الفصلُ الثَّاني: سُخرية

146 15 86
                                    


-

بَعدَ رحيلِ ليفاي، أدركَ النومُ ميكاسا فِي ساعاتِ الصباحِ الأولَى، فبقيت نائمةً حتى الثامِنةِ صباحاً..حينَ أيقظهَا رَنينُ هاتِفها.
طُلبَ منها أنْ تحلَ مكان أحدِ الأطباءِ في المستشفى، فوافقت على الفورِ، فأيُّ شيءٍ سيكونُ أفضَلَ من قضاءِ النهارِ تُفكرُ في موتِ أُختها.

لم تُخبر ميكاسا أحداً بالأمرِ، و لم يلاحظ أحد أن الطَبيبةَ ليونهارت بكتْ طوالَ الليلِ حتى نامت، فقدْ بدا وجهُها جاداً هادئاً.

لم يتبدد حُزنها بالطبع، لكنها أجلتْ التفكِير فيهِ إلى ما بعدَ العملِ فِي قسمِ الطوارئ...وما لبثَ أن اعتراهَا من جدبدٍ في اللحظةِ التي دخلَت فيها إلى شقتِها.

استطاعتْ أن تتصلَ بعمةِ أبيها و خالتها، وهما القريبتانِ الوحيدتان، كما أثارت كلماتُ خالتها المعزيةِ مَشاعرهَا، وعند رنين هاتفها مجدداً لم ترد...فقد كانت تذرفُ دموعاً حارقةً.

و بعدَ مُرورِ وقتٍ طويلٍ تذكرت ذلك الإتصال، ففتحت هَاتفها لتجد أن المتصلَ تركَ لها رسالة...في الواقعِ كانت ثلاثاً.
كلُّ واحدةٍ أكثرُ اختصاراً من الأخرى، من ليفاي يطلبُ منها فيها الإتصالَ عليهِ للتحدثِ عنْ ترتيباتِ الجنازة.

تذكرت طريقةَ كلامهِ معها، بدا واضحاً أنهُ لم يعد يَشعورُ بأي تعاطفٍ نحوها، و حدثتْ نفسها بأنَّ ذلك لا يَهُمها..فهي لا تُريدُ اهتمامه، لأنهُ لم يفهمها قطُّ أو يفهم نوعَ العلاقةِ التي تربُطها بآني.
إنهُ لا يعرفُ شيئاً عنِ الماضي الذي ربطَ بينهما كثيراً، قبلَ أن يعودَ ليُفرقهما.

أرادتْ آني أن تأخذَ سرها مَعها و تَدفنهُ بعمقٍ بِحيثُ لا يَعثرُ عليهِ أحد، و كانَ لميكاسا يدٌ في ذلك لأنها تَعرفُ السر و ساعدتهَا في إخفائهِ، وهي ستحتَفظُ بهِ أيضاً.

لكن آني لم تكنْ واثقةً من قُدرتها على ذلك، فهي لم تَكن تُحافظ على أسرارِ الآخرينِ، لذا افترضت أنَّ ميكاسا مثلها...وهكذا بقيت خائفةً من اليومِ الذي تُفشي فيهِ ذلكَ السر، فأبقتها بعيدةً عنها، و عن أسرةِ أكرمانِ و عنْ حياتها الجدِيدةِ بأكملها.

و قد رضيتْ ميكاسا عن ذلكَ تقريباً، فهي كانت المسؤولة جُزئياً عنِ الماضي...لو ضبطت سلوكَ آني بشكلٍ أفضل، لما حملت هذهِ وهي في السادسةِ عشرةَ من عُمرها!
و قد مرتْ خمسةُ أشهرٍ قبلَ أن تُدركَ ميكاسا ذلك، إلى أن رأتها يوماً تبكي كفتاةٍ صغيرةٍ.

و قد أخفَت ميكاسا رعبها -هي الأخرى-، وخَففت عَنها بدلاً من أن تُعنفَها..و إلى أن هدأت آني و تملكتها الحماسةُ للحياةِ التي تنمو في أحشائها، فأخذت تتحدثُ عنِ الإسمِ الذي يُمكنُ أن تُطلقهُ على المولودِ و الثيابِ الغاليةِ الثمن التي ستشتريها لهُ.

وعود خالدة - Oral promisesحيث تعيش القصص. اكتشف الآن