
( تلمذ ) : ...
( ملاز ) : ...
( تلمذ ) والدمع بدأ ينزل من عينيها : سأعود للقبيلة الليلة .
( ملاز ) ببرود : کا تشائين .
( تلمذ ) وهي تمسح دموعها : لقد أحببتك يا ( ملاز ) .. ( ملاز ) : لم أطلب هذا الحب .
( تلمذ ) وهي تمسح دموعها وتبتسم : معك حق .. قلوبنا لا تختار إلا من يشقيها ..
( ملاز ) : قلبي اختار ( نورة ) ولم أر الشقاء معها . ( تلمذ ) وهي تدمع : أتمنى أن تجد معها السعادة التي لم تجدها معي . نهضت ( تلمذ ) بنية العودة للقبيلة لكن ( ملاز ) استدركها وقال : عندما تخبرين القبيلة با حدث سوف أطرد منها بلا شك لكن أرجو ألا يتعرض أبوك لأهلي فهم غير مسؤولين عن ما قمت به .
( تلمذ ) وهي تدمع وتبتسم : لا تقلق يا ( ملاز ) .. من يحب لا يؤذي حبيبه وإن كان الأذى لم يصبه إلا منه . ( ملاز ) : ولا تكرهي نفسك بسببي ..
( تلمذ ) تضحك وتدمع : لا تعط نفسك قدراً أكبر من القدر الذي أكنه لك .. قد أكون أحببتك لكني ما زلت أحب وأعشق نفسي .
( ملاز ) وهو يبتسم : ما زلت متغطرسه ومغرورة بالرغم من ألمك .
( تلمذ ) وهي تمسح دموعها : حب الذات ليس عيباً العيب هو كره نفسك لأنها لم تعجب غيرك ..
اختفت ( تلمذ ) وعادت للقبيلة وتركت ( ملاز ) أمام الكهف يحدق بالنجوم .. بقي ( ملاز ) في الكهف واستمر في مقابلة ( نورة ) في تلك الفترة وبعد انقضاء فترة العزلة عاد ليلاً للكهف ليجد أخوه الأكبر في انتظاره . وعندما رأه عانقه مبتسماً وهو يقول : كيف حالك يا ( ملاز ) ؟
( ملاز ) وهو يجلس أمام الكهف : هل أتيت يا ( بكتو ) لتسخر مني ؟
( بكتو ) باستغراب وهو يجلس بجانب
( ملاز ) : أسخر منك ؟ .. ولماذا أسخر منك ؟ .. لست أول شيطان يفترق عن زوجته .. ما الذي حدث بینکا ؟ ( ملاز ) : لا شيء .. لم نكن منسجمين منذ البداية وما حدث أمر طبيعي .
( بكتو ) وهو يحدق بالأفق : المسكينة نالت عقاباً قاسياً من أبيها .
( ملاز ) باستغراب : ماذا ؟ .. لماذا ؟
( بكتو ) : ماذا تقصد بلاذا ؟ .. لقد تخلت عن زوجها في منتصف العزلة وألحقت العار بابيها .. ماذا كنت تتوقع أن يحدث لها ؟
( ملاز ) : لكن ..
( بكتو ) : لقد اعترفت لأبيها بكل شيء وقالت أنها هي من يرغب بالانفصال عنك وأنك متمسك بها لكنها لا تريد الاستمرار معك .
( ملاز ) وعلى وجهه نظرة تعجب كبيرة : هي من قالت ذلك ؟
( بكتو ) : نعم وأجبر أبيها على الاعتذار لأبينا أمام القبيلة كلها قبل أن يطردها .
( ملاز ) : طردها ؟!
( بكتو ) : لم أنت مستغرب ؟ .. هذا أقل ما يمكنه أن يقوم به .. لقد عاقبها وعذبها لأيام ولولا تدخل أبي وتوسطه لإنقاذ روحها لكانت في عداد الاموات .
( ملاز ) والضيق بدأ يظهر على وجهه : وماذا عني ؟ ( بكتو ) : أنت رفعت رأس أبيك عالياً لدرجة أنك لم تقطع عزلتك والتزمت بعهدك وهو الآن بانتظارك ليباهي بك أمام القبيلة . صمت
( ملاز ) وأنزل رأسه للأرض ثم قال : أخبره بأني لن أعود . ( بكتو ) بتعجب : ماذا ؟ لن تعود ؟ ! .. لماذا ؟!
( ملاز ) : لأني لا أستحق العودة .
( بكتو ) : أنت لم تذنب بشيء .. ( تلمذ ) هي من دنست شرف أبيها وقد عوقبت على ذلك .
( ملاز ) : أين هي الآن ؟
( بكتو ) : لا أعرف .. كل ما أعرفه أنها طردت من القبيلة . ( ملاز ) وهو ينهض : عد للقبيلة وأخبرهم بأني سأنشق عنهم .
( بكتو ) بعجب شديد : لماذا ؟!
( ملاز ) : لأكون بقرب من أعشق .
( بكتو ) : لاتهن نفسك فـ ( تلمذ ) لا تريدك وملاحقتك لها ستلحق العار بابيك .
( ملاز ) وهو يقف : أنا لا أقصد ( تلمذ ) .
( بكتو ) وهو ينهض : عن من تتحدث إذاً ؟
( ملاز ) : لقد عشقت فتاة من الإنس وسوف أقضي ما تبقى من حياتها معها .
( بكتو ) وهو يلطم ( ملاز ) بغضب شديد ويصرخ فيه : أنت مصر على الحاق العار بأبينا ؟!
( ملاز ) : بل هو من يصر على ذلك بالبحث عن أتفه الأسباب .
( بكتو ) وهو يصرخ بغضب : هل عشق البشر سبب تافه ؟!
( ملاز ) : بالنسبة لي نعم .
( بكتو ) بعصبية وصوت مرتفع : لن أتستر عليك وأحميك لقد سئمت من ذلك ! .. سوف أخبر أبانا با فعلت وسوف تنبذ من القبيلة وتطرد منها إلى الأبد !!
( ملاز ) وهو يختفي : هذا ما كنت أريده منذ زمن طويل . : رحل ( ملاز ) واستمر في مقابلة ( نورة )