الفصل الثامن
"أحتاج إليك وأهرب منك وأرحل بعدك من نفسي "
ابتسمت واصابعها تتلاعب بجديلة شعرها الطويلة ... تنظر دانة الى نفسها بالمرأة الموجودة بالصالة الصغيرة... ووالدها يجلس بالغرفة المقابلة .. يتقصد تحريك الكرسي الخشبي الذي صنعه .. ويدق جوانبه مجددا متعمدا لفت انظارها السارحة،
لكن دانة كانت بعالم آخر... تسافر بأحلامها فوق الغيوم العالية .. . تنهدت وهي تتطلع لوالدها الذي أبتسم لها واقتربت منه ...وعينيها ترمقان الكرسي الخشبي بنظرة عابرة ... وقفت للحظات ثم خطت نحو المذياع الصغير لترفع صوته قليلا...
لأول مرة تتذوق كلمات الحب التي تتردد من الأغاني القديمة التي كانت تبغضها سابقا بكل صباح ومساء ... لكنها تصمت صاغرة أمام والدها الذي اعتاد ذلك
" الحب كظلي يتبعني يعدو بجنون من خلفي من خلفي"
حركاتها المكشوفة .. جعلته ملامحه تكفهر ، مستعجبا هل وردته الصغيرة تفتحت؟؟...
انتفض رأسه بقوة وكأنه يرفض تلك الأفكار .. ويطيح بها بعيدا...
دخلت زوجته الى المنزل .. مستغربة عدم رده على تحيتها ... فسألته وصوت الاغنية يترقرق بإرجاء الغرفة
" والحب فرار والبعد قرار
و أنا.. أنا ... أنا.. أنا
لا أملك أن أختار "
هذا المقطع تحديدا جعله يدق الكرسي بقوة اكبر حتى تفسخت جوانبه ... اجفلت فتساءلت بعجب!!
.. " اين دانة؟ "
اشار بحاجبيه الكثين نحو غرفتهما .. بضيق واضح
دخلت زينات اليها... وتوسعت عينيها عندما شاهدتها تمسك بإحدى أقلام الشفاه الخاصة بها قديمًا...
تضعه فوق شفتيها ...اللتان لم تعرفا سوى لونهما الطبيعي .
يتبعبجلستهم المعتادة سويا ... تجلس غفران متباعدة عن اختها ..متشاغلة بحديثها مع كنان ... لا تزال صفعتها تترك بنفسها أثرا عميقًا ... ربما لو كانت صفعة تأديبية لكان الوضع هينا ... لكنها كانت تريد كسرها.. تطويعها لتكون منحطّة ..لا أخلاقية!
" استمعوا جميعا.."
التفتوا الى والد كنان صامتين .. منتظرين كلامه .. فقال وهو ينظر الى زوجته
" اسماء .. غدا تأخذين موعدا من عائلة العروس التي يريدها كنان "
صاحت غفران مصفقة بسعادة.. بينما اسماء التي تتصنع الابتسامة.. نظرت إليها تكاد ان تطرحها ارضا .. وتقتلها !
أما كنان كان يشعر بجسده يرتجف تشدقا.. لقد خاف أن تكون العقبات عديدة و اكبر مما يؤهله لحملها .
يرمقه والده بنظرة حزينة ... رغم مدراته لذلك .. جزءًا داخليا منه لا يعد راضيا ...
لكنه قطع وعدًا على نفسه ... وعد زوجته التي احبها بكل جوارحه .. ألا يرفض لهُ طلبا يحزن قلبه .
///
اليوم التالي صباحا
يكاد الارق ان يفتك بها ... صداع طويل عانته ليلة الامس ...
بعد ليلة مرهقة من التفكير والتخطيط
جل ما تسعى إليه هو ان تفقد دانة اهليتها للزواج من كنان ..
بعدها ستعيدُ المواضع لنصابها الصحيح وتزوج غفران منه على وجه السرعة .
اما هشام سيأخذ النقود التي يريد وبعدها لا تريد ان ترى وجهه ..
سخرت اسماء من نفسها .. كلما تذكرت كيف كانت غارقه بحبه .... :فهشام الوسيم" كما كانوا ينادونه... لديه شخصية اجتماعية تجذب النساء بلباقته ... ستكون كاذبة إن انكرت ذلك ..
لكن الحب لا يطعم خُبزًا ...
ربما كانت قاسية بابتعادها المفاجئ... بزواجها وتخليها عن ارتباطهما المحتم ... وبعد سنوات لازال يكرر على مسامعها بأبشع الكلمات بأنها باعت الحب مقابلا للمال والجاه !
حبل الود لم ينقطع ... الحاجة الى شخص يسمعها كل فترة ..
الى رجل تعلقت به ..جعلها تبقى على تواصل خفيٍ معه حتى وبعد مضي هذه السنوات
بعد لحظات نزلت الدرج .. متعمدة أن تجعل الخادمة هي من تنادي على زينات تود ان تصارحها لتلفق كذبة ما
لكنها لا تستطيع ضمان صمتها... زينات كثيرة الثرثرة .. وتتحدث على سجيتها .. قد توقعها بمصيبة ما ...هي بغنى عنها امام زوجها !!