الفصل الثاني " خطوة الإنتقام "

944 75 9
                                    

" أنت تكذب ..."
صاحت بها بصوت متقطع ليرد والدها بتماسك :-
" أنا لا أكذب يا ميريام ... لقد تخلصت من إبنة الحرام تلك ..."
قاطعته بصياح باكي :-
" تلك التي تتحدث عنها إبنتي .. إبنتي أنا ..."
هدر أسعد بجمود :-
" ستبقى إبنة حرام لذا التخلص منها كان هو الحل الوحيد ..."
انتفضت من مكانها تصيح به يجزع :-
" أنت مجرم ... لا ضمير لديك ..."
أكملت بشفتين مرتعشتين :-
" كيف فعلت هذا ..؟! كيف إستطعت قتل طفلة صغيرة لا ذنب لها فيما حدث ..."
قال والدها بسخط :-
" أنا فعلت ماهو أفضل لها أيضا ... رحمتها من مجتمع لم يكن ليرحمها مهما حدث ..."
همست من بين دموعها :-
" كنت سأخذها الى إنجلترا ... سنحيا انا وهي هناك بعيدا عن مجتمعك الذي لا يرحم ..."
تمتم ساخرا :-
" أنت لا تعين ما تقولينه ... أنا أنقذتك وأنقذتها هي الأخرى ..."
أضاف بجدية :-
" والآن تجهزي لعقد قرانك الليلة ..."
هدرت بعدم تصديق :-
" أنت تمزح حقا .. أي عقد قران ..؟! أنا لا أريد الزواج بل لا أريد البقاء هنا لحظة واحدة ..."
" القرار ليس لك يا ميريام ... هذا قراري أنا ..."
قالها بصوت قوي ثابت فشعرت لثواني إنها لا تقف أمام والدها الذي عرفته لسنوات بل أمام شخص آخر تراه للمرة الأولى في حياتها ...
سألته بصوت باكي متقطع :-
" لماذا تفعل بي هذا ..؟! لماذا تؤلمني بهذه الطريقة ..؟! لماذا تعاقبني بهذا الشكل ..؟!"
أجاب وهو ينظر أمامه متحاشيا النظر لوجهها الباكي :-
" ما أفعله حاليا لأجلك .. لأجل ضمان حياة مستقرة لك ... ستتزوجين مؤيد ابن صديقي .. هو شاب محترم ويعرف بوضعك ووافق على الزواج بك ..."
سألته بدهشة عفوية :-
" وافق على الزواج مني رغم معرفته بكل شيء..!"
سألته بعدها بسخرية قاتمة :-
" وما المقابل الذي سيأخذه منك مقابل هذه التضحية العظيمة ..؟!"
رد بلا مبالاة :-
" ليس من شأنك ... ما يهم إنك ستحصلين على حياة كريمة مع زوج محترم ..."
قاطعته بصلابة :-
" لا أريد .. تلك الحياة الكريمة لا أريدها .. إذا كان هناك شيء واحد أريده فهو إبنتي وأنت قتلتها وبفعلتك هذه قتلتني معها .."
صاح عليها بحدة :-
" أنت ستفعلين ما أريده يا ميريام ..."
تراجعت الى الخلف تعترض بقوة :-
" لن أفعل ..."
هتف مهددا :-
" سأتبرئ منك حقا هذه المرة .. سأحرمك من كل شيء ... حتى الشقة الصغيرة في لندن سأخذها منك .. حتى الأموال القليلة التي كنت أرسلها لك لتشتري لقمتك سأمنعه عنك .. "
أنهى حديثه وهو يشير نحو الباب خلفها :-
" إذا خرجت من هذا الباب فلا عودة لك مهما حدث .. سوف تنسين إن لديك أب إسمه أسعد .. سوف تجدين نفسك في الشارع لإن حتى ثمن تذكرة العودة الى لندن لن تأخذينها مني ..."
توقفت للحظات تناظره بملامح مبهمة قبل أن تنطق ببرود:-
" أن أحيا في الشارع أفضل بكثير من بقائي هنا مع قاتل إبنتي .."
سألها ساخرا :-
" واثقة لهذا الحد في قدرتك على العيش بدوني أو بالأحرى بدون أموالي .."
هتفت بملامح قاتمة تماما :-
" ليس مهم ..  ما هو أسوأ شيء سيحدث لي مثلا ..؟! سأموت مثلا .. أساسا هذا ما أريده فبعد كل ما حدث لا رغبة لي في الحياة ..."
....................................................
أفاقت من شرودها على صوت يسألها بإهتمام :-
" وماذا حدث بعدها ..؟!"
تأملت تلك الحسناء التي تتسائل بفضول عن باقي حكايتها لتهز كتفيها وهي تحبب ببساطة :-
" تركت كل شيء ... خرجت من المنزل وأنا لا أمتلك دينارا واحدا في جيبي ... في اليوم التالي وجدت ليان تتصل بي وتطلب رؤيتي ... أخبرتني إنها علمت بما حدث من والدي وأعطتني مبلغا جيدا وأخبرتني إنها ستتواصل معي سرا دون علم أحد ما عدا عمتي بالطبع فهي من أرسلت لي الأموال ..."
سألتها الفتاة مجددا بحيرة :-
" لماذا لم تعودي الى لندن إذا ..؟!"
تنهدت ميريام وهي تجيب :-
" كنت سأعود الى لندن لولا ما حدث .."
أضافت وهي تتأمل الفتاة أمامها :-
" يومها ذهبت الى منزل عمر ... الشخص الذي تسبب لي بكل هذا الدمار وتركني وحيدة أصارع الجميع ... "
" حقا ..؟!وماذا حدث ..؟! ألم يكن في الخارج ..؟!"
سألتها الفتاة بدهشة حقيقية لتبتسم ميريام ساخرة وهي تجيب :-
" كلا لم يكن في الخارج ... كانت كذبة من كذباته على ما يبدو وأنا صدقتها ... لقد رأيته يحيا بسلام مع زوجته وأطفاله .. "
سيطرت على غصة مريرة داخل حلقها وهي تضيف بقهر :-
" كان لديه صبيين وفتاة صغيرة ... صبيان أحدهما يبدو في العاشرة من عمره .. هل تعلمين ما يعني هذا ..؟!"
نظرت لها الفتاة بأسى لتضيف بدموع قهر :-
" هذا يعني إنه كان متزوجا قبل أن يلتقي بي .. لقد خدعني ... كذب علي بكل شيء ... "
" ميريام .."
قالتها الفتاة بشفقة وهي تتقدم نحوها لتوقفها ميريام بحزم وهي تردد:-
" أنا بخير يا دارين .. بخير تماما .."
أخذت نفسا عميقا ثم شمخت برأسها وهي تضيف :-
" يومها أقسمت إنني سأنتقم منه .. سأدمره كما دمرني .. سأنال حقي وحق طفلتي منه .. ومنذ ذلك اليوم وأنا أستعد للإنتقام منه بأي طريقة كانت .. مر خمسة عشر عاما على ذلك اليوم لم يهدأ فيها حقدي عليه وغضبي منه ..."
أكملت وهي تبتسم بمرارة :-
" لم يستطع أي شيء طوال الخمسة عشر عاما السابقة عن التخفيف من وجعي ورغبتي في الإتتقام منه ... لا زواجي من والدك ولا نجاحي في عملي ولا أي شيء ..."
نهضت دارين نحوها وعانقتها رغما عنها تردد بصدق :-
" أنت بطلة يا ميريام .. لقد تحملت الكثير ... الكثير مما لا يتحمله أحد ..."
أكملت وهي تبتسم لها بصدق :-
" كان معه حق بابا أن يختارك زوجة له ... أن يرى فيك المرأة التي تصلح لتربية إبنته .. كان لديه بعد نظر .."
همست ميريام بجدية :-
" والدك كان يعلم بكل شيء يا دارين .. لقد صارحته بالحقيقة عندما عرض الزواج علي ...."
أكملت وهي تربت على وجهها :-
" أنت يا دارين الشيء الوحيد الذي خفف عليّ ما أعيشه ... وجودك ساعدني في التعايش مع كل هذه الخسارات ..."
سألتها دارين بحذر :-
" لهذا السبب لم تنجبي من بابا طفلا ..؟!"
ردت ميريام بصدق :-
" هذا كان شرطي الوحيد قبل زواجي منه والغريب إن هذا الشرط أفرحه كثيرا فهو الآخر كان مكتفيا بك .. حينها شعرت إن هذه إشارة من الله لأقبل الزواج منه والحمد لله زواجي منه عوضني عن الكثير ..."
أخذت نفسا عميقا ثم قالت :-
" ما عدا شيء واحد لا يمكن تعويضه .. خسارتي لإبنتي .. تلك الخسارة التي ما زالت نارها مشتعلة داخل صدري منذ يوم ولادتها عندما أخذها والدي مني .. منذ عشرين عاما ..."
أضافت بدموع تساقطت على وجنتيها :-
" ولن تهدأ تلك النار حتى أخذ بثأرها من الجميع وأولهم ذلك المدعو والدها ..."
هتفت دارين بجدية :-
" وأنا معك .. ذلك الرجل يجب أن يعاقب على ما فعله بك وبإبنتك رحمة الله عليها ..."
أكملت دارين تسألها بجدية :-
" أخبريني .. هل هناك خطة معينة في رأسك ...؟!"
ابتسمت ميريام بصلابة وهي تقول :-
" لدي الكثير .. الكثير يا دارين ..."
أضافت وهي تنظر الى عينيها بقوة :-
" البداية ستكون من عندك أنت .. "
سألتها دارين بإهتمام :-
" كيف ..؟!"
قالت ميريام بجدية :-
" قبل أن أخبرك .. أريد أن أعلم .. هل أنت متأكدة من رغبتك تلك ..؟! هل واثقة من قرارك في مشاركتي ما أنوي عليه ..؟! انا لا أريد أن أجبرك على شيء وأنت تعرفين إن رفضك لهذا لن يؤثر على علاقتنا ولا على محبتي لك ..."
قالت دارين بسرعة :-
" انا معك يا ميريام .. معك دائما وأبدا..."
ابتسمت ميريام براحة قبل أن تهتف بجدية :-
" إسمعيني إذا ..."
يتبع

خطيئة ميريام حيث تعيش القصص. اكتشف الآن