الكلب

295 9 1
                                    

بمعطفه الجديد ؛ وبشيء ما يتأبطه يلجُ العريف " آخميلوف " باحةَ السوق يتبعه شرطيٌّ ذو شعر أحمر ، حاملاً ما صادراه من فاكهة .. الصمت يشيع في الأرجاء ، وليست ثمّة حركة جلّية .. أبوابُ المحلات ونوافذها مواربةٌ علىَ سعتها مثل أفواه جائعة تحدّق بأسى لدنيا الله .

علىَ نحوٍ مباغت تٌمزّق أستار الصمت صرخةُ : " هكذا تريد أن تعضّني أيها الكلب الملعون . هذا زمان ما عاد للكلاب حرّية عضّ الآخرين .. آه !.. آه أوقفوه !.

يندلع نباحٌ متواصل .. تتوجّه أنظار " آخميلوف " ناحيةَ الصوت .. هناك كلبٌ برجلٍ عرجاء يفرٌّ هارباً من ناحية " مخزن أخشاب بنجوجن " ملاحَقاً مِن قبل رجلٍ ذي قميص أبيض يحاول الإمساك به فيتعثّر ساقطاً .. غير أنّه يفلح في القبض عليه من قائمتيه الخلفيّتين .. يعوي الكلبُ ومعه تستمرُ صيحاتُ الرجل .

وجوهُ بعيونٍ ناعسةٍ تطلُّ من نوافذ المحلات ؛ تُطالع حشداً بشرياً التأم سريعاً كأنّه انبثقَ من ثنايا الأرض .

- " أتعتقد أنّ من الضروري توجيه اللوم والتوبيخ لتجمّع ٍغير مسموح به كهذا ؟ ".. يحاور آخميلوف شرطيَّهُ .

يستديرُ يساراً ويخطو باتجاه الحشد جوار الباب الرئيس لمخزن الأخشاب ، يشاهد الرجلَ ذا القميص الأبيض يرفع يداً عارضاً على العيون المُبحلِقة إصبعاً مُدمّىَ فيما وجهه يشي بتعابيرِ رجلٍ شبه مخمور : " إنتظر ! .. سأجعلك تدفع الكثير مقابل هذا ، أيها الشيطان " .

وسرعان ما يتعرّف أخميلوف على الرجل : إنّه " كريوكين " ؛ مثلما يشاهد الكلب خالقَ الجلبةِ يرتجفُ وسط الحشد وقائمتاه الأماميتان ممدودتان ..كلبٌ أبيض تُبقّع ظهرَه بقعةٌ صفراء ، عيناه تمتلئان بتعابير الخشية والقلق .

- " ما الخَطب ؟ ! " .. يروح أخميلوف يتساءل ، صانعاً طريقاً له وسط الحشد " . لماذا تقف هنا ؟ وما الذي جرىَ لإصبعك ؟ ومن كان يصرخ ؟ "

- أنا .. لم أمَسَ أحداً .. ينطقُ "كريوكين" ثم يواصل "كنت أتجول في غابة ديمتري ديمتريفتش ، هناك عندما هاجمني هذا الكلب المتوحش وعضّ اصبعي .. ليس لديَّ يا سيدي غير هاتين اليدين أعمل بهما ، وعضّةُ هذا الكلب ستوقفني عن العمل لفترةٍ لا تقل عن سبعة أيام ، لهذا على صاحبه أن يدفع لي تعويضاً ؛ ألا يوجد في القانون ما ينبغي تحمله من تبِعات مخاطر الحيوانات ، لانّه لو تُرِك لكلِّ حيوان حريةَ العضّ والفتك بالآخرين فلن يبقَ أحدٌ علىَ قيدِ الحياة في هـذا العالم"

بصرامةٍ ظاهرة يرتفعُ حاجبا العريف أخميلوف ويهبطان :

- مَن هو صاحب هذا الكلب ؟ .. لن أسمح لمثلَ هكذا خروقات أن تحدث وتستمر . إنَّ على الجميع أن لا يتركوا كلابَهم طلقيةً كما تشاء ، لقد ولّىَ الزمن الذي يُترك فيه مَنْ لا يُطيع القوانين سأعاقب مالكَ هذا الكلب ، وسأعُلِّمه من أنا . يستدير إلى الشرطي المرافق :

لقد وصلت إلى نهاية الفصول المنشورة.

⏰ آخر تحديث: Jun 12, 2015 ⏰

أضِف هذه القصة لمكتبتك كي يصلك إشعار عن فصولها الجديدة!

يوميات مسافر....مختارات من قصص أنطون تشيخوفحيث تعيش القصص. اكتشف الآن