حِس المغامرة

139 8 5
                                    

في أحد ليال الشتاء الباردة وخاصة شهر ديسمبر حيث نسمات الهواء تلطف الأجواء، والأمطار تتساقط فتعيد معها الذكريات، ويا لها تلك الليالي الشتوية وخاصة تلك التى تحمل معها الذكريات الحزينة فكم هي قاسية تلك الأيام! فبالرغم من أن البعض يعتبرها ليالٍ تعيد بناءه من جديد، وتجلب له البهجة والسرور، هناك نفر آخر تمثل له الدفء والحنان؛ لأنه يجتمع مع عائلته ويستمتع بمشاهدة مسلسله المفضل وهو يحتسي كوب القهوة الذي أُعد بيد من يُحب، والبعض الآخر يعتبرها مصدر لجلاء الحزن من القلوب، ويعتبروا تلك الشهور الباردة شهور السعادة والنشاط؛ ألا إنها للأسف لم ثمثل لي أيًا من هذين؛ ففي مثل تلك الأيام مات حبيب القلب والفؤاد، مات من كان لي حياةً وسندًا، مات من كان لي الحبيب والأب والأخ والصديق، مات من كان ينتشلني من الأفكار التي تتناطح بداخل عقلي، من كان يشعر بي بمجرد النظر بعيناي، مات والدي كانت تلك الكلمات التي قالها لنفسه عندما شعر بتلك الأجواء وبعد أن خف المطر شيئًا فشيئا حتى أصبح كدمع العين هتونًا رقيقًأ وبدأ البرد القارس يلفح وجهه أغلق النافذة ووقف في شرفة منزله والتي تطل على شاطيء البحر، وكان يرتدي قلنسوة من شدة البرد ويستمتع برائحة المطر والتي طالما كانت مصدر لإعادة بناءه من جديد وإزالة الحزن من قلبه وكان يستمتع بنسيم الهواء اللطيف وصوت الماء الهادئ الذي يبث في الروح الراحة النفسية وشرع يقرأ كتابه الجديد الذي اقتناه من المكتبة منذ أيام، والذي يحكي عن منطقة تسمى "الجزيرة المسحورة" والتي تقع في محافظة الفيوم بالقرب من منزل جده، والتي كان يحذره الجميع من الذهاب إليها منذ ريعان شبابه وعندما كان يذهب لبيت جده في الفيوم في اجازته الصيفية في كل مرة يحاول فيها التسلل يمنعوه، ويقولون أن من يذهب لا يعود وينتقل إلى عالم منسي لا يُعرف عنه شيء ولأنه كان ولهان بحب المغامرة قرر أن يقرأ كتاب عنها ويعرف السر وراء هذه الجزيرة وسبب تسميتها بالمسحورة، ولكونه شغوف بالقراءة ظل مستيقظًا طوال الليل ولم ينم سوى عندما أنهى الكتاب، ونسى أمر الاجتماع الذي سيُعقد غدًا وسيحضره الكثير من رجال الأعمال المعروفين والمترجمين من جميع أنحاء العالم وكانت ستكون فرصته حتى يحصل على الترقية؛ لكنه ضيع كل هذا بسبب تلك الرواية ولم يكمل المشروع الذي كلفه المدير بإنهائه وانخرط في القراءة وهو يحتسي كوب القهوة الذي أعدته والدته وما أدراك ما القهوة التي تعدها والدته تجعل من لا يعشق القهوة يذوب في حبها؛ فهو يخبرها دائمًا أنها تخصص قهوة، وهي بالنسبة له كل شيء في حياته، وحبه الأول والأخير فهي التي تحملت الكثير لأجله وكانت بمثابة الأم، والأب، والأخت، والصديق معًا، وبذلت قصارى جهدها كي يصبح ناجح ويعتمد على نفسه، فقد تخرج في كلية الآداب قسم اللغة التركية، وكان يحمل أن يصبح مترجمًا مشهورًا، ويترجم آلاف الكتب، ويسافر إلى تركيا؛ لكن كل هذا مجرد أحلام وردية ولم يتحقق أيًا من هذا، وكان يعمل في أحد الشركات الخاصة بالترجمة الفورية وكان هذا أحد أحلام حياته منذ دخوله الجامعة؛ لكن هوايته هي المغامرة وحب الاستكشاف وبالرغم من نشاطه الذي يظهر في أغلب الأحيان ألا إنه عندما يتعلق الأمر بالعمل يصبح كسولًا للغاية وكأنه أصبح مثل الدبي القطبي لا يفعل شيء سوى الأكل والنوم والعجيب أنه ناجح في عمله والكل يشهد بكفاءته... ومع حلول السابعة صباحًا في صباح اليوم التالي دق المنبه الخاص به معلنًا عن اقتراب وقت الذهاب إلى الشركة التي يعمل بها وهو كالاطفال لا يبالي، أغلق المنبه واستمر في النوم ظنًا منه أنه سيغفوا خمس دقائق أو بالأكثر ربع ساعة فقط وسيستيقظ وهنا كانت صدمته فعندما استيقظ ونظر لساعة يده وجدها العاشرة صباحًا فانتفض من مكانه كالمجنون لا يعرف ماذا يفعل هل يمثل أنه مريض كما كان يفعل منذ أن كان في المدرسة أم يذهب ويستحمل توبيخ المدير له؟ وما زاد الأمر تعقيدًا أن اليوم كان هناك اجتماع مهم في الشركه ولم يتبقى سوى ساعة فقط فبدأ في السير من مكان للآخر ويقول بصوت مرتفع وكان يعتقد أنه منخفض ولا أحد يسمعه:

الانتقال عبر دروب الأرضحيث تعيش القصص. اكتشف الآن